كي يبقى المالكي رئيسا للوزراء دورة ثالثة، يحتاج لمعجزة توفر الكهرباء والامن وتعيد ثقة الاكراد والسنة وخصومه الشيعة، وترضي عنه مجددا امريكا وايران.
ومع ضعف الفرص لولاية ثالثة، تزداد حظوظ المجلس الاعلى والتيار الصدري منافسي حزب الدعوة، الاول كمنافس تقليدي على رئاسة الوزراء، والتيار كقوة امام فرصة مستجدة لتخوض غمار المعركة نحو زعامة البلاد.
حصل الصدريون منذ انتخابات 2010 على وضع مريح احدث تحولا في المنهجية السياسية. الفرص ازدادت بفعل عوامل جديدة، منها المكاسب الانتخابية (40 مقعد)، والمكاسب الحكومية (6 وزراء)، الانسحاب الامريكي الذي اعطى القيادة السياسية للتيار فرصة تبرير الانطلاق الكامل في العمل السياسي بدون منغصات مليشياوية بزوال السبب، ومؤخرا ما حققوه من نتائج في اصطفافات المحافظات مكنتهم من الجلوس على كرسي العاصمة، هذا فضلا عن بقائهم طرفا رئيسيا في تمكين المالكي من رئاسة الوزراء مجددا.
تراجت حاجة التيار لاستخدام المليشيا وفرض نفسه ولفت الاخرين لقوته وتأثيره عبرها، السلوك السياسي يفي بالمكاسب السابقة واكثر، تكاليف اقل وسمعة افضل. وبدت منذ ذلك الحين مؤشرات عدة تفيد حصول تغيير ما. هذا جعل الكثيرين يثقون بقدرته على التغيير.
الكلام عن التغيير عراقيا يدور في ثلاث اتجاهات؛ تحقيق الشراكة الوطنية طائفيا وسياسيا، بناء دولة مدنية ومن شروطها حقوق الانسان والحريات وفق المبادئ المعروفة في العالم الحديث، توفير ما فشلت السلطة به على مستوى الخدمات والامن والنزاهة...
طائفيا تظهر المواقف الصدرية تذبذبا وعدم ثبات، تقارب ثم عنف ثم تقارب، موقف ايجابي في مكان وقطيعة في اخر، علاقات خارجية تقفز على الطائفية مثل العلاقة بتركيا وقطر، ورؤية طائفية تميز بين سوريا والبحرين من جانب اخر. فالمواقف quot;غير الطائفيةquot; تبقى رهينة تاريخ متذبذب ومعطيات غير واضحة وتحولات سريعة.
التذبذب يشي بعدم وجود مشروع يتجاوز الطائفية. كما ان شعارات المعارضة ومقولاتها ومواقفها تختلف عمن يكون على رأس السلطة، هذا يحصل في بلدان مستقرة، فضلا عن بلد لا يملك أي استقرار سياسي او اجتماعي او امني ولا حتى اقتصادي. اصطفافات المعارضة تختلف عن معطيات السلطة واولوياتها.
لكن بشكل واخر يبدو الصدر اكثر شجاعة من الاخرين في المطالبة بالتقارب، مؤشر ايجابي افتقده الاسلام السياسي العراقي، غير ان عدم الثبات يجعل تلك المواقف دائما محل استفهام. ومما يدفع للاستفهام ايضا، طبيعة القائد نفسه، تعامله بمنطق الزعيم والاتباع المطيعين لا يخلق وعيا بل يصنع جماعة بشرية موجهة.
اما الحريات فان قصة الصدريين معها تبدو الاسوأ، فلم يسجل التيار منذ اللحظة الاولى حتى الان أي دلالة صريحة وموقف يدعمان حرية الناس سواء المدنية او الحريات العقائدية. التيار الذي اقام الحدود، لم يتغير كثيرا، رغم انه ترك الحدود بسبب الضغوط، ولم يترك رؤيته الرافضة بشدة للحريات التي تتعارض مع تصوراته الدينية.
