الموقف من الفدرالية مؤشر لعدم الثبات في سلوكيات الجماعات والاحزاب السياسية غير الكردية في العراق.قوى ترفض أي شكل من الاقاليم، ثم تتحول الى راع لها، واخرى تدافع عنها ثم اتجهت الى النقيض.

المجلس الاعلى بقيادة الحكيم، ظل الى وقت قريب الداعي الرئيسي لإنشاء الاقاليم. واتهم حينذاك بانه يريد تحقيق مشروع ايراني قائم على تقسيم العراق. القوى السنية وقفت في الجانب الاخر، رافضة مجرد التفكير بالفدرالية خارج كردستان، بل هناك من تحفظ على الاقليم الكردي.
عام 2008 مرر مجلس النواب قانون رقم 13 المسمى بقانون quot;الاجراءات الخاصة بتكوين الاقاليمquot;. ووجه حينها برفض من قبل جبهتي التوافق والحوار وحركة الوفاق، وهم اباء ائتلاف العراقية الحالي. وحاولت كتلتا الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني استمالة التوافق بوضع فقرة في القانون تنص على ان نفاذه يبدأ بعد 18 شهرا من اقراره.
مرت الاشهر الثمانية عشر، ولم يقدم احد على تنفيذ القانون. تبدلت المواقف فيما بعد. باستثناء التيار الصدري والاكراد واياد علاوي، لم تثبت القوى السياسية الاخرى على ما كانت عليه. دعاة الفدرالية السابقون فقدوا الحماس تجاهها. ومن داخل ائتلاف العراقية ظهرت الدعوة الجديدة لها، واصبح الحزب الاسلامي عرابها.
مؤكد ان رئيس الحكومة نوري المالكي بسياسته المتنافية مع شروط الشراكة، على الاقل في الملف الامني، عامل مهم اقنع الكثير من الجماهير السنية بفكرة الفدرالية. الا ان هذا عامل واحد بين عوامل اخرى.
تبدل المخاوف وبالتالي اتجاهات الصراع على السلطة من اهم العوامل. احزاب الخارج الشيعية عندما عادت الى العراق، حملت قلق الخائف من خسارة السلطة المركزية، وتلك السنية اعتقدت سابقا ان بمقدورها استعادة حكم بغداد بعد خسارته. حيثيات لم تعد كما هي، فاختلف الحال والقناعات.
حتى الان لم تولد في العراق صيغة مناسبة تحقق مستوى عادلا لمشاركة الطوائف السياسية. السلطة الشيعية تبقي للمشاركة السنية مساحة مختصرة، تكون احيانا شكلية، بينما تبدو القوى السنية راغبة بصيغة قريبة من الثلث المعطل على الطريقة اللبنانية. وبين الاتجاهين يصعب الوصول الى حل وسط.
كما ان الصراع يدور على تحديد ملامح السلطة وليس داخلها. ففي العراق ما تزال شروط الحكم واتجاهات العملية السياسية غير متكاملة ولم تأخذ شكلها النهائي، ما يجعل الاطراف القوية تتنازع بطريقة مختلفة عما اذا كان النظام السياسي مستقرا وواضح المعالم.
في حال الاستقرار يستهدف التنافس سدة الحكم، بينما في الحالة العراقية غير الثابتة يتجاوز الامر ذلك، بل يجاهد الفرقاء لفرض شروط وظروف وامر واقع يستهدف خلق نظام يثبت المكاسب.
تخلق هذه العوامل وضعا مربكا في التعاطي مع الفدرالية. القوى الشيعية المتنفذة لم تعد تحتاج الى اقامة اقليم المحافظات التسع، بعد ان قطعت شوطا كبيرا في تعزيز حكمها. وتنقسم القوى السنية بين تيارين، الاول يقوده الحزب الاسلامي واطراف مهمة في العراقية، يريد اقليما، والاخر متردد او متحفظ يتكون من جماعات سياسية او عشائرية خارج مجلس النواب. ويشي مشهد التظاهرات بهذا الانقسام، تارة يبرز شعار الفدرالية واخرى يخبو ليعلو محله quot;الزحف الى بغدادquot;.
ارباك المواقف يعني عدم وجود رؤية استراتيجية. لذلك يخاطر من يتعامل مع قضايا مصيرية نزولا عند ضغوط مؤقتة. ومن المقلق فعلا ان يكون جدل اقامة الاقاليم نابعا من ضغوط زائلة، وليس من عين تنظر للمستقبل الابعد من الراهن. فالنظام الفدرالي جيد، تطبيقاته العالمية اغلبها ناجحة، الا ان اختياره كردة فعل على وضع قد يكون مؤقتا، ربما يجر الندم.
صحيح ان خيارات المعارضين تبقى محدودة في هذا الفضاء الملبد بالفوضى السياسية، الا ان هذا لا يبرر حصول اخطاء كبرى. لابد من الوثوق بدء من ان يكون تأليف الاقاليم علاجا جذريا لمشكلة قائمة ولا يؤدي الى تداعيات اخطر.