بعد أن أسدل الستار، أو كاد، على أحداث عامين ونصف تقريبا، صعد خلالهما فصيل الأخوان الى واجهة الأحداث، ليتولى زمام السلطة أو يتقاسمها في أكثر من دولة من دول الربيع العربي، جاء الخروج من المشهد المصري مأساويا، سواء عبر احتشاد شعبي غير مسبوق، أو مواجهات سالت فيه الدماء في شوارع المدن الكبرى، فما الذي أوصل الأمور إلى هذه الدرجة، ودفع كل تلك الأعداد الهائلة من الجماهير إلى الخروج في مشهد غير مسبوق، لتنادي برحيل الجماعة عن الحكم، وفي مثل تلك الفترة القصيرة للغاية؟
حتى الآن، لا تعتقد جماعة الاخوان، إن هناك أخطاء ارتكبتها، وانها هي التي كانت وراء تلك الاحتجاجات التي ربما لن تتوقف تأثيراتها عند إخراجها من المشهد السياسي المصري، وربما في أكثر من دولة، بقدر ما تلجأ إلى إرجاع الاحداث وتطوراتها الدراماتيكية لمؤامرة حيكت ضدها، من وسائل الاعلام، ومن فلول الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
هذا التبرير البائس يفترض أنه كان يجب على المنافسين أن يصطفوا في طابور طويل ليقدموا التهاني والتبريكات للحكام الجدد، ثم يجلسون بعيدا ليراقبوا ما يجري دون إبداء أي اعتراض، وأن لا يكون من حقهم استخدام كل الأدوات التي يمتلكونها للرد على من سيطر على المشهد بأكمله، ومارس في عام واحد أبشع أنواع الأقصاء ضد الأطراف الأخرى، حتى من كان منهم قد غامر في عز زمن وجبروت نظام مبارك، ليعارض ويتظاهر ويعرض نفسه للتنكيل، ويتقدم بعدها الى الميادين، ليهتف بسقوط النظام الشائخ.
وصل الاخوان الى حكم أكبر دولة عربية، في وقت قياسي، دون تقديم أي تنازل لفصيل واحد من ثوار 25 يناير، أو منحه أي مساحة للمشاركة في الحكم، وراح الحاكم يفصل دستورا على المقاس، ويصدر إعلانا دستوريا يمنح نفسه بموجبه حصانة مانعة لأي محاسبة، ثم انطلق بعدها ليستعدي معظم ألوان الطيف عليه، لكن الأخطر كان في اسناد المناصب الى المقربين من العشيرة، لم يتوقف الأمر عند مجلس الشورى الذي تولاه صهر الرئيس، ولا الحقائب الوزارية التي تولى بعضها من هم أبعد تأهيلا عنها، ولا مناصب المحافظين التي وزعت على المنتمين إلى الجماعة، لدرجة منح أحد أعضاء جماعة مسؤولة عن قتل سائحين في الأقصر، منصب المحافظ.
وبينما تواصلت الأخطاء الفادحة، للدرجة التي دفعت سريعا نحو حدوث تلك النهاية، بعد أن بات المصريون على قناعة، بأن استمرار حكم تلك الجماعة سوف يحمل المزيد من الكوارث لهم، كانت القيادات الاخوانية وحدها تواصل رهاناتها الخاسرة، التي من بينها إنه ما دامت قادرة على نيل رضا الادارة الاميركية، فلا خشية هناك، وكأن دروس حدث كبير كسقوط الرئيس السابق حسني مبارك قد جرت منذ قرون.
هذه الأخطاء، لم تعد تعني أن حكم الرئيس السابق مرسي قد إنهار وحده فقط، وانتهت شرعيته لدي تلك الجماهير التي راحت تحتفل بإسقاطه وكأنها تحتفي برحيل احتلال، ولا باخراج الجماعة التي ينتمي إليها من المشهد بإكمله، وهي جماعة لم تستطع ولم تشأ في الأصل، الفصل بينها كتنظيم وبين كل القرارات التي كانت تتخذها مؤسسة الرئاسة، بل أن الأمر يتطور الآن وربما يزداد وضوحا في الفترة المقبلة، لتصيب ارتداداته الزلزالية مفاصل التنظيم الدولي الذي ظل بعض أتباعه يتباهون في القنوات الفضائية بأنه يتواجد في 80 دولة، ويتولى الحكم في خمس دول.
لم يستغرق الأمر أكثر من عام واحد، حتى يكون السقوط في نهايته مدويا، وبينما كان الكثيرون يدركون أن تآكل شعبية الاخوان في الأوساط التي تعاطفت معهم، كانت تنمو بسرعة، فإن الأخوان كانوا وحدهم يكابرون، ولا يكفون عن التأكيد على قدرتهم في حشد الملايين.
ولما بلغ الغضب الشعبي ذروته، وتحولت شعارات التخلص من الجماعة الى السير نحو الخطوات العملية، الهادفة الى إبعادها عبر تظاهرات سلمية، وجمع التوقيعات على استمارات تمرد التي تدعو لا جراء انتخابات رئاسية مبكرة، كانت ادارة الأزمة تزيد المشهد تعقيدا، حتى أن تم الوصول الى ليلة الجمعة الدامية، التي بدأت بمشهد للمرشد العام وهو يخاطب مناصريه في ميدان رابعة العدوية، مهاجما شيخ الأزهر والانبا تواضروس، ثم انطلاق بعض الاتباع في أعقاب الخطاب لمحاصرة منشآت الحرس الجمهوري والاشتباك مع الحشود المناوئة للحكم الاخواني، الأمر الذي أدي الى اسالة الدماء، وخط في تلك اللحظة نهاية للحكم الاخواني في مصر.
في ختام المشهد، سيكتب التاريخ أنه قبل ثمانين سنة، بدأت تلك الجماعة، في مصر، على يد حسن البنا، لكنها عام 2013 خروجت من المشهد السياسي في مصر أيضا، على يد من تولوا قيادتها، ونجحوا في دفع ما يزيد عن 33 مليون انسان، الى مغادرة بيوتهم، والإنطلاق الى الميادين للهتاف برحيلها.
التعليقات