فالمناطق التي يسيطر عليها التيار الصدري لا يوجد فيها نساء بلا حجاب مثلا، فلو قارنا بين مدينة الصدر والكرادة المعروفة بنفوذ المجلس الاعلى، سنعرف الفرق الشاسع، وهذا ليس لأن الاخرين يؤمنون بالحرية، بل لأنهم اكثر براغماتية في التعامل مع احدى ركائز الحياة المدنية الحديثة. الصدريون يقفون في ذيل القائمة بالنسبة للاخرين حول موضوع الحريات، هم والمليشيات المنشقة عنهم جدار اعلى امام ذلك.
ما جرى في الكرادة مؤخرا من اغلاق للمقاهي، نتيجة لشعور التيار الصدري بالقوة الجديدة التي اكتسبها بعد ان اصبحت ادارة محافظة بغداد تحت نفوذه. قد لا يكون التحرك مركزيا، لكن في المحصلة، لهذا التيار اذرع تتحرك على الارض تبحث عن غطاء تعمل به، وغطاؤها هذه المرة ادارة بغداد.
وحال حرية الرأي ليست افضل من الحريات الاخرى، مثلا لم يكن سهلا ان يعلق أي من المرشحين غير الصدريين صوره في المناطق الخاضعة لسيطرتهم المطلقة، ويصعب على الافراد العاديين ممن يضيق ذرعا ببعض الممارسات ان يوجه انتقاده الصريح لقيادة التيار داخل المناطق. التعامل مع زعيم التيار يتم بنفس طريقة التعامل مع زعيم حزب الله في لبنان، منطقة مقدسة غير خاضعة للجدل شيعيا.
الاتجاه الثالث في التغيير اللازم موضوع الخدمات وتوفير ما يريده الناس من بنية تحتية وقضاء على البطالة وسيطرة على التضخم. فشل المالكي المهول في هذا المجال جعل تغييره شرطا في التغيير، بعد ثمانية اعوام من الوعود المفرغة لم يبق من فرصة امام زعيم حزب الدعوة سوى ان يترك ادارة السلطة التنفيذية، لأنه المسؤول الرئيسي عن الخلل، وكل المبررات التي تذكر واهية امام حقيقة انه لم يقم حتى بعشرين بالمائة مما يجب القيام به.
هنا يقدم التيار الصدري نفسه بديلا، معتمدا تجربة علي دواي محافظ ميسان الناجح، وهي تجربة تستحق بالفعل الاشادة، وتسجل للصدريين، لكنها لا تكفي دليلا. التيار الصدري شريك في الحكومة الفاشلة، يمسك بالتخطيط وهي احدى الوزارات الرئيسية، وتحت ادارته وزارات خدمية مهمة كالإسكان والعمل والموارد المائية والبلديات والسياحة.. وفي كل هذه الوزارات ليس من نجاح يعتد به.
النجاح استثناء وليس اصلا، وحتى الصوت العالي لبعض النواب الصدريين في مجلس النواب ليس دليلا، فمن المعروف ان هذه الاصوات تعلو ايضا لدى نواب من دولة القانون ضد خصومهم، العبرة بان لا ترتفع الاصوات لمحاسبة الخصوم فقط. فرغم اهمية توازن كشف الفساد والحرب المتبادلة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة نزاهة من يخوض هذه الحرب.
غير المرجح ظهور خيارات سياسية افضل للواقع العراقي، البدائل الجيدة ضعيفة جدا، تغيير الحاكم مهم، ولم يحصل العراق من خصومه سوى كلام اعتادوا كما اعتاد على بيعه. وعلى ايقاع الضغط حوصر المالكي، ولعبت اصوات النخبة والاعلام دورا، الا ان هذا الدور جاء متأخرا، لهذا من المهم جدا ان يبدأ مبكرا مع البدائل المحتملة. والنوايا الحسنة لا تكفي كي نرقص على ايقاعها.
هناك تطور اقليمي مهم حدث في مصر، يمكن ان يمثل قاعدة جديدة لحراك مختلف في الشرق الاوسط، صعود المدنية المصرية اقلقت كل التيار الديني العريض الممتد من اسلام اباد الى الرباط، مرورا بطهران وبغداد واسطنبول ودمشق والرياض وتونس. النوم في العسل يضيع فرصة قد لا تعود. الخطاب المدني لابد ان يكون صريحا، واضحا ومباشرا، والحقوق المدنية ليست موضوعا للمساومة.