&

لايمكن النظر لانعقاد مؤتمر للشخصيات السُنّية العراقية في الأردن، بمعزل عن الموقف الأميركي، القاضي بالابتعاد عن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، ومطالبة بغداد بحسم بتشكيل حكومة وحدة وطنية، قادرة على لمّ شمل العراقيين وتوحيدهم، بدلاً من جعل الانقسام والتقسيم مصيرهم المحتوم، وإذا شئنا تجاهل التماهي مع سياسة واشنطن، أو الرضوخ لها، فإن الواضح أن عمان تسعى لترتيب علاقات جديدة مع جارها الشرقي، خصوصاًبعد مستجد إعلان دولة الخلافة، والمخاوف من اقترابها صوب الحدود الاردنية، وذلك بعد إدراك أن سياسات المالكي الطائفية، هي التي قادت إلى تنامي دور التطرف، بصورتيه الشيعية والسنية، صحيح أن الأردن سعى خلال ثماني سنوات، لإقامة علاقة متوازنة مع المالكي تحفظ مصالحه، غير أن تبدل الحال يدفع صانع السياسة الأردنية لإعادة حساباته بشأن تحالفاته، وبخصوص مستقبل العلاقة التي ظلت استراتيجية لعقود طويلة مع بغداد.
برغم أنه كان سائداً التفكير بأن الطائفية بعيدة عن كواليس السياسة في صالونات عمان، فإن الأردن وجد نفسه مُجبراً، وبحكم تواجد مئات آلاف المواطنين السُنّة العراقيين على أرضه، وربما بحكم حذره من اكتمال الهلال الشيعي، على الأخذ بالاعتبار المجتمع السُنّي العراقي، وهو يحاول الحفاظ على علاقات وثيقة مع العشائر السنية، ذات الثقل السياسي في المناطق المتاخمة لحدوده، لذلك كانت رعايته للمؤتمر، الذي آثرت حكومة عبد الله النسور الابتعاد ظاهرياً عن حيثياته، في حين حظي برعاية القصر الملكي على أمل الخروج بموقف سُنّي مشترك، يعبر عن طموحات هذا الطيف من المجتمع العراقي، وبذلك تلتقي عمان مع تطلعات الحليف الأميركي، وتحقق المصلحة الأردنية، ومع أن المالكي يدرك تماماً مخاوف المجتمع الدولي والإقليمي، من الحسم بشأن ولايته الثالثة، خشية أن يكون البديل كياناً إسلامياً متطرفاً، لكنه يتجاهل أنه في حال تغييره سيكون ممكناً تحجيم "دولة الخرافة"، بدل أن يغرق العراق معه في مستنقع حرب طائفية لسنوات، وبحيث تظل سيناريوهات التقسيم المُرعبة، سيفاً مسلطاً على رقاب العراقيين، والدولة الأردنية على وجه الخصوص.
لايعني التخلص من المالكي، وأد طموح الأردنيين بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع حكومته، والمتعلقة بمد أنبوب لنقل النفط العراقي عبر أراضيه، وبما يعنيه من التزود بحاجاته اليومية من النفط، ونصف احتياجاته من الغاز الطبيعي، إضافة إلى المبالغ المتحصلة جراء مرور النفط عبر أراضيه إلى ميناء العقبة، ولا يعني استحالة تحقيق الحلم بمستقبل آمن للطاقة، وإيرادات ترفد الخزينة، ووقف نزف المليارات في تسديد فاتورة الطاقة السنوية، وتوفير المزيد من فرص العمل لليد العاملة العاطلة، ذلك أن مد الأنبوب يشكل مصلحة استراتيجية للعراق كما للأردن، بغض النظر عن شخصية رئيس الوزراء، هنا تبرز مخاوف عمان من وصول الدكتور أحمد الجلبي للموقع، واحتمال إثارته مجدداً لموضوع بنك البتراء، الذي اتهمته عمان بالفساد في إدارته، واتهمها هو بالسطو عليه وسرقته، غير أن على صانع السياسة الأردنية أن يدرك أن رئيس الوزراء الجلبي، سيكون غير المصرفي الذي عرفته عمان قبل حوالي ثلاثين عاماً، فلغة المصالح الاستراتيجية تتغلب على المشاعر الشخصية، والرجل خير من مارس البراغماتية في تعاطيه مع الحدث السياسي، إلى حد أن خصومه يصفونه بالمتقلب.
ليس سراً أن المؤتمر جاء نتيجة تفاهمات أردنية أميركية، دفعت عمان للسعي إلى بناء منصة لبعض معارضي المالكي، توفر لهم فرصة البحث في التطورات المتسارعة التي يشهدها بلدهم، والعمل على تحسين شروطهم السياسية، غير أن الملفت للنظر أن هيئة علماء المسلمين التي كانت فقدت الكثير من تأثيرها باتت اللاعب الرئيس في مؤتمر عمان، دون التخلي عن لهجتها الطائفية، لكن شيوخ العشائر المشاركين يؤكدون أن المؤتمر لا يهدف إلى تكريس الطائفية، ولا إلى تقسيم العراق، لكن ذلك يترافق مع لغة الإقصاء شديدة الوضوح، من خلال استبعاد العشائر التي شاركت في الحكومة العراقية، والتي تشكلت منها الصحوات المناوئة للقاعدة، والتي طردتها يوماً من الأنبار، وهي تعيد اليوم نفس السيناريو مع دولة داعش.
صحيح أن المؤتمر أعلن عن مواقف موحدة بشأن الحلول السياسية في العراق، لكن الصحيح أيضاً وفي مفارقة ملفتة للنظر، أن هناك آراء لقيادات بارزة أظهرت تأييدا لبناء تحالفات مع "داعش"، برز ذلك في رفض إعادة تشكيل الصحوات، أو أي قوة تحت أي عنوان لمقاتلة "الثوار"، ولن يُغطي ذلك الإعلان عن السعي إلى لقاء وطني عام، يضم جميع العراقيين من كل المكونات والأطياف، للبحث في مستقبل عراق جديد, يكون سلماً لأهله وجيرانه، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بدعم وتأييد عربي ودولي، لقوى عشائرية وبعثية وفصائل مسلحة يقودها ضباط سابقون، أجمعوا على أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها العراق، هي التدخلات الأمريكية والإيرانية، وحذروا من مخاطر المد الصفوي والتقسيم، لكن التقسيم كان حاضراً من خلال تأييد قيادات عشائرية وعسكرية منح الأكراد إقليما مستقلاً، وربما كان ذلك مناورة لكسب تأييد الكرد الذين يتقنون فن المناورة، ولكن ليس بالتحالف مع قوى تتميز بتشددها الطائفي حد التحالف مع داعش، التي سماها ممثل البعثثين في المؤتمر الدولة الإسلامية، وزعم أنها حققت أهدافها وأعانت الثوار في تحقيق أهدافهم، وأكد الانسجام معها في مواجهة ما وصفه بالمشروع الإيراني الصفوي في العر، بينما أعلن أحد شيوخ العشائر ترحيبه بدعوة داعش للمؤتمر المقبل، فقط باعتبارها معادية لإيران، ولعل ذلك ما يدفع مناوئي الهلال الشيعي لتبني المؤتمر وأهدافه.

&

&