وأخيرا.. وقع المحظور و أنفلت زمام الموقف بالكامل وبدأت الإرهاصات الحقيقية لعملية التآكل الداخلي و الإندثار العراقية مع تصاعد قعقعة السلاح و إنتشار الفوضى و تحويل بغداد لمنطقة إرهاب فوضوي وحيث يشهر السلاح علنا و تدار عمليات الإغتيال و القتل و الخطف و الإبتزاز أمام عيون الأجهزة الأمنية العاجزة عن الفعل الصريح وومارسة مهامها المفترضة في فرض الأمن و القانون.

لقد كان واضحا منذ تفشي أنباء مجزرة ( بروانة ) الطائفية في محافظة ديالى والتي أزهقت أرواح أكثر من سبعين مواطنا عراقيا تم قتلهم بدم بارد بسبب إنتماؤهم الطائفي على يد ميليشيات طائفية سائبة تشكل جزءا مركزيا من أجهزة السلطة الحاكمة وأدواتها و أمام عيون ضباط الجيش و الأمن الحكومي العراقي بأن الأوضاع باتت تتجه نحو نهايات إنقسام طائفي ليس بين المكونات و الفسيفساء العراقية فقط بل بين المكون الواحد أيضا، بعد إنهيار سلطة الدولة المركزية وسحق هيبتها و شخصيتها الإعتبارية و إضطرارها للخضوع لأمزجة و توجهات قادة العصابات الطائفية التي تمتلك السلاح و النوايا الخبيثة والتي تبرمجها أطراف ليست عراقية ومعروفة التوجه و الولاء و التبعية، لقد وعدت حكومة العبادي وهي حكومة ( مواعيد عرقوب )!! بملاحقة ومعاقبة القتلة و الإرهابيين و الفوضويين و الطائفيين السائبين ولكنها لم تراع حقيقة كون قادة أولئك المجرمين هم من كبار أعمدة الحكومة الهشة ذاتها! فمثلا ماحصل في مطار بغداد من إطلاق نار من داخل المطار على الطائرة الإماراتية قبل أيام ليس بالحدث البسيط والطاريء بل أنه خرق فظيع و مؤلم لسيادة الدولة على مرافقها الحيوية!!

ومع ذلك مر الحادث ولم تتم محاسبة أحد ولا معرفة الحقيقة الكاملة بصورة رسمية ولن يتح معرفة الحقيقة أبدا؟ فحكومات العراق العاجزة هي مجرد بئر للحرمان و النسيان و التجاهل!! وكانت قمة السقوط المدوي لهيبة الدولة ماحصل يوم 31 يناير في وسط بغداد وفي حي الكرادة بعد هجوم جماعة طائفية سائبة هي كتائب الإمام على مقر عباس المحمداوي ( كتائب حزب الله ) و إختطافه علنا ثم قيام مسلحين آخرين من عصابات العصائب و عاشوراء و سرايا الخراساني و مجاهدي عبد طيطو!! بإستعراض القوة وإرهاب المواطنين فيما الدولة مشغولة بعقد مؤتمر حول ( حوار الأديان )!!!! والذي هو في حقيقته الرثة ( حوار الطرشان )..! بعدها وعد حيدر العبادي و أمر قواته وشرطته بتنظيف بغداد من السلاح رغم أن البرلمان أصدر قرارا بتشريع حمل المواطنين للسلاح!! وقرار العبادي بإنهاء المظاهر المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة!! هو قرار لا تستطيع أجهزته تنفيذه مطلقا ولو في الأحلام، فبغداد اليوم غير بغداد الأمس! وفترة حكم نوري المالكي الموجعة و الفاشلة قد فرضت أوضاعا لايمكن الفكاك منها ولا التخلص من تبعاتها و نتائجها المريرة إلا بحملة دولية أخرى لتحرير العراق من المجرمين و القتلة وهي عملية لن تحدث مطلقا، فالعراق يعيش اليوم أزهى عصور فترته المظلمة الجديدة وجمع السلاح أمر دونه خرط القتاد؟ كما أن التمكن من فرض سطوة الدولة في ظل المعارك الشوارعية القائمة والتي حولت بغداد لنسخة أخرى من مقاديشو الصومالية هو أمر أشبه بالأحلام!!

كل خوفي هو أن نفاجأ يوما بأن حيدر العبادي نفسه قد تم خطفه أو قتله!! وهو أمر ليس بمستبعد الحدوث فيما لوقررت الغرفة السوداء التي تدير العراق اليوم ذلك؟ وهو يعرف ذلك جيدا و تفصيليا أيضا، والطريف أنه مع إشتباكات وسط بغداد بين المكون الطائفي الواحد إندلعت إشتباكات عشائرية أخرى في شمال البصرة جنوبا بين عشيرتي ( الكرامشة ) الشهيرة بالعنف وعشيرة ( المياح ) مما تسبب في خسائر بشرية وقطع الطريق الرابط بين البصرة وبغداد..؟ أي أن العراق بأسره وليس بغداد فقط هو اليوم في طريق التطور الصومالي!! و التحول لمقاديشو جديدة شرق العالم العربي وشمال الخليج العربي في ظاهرة تجسد تماما حجم وطبيعة القوى الفاشلة التي تدير البلد بالكلام الفارغ فقط لاغير و تزرع الأسس الكفيلة بتحقيق الوصفة الكاملة لحالة الإندثار العراقية الراهنة.. طريق مقاديشو هو خارطة الطريق العراقية في زمن الميليشيات الخرافية الرهيب.

&

[email protected]