ألا يُذكركم منظر بشار الأسد، وحيدا، مكسور الخاطر ومرتبكا، في حضرة القيصر بمنظر رئيس حكومة الكويت (المحررة) المقدم علاء حسين (رقي الى عقيد)، وحيدا، مكسور الخاطر ومرتبكا، في حضرة صدام حسين، في الثامن من آب/أعسطس 1990، ليوقع، في بغداد، على وثيقة طلب ضم (الفرع) إلى (الأصل)، رسمياً، وأمره إلى الله؟.

فكما كان صدام حسين قد آمن بأن الكويت أصبحت في الجيب، وبأنه، بهجومه الكاسح المباغت، وضع أمريكا والسعودية وأوربا والعالم أمام الأمر الواقع، وبأنه (خلاص) أصبح الآمر الناهي في المنطقة والعالم، والوحيد الذي يحدد أسعار النفط وكميات إنتاجه وتصديره، والدول التي يبعها والتي لا يبيعها، على هواه، ووفق هواه وحده، فإن بوتين، هو الآخر، أظهر في مشهد استجوابه لبشار أنه أصبح منتشيا واثقا من أن سوريا انتهى أمرها، وانها أصبحت في جيبه الصغير، وصار من حقه أن يضع نهاية الفيلم السوري، دون إيران وحزب الله، فيستدعي عامله على سوريا، بشار الأسد، ليطلب منه مفاتيح القصر الجمهوري دون نقاش.

وكما أخطأ صدام حين لم يضع في حسابه أي احتمال لأي فشل أو تداعيات، ولم يتوقع أن تغضب السعودية، وتنهض أمريكا، فتجيشا ضده ثمانين دولة وتضعه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما خروج المهزوم المستسلم الذليل، بدون قتال، أو العناد والخروج في النهاية مكسرا، مثخنا بالجراح، وآيلا للسقوط، فها هو بوتين يعيد تمثيل المشهد الكويتي بتفاصيله واحتمالاته المرعبة.

فكاما استدعى صدام العقيد علاء حسين، رئيس الكويت المجرد من السيادة والكرامة والصلاحية، ليوقع في القصر الجمهوري ببغداد، وهو وحيد، على وثيقة تسليم الكويت، وهو لا يملك من أمرها أي شيء، يستدعي بوتين رئيس سوريا المجرد من السيادة والكرامة والصلاحية ليوقع، في الكرملين بموسكو، وهو وحيد أيضا، على وثيقة تسليم سوريا، وهو لا يملك من أمرها أي شيء.

وكما راح صدام حسين وأعوانه يُحصون أرباحهم من الاحتلال، ولا يتوقعون خسارة، فإن بوتين وأعوانه، أيضا وكما يبدو، لا يحصون سوى أرباحهم من احتلالهم لسوريا، دون خسارة، أيضا.

&فبعد شهر من احتلال الكويت صرح نائب رئيس الوزراء سعدون حمادي بأن الطاقة الإنتاجية البترولية للعراق الجديد، بعد ضم الكويت، ستصل الى 5.5 مليون برميل يوميا، وستصل الإيرادات البترولية الى أكثر من 50 مليار دولار سنويا، الأمر الذي سيمكن النظام من سداد ديونه الخارجية في عامين أو ثلاثة، معتبرا عقوبات مجلس الأمن الدولي، ومنها الحصار الاقتصادي الصارم والجاد، مجرد حبر على ورق، وإجراءً شكليا لا قيمة له، مستندا إلى وهم حدوث (صفقة) مع الولايات المتحدة الأميركية، آجلاً أم عاجلا، تغض الطرف، بموجبها، عن عودة (الفرع) إلى (الأصل) وهي صاغرة.&

وكان رهان النظام، يومها، على أن الزمن كفيل بتعويد الآخرين على الواقع الجديد. صدام حسين نفسُه في أكثرمن خطاب كان جازما بأن حربا من أي نوع لن تقع، وبأن كل ما يصدر من أمريكا وأوربا مجرد كلام، وجعجعة فارغة سوف تتلاشى مع الأيام.

وبوتين بدخوله المفاجيء إلى سوريا، موهوما، فقط، بانتصاره المؤكد المضمون في حلب وحماة وحمص ودرعا واللاذقية والغوطة ودمشق، كفيل بتركيع أمريكا الملتهية المترددة، وحلفائها الأوربيين المشغولين بهموم اللاجئين، والترك الغرقى بمتاعب الداخل والحدود، والسعوديين المتورطين في اليمن، فيضع سوريا في جيبه الصغير، محررة من أهلها، وبطلب من (رئيسها).

هكذا رأى هو نفسه. أما نحن فنرى شيئا آخر مختلفا تماما. نرى أنه وضع نفسه بين طرفيْ كماشة لا ترحم. فإما الحل الذي ما أراده ولا تمناه مقابل خروجه من سوريا بسرعة وقبل فوات الأوان، أو العناد والمكابرة وانتظار الحل السراب ليغرق أكثر في أفغانستان الجديدة التي لا يستيطع أن يتحمل أعباءها.

هل تأملتم صورة بشار أمام بوتين في غرفة الاستجواب المعيبة؟ (رئيس) مغلوب يقف صغيرا متضائلا يبتسم ببلاهة ليشكر القيصر على احتلال بلاده، وعلى قتل شعبه، وعلى تدمير ما تبقى من منازل ومستشفيات ومدارس وجسور وسدود، مقابل بقائه في القصر الجمهوري حماية (للشرعية) و (للسيادة الوطنية)، وحفاظا على (وحدة) الشعب السوري، مع الامتنان.&

ولأول مرة أطرح سؤالا وأنا أعرف جوابه. ماذا لو اختارت أمريكا وأوربا ودول المنطقة، تركيا والأردن والسعودية وقطر والإمارات، سياسة الطرق الملتوية التي ينتهجها بوتين نفسه، فشنقه بحبال تشبه حباله، فتغدق على فصائل المقاومة بأسحة تحرق الدروع، وبأخرى تسقط الطائرات، فتصمد المقاومة، ثم، على الجانب الآخر، تطول اللقاءات، والحوارات، والتجاذبات، والتقاطعات، والاقترحات، والاقتراحات المعاكسة، حول الحل السياسي السوري الذي لا يملك بوتين غيره، ولا يستطيع قبول سواه، فتطول الحرب، شهورا، أو عاما أو عامين، مذا سيحدث؟

ألن تكون نهاية بشار كنهاية العقيد علاء حسين، ونهاية بوتين في سوريا كنهاية صدام حسين في الكويت؟