&

الأسد خطّ أحمر، هكذا صرَّح نائب وزير الخارجيّة الإيرانيّ، حسين أمير عبد اللّهيان، هكذا تُوضَع العقدة في المنشار، ويُسدل السِّتار على أيّ مساحة ممكنة للتفاوض، والحلول الوسط.
هذا الموقف الإيرانيّ صدر عن مساعد وزير الخارجيّة، فهو موقف رسميّ، يمثّل الدولة، ولو أنه لم يصدر عن وزير الخارجيّة نفسه، وقد لا يكون هذا بلا دلالة، مستقبليّة.
وهكذا، (لو استمرّ هذا الموقف) تعيد إيرانُ، الطرف الخارجيّ، تجسيد وتكريس مقولة أنصار الأسد في سورية:" الأسد، أو نحرق البلد"! وهكذا أيضا تُختزَل سورية في الأسد، كما تُختزل الدولة، والنظام بشخصه.
قد يقال إن المسألة ليست في الأسد، كشخص، بقدر ما هي فيه كرمز، وفيه كمفصل سياسيّ ومعنويّ، يَحشد عليه كلُّ طرف طاقاته ودعاويه؛ لإرضاخ الآخر، فقد تكثّفت الأزمة السوريّة فيه: المعارضة تراه رأسَ النظام الأمنيّ الدكتاتوريّ شبه الوراثيّ، أو الوراثيّ، الذي أزهق أرواح عشرات الآلاف، وأوصل البلاد إلى هذه الحالة الفائضة عن الوصف، والموالون له داخليّا، يرونه رمز الصمود، وعنوان النظام، بتلك التركيبة الضامنة لاستمرار الوطن السوريّ، ، وخارجيّا تراه إيران حليفا إستراتيجيّا ممانعا.

قد يحقّ لنا أن نتساءل: لماذا هذا التضييق في الخيارات؟ مع أنه من الممكن لتغيير محدود في بنية النظام، وفي تشكيلته، أن يكون ضامنا للمصالح الإيرانيّة، ولا سيّما بعد أن اتّضح أن الأسد، ونظامه الحاليّ غير قادر على الاحتفاظ بسورية كاملة، فضلا عن حُكْمها.
وكيف يمكن لكثر كاثرة من الشعب السوريّ أن تسلّم، هكذا، ببقاء الأسد، وأن لا يعدو التغيير أمورا محدودة، كـ(حكومة موسَّعة)؟! هذه العقليّة بالتأكيد ليست عقليّة حلّ، بقدر ما هي عقليّة حربٍ أشدّ ضراوة، وأعمق أسبابا؛ لأنها دعوة إلى الاستسلام، والرضوخ الذي لا يحفظ لأيّ طرفٍ سوريّ معارض أيَّ قدر من ماء الوجه، فيما لو فكّر في التعاطي مع هذه التصوّرات الأُحاديّة.
لكن هذا الموقف يأتي بعد حرب طاحنة لم تستنزف الأسد فقط، بل تعمل على استنزاف إيران نفسها، ليس ماليّا فحسب، بل أيضا قتاليّا، بعد تواتُر الخسائر في ميادين القتال، حتى في الرُّتَب الرفيعة في الحرس الثوريّ، وبعد أن لم تفلح طهران، بكلّ ما أوتيت من قوّة، ومن قدرة على الحشد الطائفيّ من كلّ مكان، لم تفلح في تحقيق إنجازات ملموسة، ودائمة؛ ما دفع بروسيا إلى الانضمام المباشر؛ حفاظا على قدرٍ من التوازن الذي لم تعد إيران قادرة على ضمانه.&
وهنا مسألة لا تزال غير ناجزة، تتعلّق بمستقبل سورية، وتاليا، بدور إيران ونفوذها، في حال آلت إلى تكريس الوضع الحاليّ، مع بعض التعديلات، أو التراجعات، ليستقرّ الأسد ونظامه في منطقة الساحل السوريّ؛ الأمر الذي يضمن تواصل النفوذ الإيرانيّ، وامتداده الجغرافيّ، من طهران مرورا ببغداد إلى دمشق فبيروت.

عُرفت عن السياسة الإيرانيّة النزعةُ العقلانيّة التي لا تمنعها الشعاراتيّة، وتوضَّح ذلك، وتأكّد في الاتفاق النوويّ الذي لم يكن محقِّقا لكلِّ ما تتمنّاه إيران، ولكلّ ما طالبت به، ولكن طبيعة الصراع على سورية اكتسبت مزيدا من التعقيد، بعد أن تشابكت الملفّات الإقليميّة، فبات من الصعب التوصُّل إلى حلّ في سورية، دون ربطه (وهذا الرَّبْط صرّح به مسؤولون إيرانيّون) بالحلّ اليمنيّ، وربما البحرينيّ، وبحجم الدور الإيرانيّ في الإقليم، بالاتفاق، بعد الدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، مع الدول الإقليميّة المؤثّرة، عربيّا وخليجيّا، وكذلك تركيا.
وإذا كان جنيف 1 (30 يونيو/ حزيران 2012) الذي نصّ على " إقامة هيئة حكم انتقاليّة باستطاعتها أن تهيّيء بيئة محايدة تتحرّك في ظلّها العمليّة الانتقاليّة، وأن تمارس تلك الهيئة كامل السلطات التنفيذيّة"& قد تراجعت صفته المرجعيّة بعد طفوّ خطر داعش، وجبهة النصرة وغيرهما، فإن ما تتابَع عن اشتمال المقترحات الدوليّة باستهداف أيّ جهة تقف ضدّ الاتفاق المقبل من شأنه أن يعمل على تحييد تلك العوامل/ المخاطر، أو تأخيرها. ومن شأنه كذلك أن يُسقط ما اكتسبه الأسد من (شرعيّة واقعيّة) بوصفه الركيزة السوريّة الرسميّة في الحرب على الإرهاب.
ومن الضروريّ أن نضع الموقف الإيرانيّ في حجمه الحقيقيّ، إذ هو الآن غيرُه، في حال تبدّل المواقف الدوليّة، إلى نضج الاتفاق وتحديد فترة المرحلة الانتقاليّة التي ينبغي أن يرحل بعدها الأسد، موازيا لنضج الأوضاع الداخليّة، وفي حال تبدّل الموقف الروسيّ تماشيا مع مصالح موسكو القوميّة التي أعلن رئيس الوزراء الروسيّ، ديمتري مدفيديف، أن بلاده تقاتل من أجلها في سورية، وليس من أجل بشار الأسد. فهذه المصالح هي الدافع المعلن وراء التدخّل الروسيّ، دون أن تُخْلي موسكو موقفها& من (الغطاء الشرعيّ) بأن الشعب السوريّ هو صاحب الحقّ في تقرير مصير الأسد، وهو أيضا الغطاء الذي تستخدمه إيران، وتصادره، حاليًّا، بادّعاء أنه هو ذاته موقفها الذي يرى في بقاء الأسد خطًّا أحمر! فليس بمقدور إيران، ولا في منطقها السياسيّ أن تنفرد مجابهةً التوافق الدوليّ، ولا سيّما إذا فسح هذا التوافق للمصالح الإيرانيّة بمساحة حيويّة.
وتظلّ التصريحات الصادرة من طهران متراوحةً بين التصعيد والواقعيّة؛ تبعا للصراع الدائر بين المحافظين والمعتدلين، وبين الخطاب الشعاراتيّ والخطاب المحكوم بالمصالح وبالقدرات الحقيقيّة.
[email protected]
&