ما أجمل أن يتشبث الإنسان بجذور نشأته في مرتع طفولته وبحبوحة صباه، ليعمد بالتالي معبراً بشعور لا إرادي عن انتمائه الإثني في الوسط الجماهيري من ذراري بني قومه وجنسه المنتمي واللامنتمي لقضاياه المصيرية، وليكشف فيما بعد بوعي شبابي وإحساس مرهف عن مواقفه القومية ـ قولاً وعملاً ـ في ميدان العالم الآشوري الصاخب، بالتصدي لتجاوزات المُعتدي من خلال المآسي والأحداث المروعة والإنتهاكات التي يعيشها أبناء جلدته من الشعب الآشوري بكافة تسمياته التاريخية التي مصدرها من ذات المعين الذي ننهل منه أفكارنا.
ومما لا شك فيه، وعلى نحوٍ خاص أن نجد أقلام العديد من كتابنا الذين تتمحور في انفسهم مشاعر الإنسانية ومحفزات الوجود القومي، يدبجون ما يتراءى لهم بمقالات عن الأوضاع المزرية والمأساوية التي تخص من هم تحت وطأة من يدعون الديمقراطية، وهم بعيدون عن فهم معنى الديمو ـ قراطية التي تعني حكم الشعب متمثلة بالذين ينتمون لمكونات ذات الشعب في الدول التي لهم فيها ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات على حدّ سواء وفق الدساتير المدونة. أما الإجحاف بحق المواطنة لغالبية مواطني تلك المكونات المتمثلة بالآشوريين والصابئة والأزيدية والتركمان والأرمن في الدول التي يتواجدون فيها فهي انتهاك لمبادئ الديمقراطية التي تؤكد وتعترف بأصالة تواجدهم على الأرض التي احتظنتهم ودافعوا عنها في السراء والضراء منذ فترات أيام المحن والكوارث في عهود مختلفة، إيماناً منهم بولائهم للوطن بما يحتمه القانون وتنص عليه الدساتير المرعية.
إن ما يُكتب ويُنشر تباعاً لا ضير فيه، طالما الظروف المنوه عنها تلزمهم على الإفصاح بما تُعانيه مكونات وشرائح اولئك المواطنين، علماً بأنه من واجب السلطة حماية وجود تلك المكونات بأي شكل من الأشكال، وأن لا يقتصر استغلالها في الأيام العصيبة فقط ، مثلما تشهد له أحداث المعارك والحروب التي طالت الوطن الأم في فترات متفاوتة بتجنيد أبناء تلك المكونات في الخطوط الأمامية للدفاع عنه، بدلالة زخم قوافل الشهداء الذين تيتمت عوائلهم، وما لا يحصى من الأسرى بنعتهم من مواطني الدرجة الثانية أو الثالثة والتخلي عنهم لإنتفاء الحاجة المشروعة، واعتبارهم من فئات ومجاميع شذاذ الآفاق أي من الغرباء والدخلاء على الوطن الذي سقوه بدمائهم الزكية، ودافعوا عنه بإخلاص وتفانٍ لحماية الأرواح بتلك سواعدهم الفتية التي سخروها بعرق جبينهم ومروءتهم ووفائهم لتصون حدود وجوده من المعتدين. فإن كانت ديمقراطية السلطة الحاكمة تنتهج ادوار الغبن الفاحش من المكر والخديعة والحاق الضرر بالمعنى والمنطق الليبرالي الذي تنادي به، فأين هي مبادئ العدل والمساواة؟! وأين هي ممارسات الحقوق والحريات الأساسية من الناحية التطبيقية؟! وأين هي بالتالي سلوكية إحترام الرأي الآخر؟!. وأكبر دليل مستحدث لسلسلة شبيهة من هذه التساؤلات هو إقرار قانون تشريع البطاقة الوطنية بسلب حق الأطفال القاصرين من أبناء المكونات المسيحية بأسلمتهم في حال اعتناق أحد الوالدين للديانة الإسلامية، المُنافي لحرية الرأي وما أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن حقوق الأطفال بما نصه " لهم الحق في التعبير عن وجهات نظرهم وأن يتم احترامها " وغيرها من النصوص التي تؤكد ذلك. وفي الوقت ذاته تزامن الأحكام المجحفة والصادرة بحق وزير البيئة السابق السيد سركون لازار بتبريرات قضائية واهية فيها من المغالطات الثبوتية التي تفندها خدماته ومواقفه في هيكلية العمل الوزاري. تساؤلنا هنا هل لكونه آشورياً ومسيحياً فقط أم أنه العنصر الوحيد بين تكتلات التشكيلة الوزارية؟ فإن كان الأمر كذلك، أين هو القضاء العراقي من عشرات الوزراء ونوابهم ومسؤولي الكتل النيابية الذين يؤمنون بالإسلام من الذين عاثوا في أرض بلاد ما بين النهرين من فساد ودمار بسرقة ونهب أموال الشعب العراقي بإفراغ خزينته بما لا يحصى من مليارات الدولارات بالسحت الحرام بخبث وقبح وتجاوز ينافي مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، رغم تشبثهم وتمسكهم به؟!&&&
