يقول أبوحامد الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة - وليته ألف كتابا في تهافت الفقهاء - ( إن هذه الأمور - أي الخسوف والكسوف - تقوم عليها براهين هندسية حسابية لا يبقى معها ريبة، فمن تطلع عليها ويتحقق أدلتها، حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الإنجلاء إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه - أي في الكسوف والخسوف - وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقه، وهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل).

فماذا كنت ستفعل يا أباحامد عندما ترى من يتمسحون بجلابيب القرآن يفترون على القرآن وعلى العقل والجوارح والأحاسيس والمشاعر، يفترون على ذلك كله وينفون دوران الأرض، وأحب أن ألفت انتباهك أنه قد بلغنا بالتواتر الذي لا يحتمل تواطىء رواته على الكذب أن الأرض - التي كان البعض يظنها ساكنة - هي في الحقيقة تدور، ومن بركات دورانها يتم لنا التمتع بنعمتي الليل والنهار، وعندما أقول تواتر فأن أتحدث عن أفراد وجماعات ومختبرات ومؤسسات ومنظمات ودول وأمم شهدت على حصول هذا الدوران بسبب اجتماع حشد هائل من الأدلة الحسية والعقلية والعلمية، يعضدها قوله تعالى ( وترى الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون).

خلت للحظة وأنا أشاهد ثقة فضيلته المرتسمة على تجاويف وجهه وكأن إينشتاين مستعد ليحدث الناس عن النظرية النسبية الخاصة والعامة أو عن الثابت الكوني، ثم إذا به يلتفت لمن حوله ليقول نحن لنا عقول كما لهم عقول، وهذه الفقرة طنت في أذني كطنين البعوضة في أذن المشلول، فلا هو يستطع زجرها ولا هو يستطيع سحقها مع وجود أطنان من الأرطال حوله تؤمن على ما يقول تأمينا، وبما أنني جئت من نفس المدينة التي أُلقيت فيها المحاضرة، وهي مدينة خورفكان كما سمعت، كان حقا علي أن أكون على رأس المشمىئزين من تجرأ فضيلته على خدش العقل والبديهة في مسجد يذكر فيه اسم الله كثيرا، وإنني صرت أخشى على أبنائي وإخواني من هذا التسميم الزرنيخي لواحة العقل الصافية.

شخصيا أنا لا أمانع أن يكون هناك من يعتقد - بينه وبين نفسه أو بينه ربين حائط بيته - أن جدول الضرب عبارة عن جدول من جهنم لا يمكن الوثوق بنتائجه، ولا أمانع أن يعتقد أحدهم أن الأرض ترتكز على حديقة من الحيوانات كما جاء في كتب التفسير التي تتحدث عن ارتكازها على السلاحف والحيتان وقرون الثيران، ولا أمانع أن يعتقد آخر أن الشمس تخرج من قيعان المحيطات حين الشروق وحين الغروب، ولا أمانع من الاعتقاد بأي خرافة كبرت أو صغرت في الشناعة.

هنا أقول كما قال أحمد بن حنبل إن سكتم سكتنا، أما أن يُجعل ما يدور في المساجد والحلقات السرية موازيا ومخالفا لما تم تعليمه في المناهج الدراسية "العلمية"، والتي تعتبر حصيلة مجهود بشري جبار قدم فيه العلماء حياتهم وأرواحهم وأموالهم في سبيل الجغرافيا والجيولوجيا والكيمياء والفيزياء والأحياء، ثم يأتي أحدهم ليستدل بقول أحد مشايخه - الذي لم يسافر خارج بلاده قط - ليحدثنا عن مسارات الكواكب والنجوم وكأنه جاليليو زمانه و"كبلر" مكانه ونيوتن أرضه و"كوبرنيكوس" سمائه، فماذا ترك سماحته لتلك المراصد الجبارة والمراكب السيارة والأعين المجردة التي رأت حقيقة حركة الأرض والشمس عيانا ؟ هل من المعقول أن ينسفها كلها بمجرد وجود شبهة مغلفة بفهم مشوه لآية ناصعة الجمال، ثم يجد كل من يطوفون حوله يقولون له "بخ بخ" بدل أن يصرخوا في وجهه تباّ لك ألهذا جمعتنا؟

نحن نستعد في الإمارات لإطلاق مركبة فضائية نحو المريخ في ٢٠٢١، فلذلك أتمنى من المحسنين أن يتبرعوا لإنشاء مركبة فضائية أخرى لكفّار الدوران بالأرض أو كفّار كرويتها، ثم يأخذونهم في رحلة مكوكية ومعهم متونهم وقراطيسهم و"كاسيتاتهم"، ثم ليتركوهم هناك دهورا من الزمن - حتى نستعيد أنفاسنا من هول ما سمعنا منهم - ليروا دوران الأرض بأم أعينهم لعلهم يعقلون، فإن أبوا أن يؤمنوا فليرسلوهم إلى الشمس ليروا جريانها لعلهم يتفكرون.

&