في هذه الأيام يشهد أقليم كردستان حراكاً سياسياً غير معهودٍ من قبل بسبب نمطيته التي أصبحت ذات صفة مدنية ومكشوفة ومعلنة أمام الأهالي في كردستان، فالصراع بدأ يأخذ أبعاداً مدنية وعصرية على عكس الصراع الذي شهدناه في تسعينيات القرن الماضي بين الحزبين الكرديين الحاكمين (الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني والإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة مام جلال)، إذا تحول الصراع والخلاف العقائدي والمصالحي والسلطوي بينهما الى نزاع مسلح أثر بشكل سلبي الى حد بعيد على الحركة الكردية ناهيك عن الخسائر في الأرواح والخراب الذي حل ببعض المدن والقرى... تلك الحرب الداخلية الكردية ndash; الكردية التي بدأت في أيار 1994 وانتهت في نهايات 1998 بضغط أميريكي ورعاية مباشرة آنذاك من مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأميريكية... أثناء ذلك الصراع كان الإنقسام مريراً في الشارع الكردي، ومن أكثرها مرارة إنقسام المثقفين وبعض أصحاب الأقلام وتوزعهم على الحزبين الكرديين الحاكمين ليمجد كل منهم الطرف المنتمي له بطريقة تقليدية سخيفة ومخجلة، والهدف كان من أجل تحقيق المصالح والحصول على الامتيازات الشخصية لا غير.
بكل تأكيد لا بد أن يكون للسلطة الحق في امتلاك أجهزة الإعلام والصحفيين والإعلاميين، أسوة بالمعارضة التي لها الحق في ذلك، إذ لا يمكن منح الحق للمعارضة بإمتلاك أصحاب الأقلام وأن يكون لها من يؤمن بها، وفي المقابل نحرم النظام السياسي من ذلك الحق الطبيعي، فقد كان النظام السياسي الكردي الحالي في يوم ما معارضاً وكان خطابه خطاب المظلومية وفضح الممارسات الخاطئة لنظام صدام الديكتاتوري، وقد تصعد المعارضة الكردية الحالية في يوم ما الى هرم السلطة وتنسى خطاب المظلومية وهكذا دواليك... لكن ما يدعو الى الدهشة والى العجب هم اؤلئك الأبواق الذين يطبلون ويزمرون في لقاءاتهم ومقالاتهم للسلطة الحاكمة في كردستان غاضين الطرف عن الكثير من الأخطاء الجسيمة التي تُرتَكَب سواء على المستوى السياسي أو الإداري أو الإقتصادي، هذه الأبواق التي لا تتقن الا فن الضحك على الذقون من خلال أساليب الخداع وفنون التشدق والتحذلق والتزلف للحكام، وهم في قرارة أنفسهم إنما يخادعون الحاكمين ويسيرون بهم نحو المجهول ويصورون الواقع على عكس ما هو عليه، خصوصاً ان الحكام لم يعد بمقدورهم النزول من أبراجهم العاجية وجنائنهم المعلقة ليقفوا بأنفسهم على حقائق الوضع بل يعتمدون كلياً على طروحات هؤلاء ولا أفهم كيف يكون في مقدورهم اقناع أنفسهم بأن ما يطرحه بعض أصحاب الأبواق صحيح و يعد من المسلمات ولا يقبل النقاش والجدال؟!
لن أكون منصفاً ولن يكون غيري منصفاً لو أنكرنا ما تم تحقيقه في كردستان على مستوى تنظيم حياة المجتمع وتوفير الأمن في الأقليم والحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين، وفي المقابل لن أكون منصفاً ولن يكون غيري منصفاً لو أدعينا بأن الأقليم جنة مثلى وقد وصل الى حال الكمال من الرفاه الإقتصادي والمساواة أمام القانون، واقرار القوانين الكفيلة بتحقيق العدالة الإجتماعية، فهل تحدث أحد من هؤلاء الكتاب من موالي السلطة مثلاً عن كثير من الخروقات القانونية؟ وهل تحدث احد منهم عن ضرورة تشريع واقرار قوانين من قبيل قوانين الضمان الصحي وتطوير وتعديل قوانين العمل والضمان الإجتماعي، واقرار قوانين حماية المستهلك من البضائع الفاسدة والتي تشكل خطراً على الصحة التي تدخل الأقليم ومن ضمنها الأدوية؟ وهل تحدث أحد منهم عن عمالة الأطفال وعن بطالة الشباب؟ وهل تحدث احد منهم عن ظاهرة الطبقية الخطيرة التي تكتسح المجتمع الكردستاني وظهور (الطبقة الجديدة ) التي تتكاثر انشطارياً ؟ّوهل تحدث أحدهم عن حالة الإحتكار في بعض مجالات الحياة الإقتصادية؟!
إن الخطاب الإنشائي لكتاب وصحفيي وأجهزة اعلام السلطة هو خطاب ترقيعي لن يجدي نفعاً أمام التطور الحاصل في أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي والحراك الشعبي لمجمل شعوب المنطقة، ولن ينجح أبداً في اخفاء عيوب وتجاعيد وجه السلطة، فالتعرق في ظل حرارة وسخونة الحراك السياسي كفيل بإزالة المساحيق والكشف عن العيوب والتجاعيد.
كاتب وصحفي كردي عراقي*
التعليقات