هذه المغالطات والإنتهاكات والتجاوزات اللاشرعية التي تنفذها الأحزاب السياسية المهيمنة على مقاليد الحكم، وعلى إدارة دفة الأمور في البلدان التي يقطنها أبناء شعبنا، عادة ما تدع الكثيرين من أتباع تلك الأحزاب بأن يشذوا عمداً عن المسار الخلقي والمبدأ الإنساني على تجاوز حقوق الإنسان، والقيام بأسوأ مما تتقصده مفاهيم تلك الأحزاب المتسلطة بإسم الديمقراطية من الناحية النظرية بالخفي والعلانية لمآربهم الذاتية التي قد تنبع أحياناً من جوهر المبادئ المبطنة لسياسة تلك الأحزاب، كما هو الحال في الوعود الكاذبة والضمانات المعلن عنها في مواعيد صراع الإنتخابات، بغية حصد الأصوات لتحقيق مآربها، ناهيك عن تلك المجموعة من الذين يلفظهم المجتمع السوي من المنحرفين عن الأعراف والعادات والتقاليد الإجتماعية بطباعهم السلوكية الشاذة من مرضى النفوس بتمردهم على سلب حقوق الآخرين، والتطاول بالإستحواذ على ممتلكاتهم بالإختطاف والتهديد والتخويف والترحيل، مثلما يتم عن معرفة مقصودة بقلع جذور شجرة معمرة ومثمرة تدر بالنفع الوفير رغم جمالية وجودها على أرض ولادتها بجهود من يحميها بحذر واهتمام بالغين.
&الأدهى من كل ذلك ووفق منطق لكل فعل رد فعل، تستشري الأمور بشكل أوسع مما هي عليه، بحيث يقدم من يقوى على محاولات إنتزاع سلطة الأقوى بأشرس السبل وأوحش الطرق كما يتراءى للعيان وعن كثب في الساحة العراقية بين اتباع مذهبَي السنة والشيعة من متبني الإنتماء العربي، ومن الطرف الآخر من متبني الإنتماء العرقي واللغوي في الوجود القومي كالكورد والتركمان ومواقفهم من الوجود العربي دعاة القومية العربية وعكس ذلك، بالرغم من انضوائهم تحت سماء رابطة الدين الموحد المتمثل بالإسلام الذي ينفي ويُفند تلك المعتقدات من خلال مضامين ومفاهيم العديد من نصوص الآيات القرآنية. والأسوأ من كل تلك المناوشات النفعية اللاعقلانية انبلاج الموجة الجديدة والصاخبة بإسم الدواعش من الذين زادوا الطين بلة بتحريف راية الإسلام الحقيقي بتلك مبادئهم الغريبة على العالم أجمع ، وبتلك مناداتهم التي تفندها كافة الديانات السماوية والوضعية على وجه الأرض، وبما شرعه الخالق لعباده من العقائد والأحكام بإقدامهم على ما لا يتواجد حتى في شريعة الغاب أي قانون البقاء للأقوى، لكون الأقوى أحياناً بحكمة الإيمان يخضع لتأثيرها لتكون نظرة رحمته مشوبة بضمير مغاير كعامل مساعد للترويح عن قوته مهما استشرت غطرسته وبلغ طغيانه. هذا ما أكدته سلطة الدواعش في قرارها المؤرخ 7 تشرين الثاني 2015 بإطلاق سراح 37 آشورياً محتجزاً من كلا الجنسين، على أمل تحرير وعودة ما تبقى من المختطفين والمهجرين من قراهم الآشورية في مناطق الخابور بسوريا وباقي المخطوفين من المكونات الأخرى في العراق وسوريا. وبهذه الخطوة تكون قوى الدواعش ـ نوعاً ما ـ قد خففت مما كانت قد أقدمت عليه مقارنة بانتهاكات سلطة ديمقراطية السلب والنهب والقتل على الهوية المستشرية في كل زاوية من زوايا أرجاء الساحات الواسعة من الحدود العراقية على المستوى الرسمي والشعبي. فحتام يبقى العراق على ما هو عليه اليوم؟! يعيش حالة الفقر المدقع بإقتصاده المُنهار، وبتشريد أبناء شعبه الجبار على أيادٍ ملطخة بدماء الأبرياء الذين يلتحفون العراء ليعيشوا حالة أزمة حشرجات الموت عشرات المرات من شدة قيظ الصيف اللاهب وقسوة اشتداد برد الشتاء القارص بأمطاره التي استعاضت عن مخزون الآبار النفطية المستحوذ عليها من ذوي المصالح الخاصة لمنافعهم الذاتية ومصالح الجهات والدول التي تدعم مصالحهم ومواقفهم السياسية لإثراء أرصدتهم في بنوك تلك الدول كضمان لتأمين حياتهم وحياة عوائلهم استعدادا للهرب المفاجئ، تيمناً بمن سبقوهم وأرشدوهم على ذات الطريق، تخلصاً من قبضة الحكم متى ما سلط القضاء النزيه مطرقته على طاولة العدل.
- آخر تحديث :
التعليقات