من المفترض أن تنتهي اليوم الخميس الفترة التي حددها اتحاد القوى الوطنية في العراق لتحقيق مطالبه التي أعلنها عقب اغتيال الشيخ قاسم سويدان الجنابي، ومع انه لم تصدر مواقف من قبل الحكومة تعلن صراحة الاستجابة لمطالب الاتحاد الا أن الرئاسات الثلاث اجتمعت مساء الثلاثاء ووفقا لأحد البرلمانيين العراقيين فان الرئاسات وجهت تطمينات للاتحاد.&

لا أدري لماذا عندما امعن النظر في قضية الشيخ الجنابي والموقف الذي اتخذه اتحاد القوى من عملية الاغتيال تنقلني ذاكرتي مباشرة الى قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري والمواقف والتداعيات التي وقعت مباشرة بعد عملية الاغتيال وخروج التظاهرات الحاشدة في بيروت والتي رددت مواقف تيار المستقبل الداعية الى انسحاب القوات السورية من لبنان.

فمن دون أي ترو طالب تيار المستقبل بانسحاب القوات السورية من لبنان ليوحي بذلك أن سوريا تقف وراء اغتيال الحريري، وهذا ما فعله اتحاد القوى فور اغتيال الجنابي فقد طالب بحل الميليشيات وحصر السلاح بيد الحكومة، مما يوحي ان المراد استغلال وتوظيف اغتيال الحريري والجنابي في هذا الاتجاه.

هذا لا يعني انه ينبغي التهاون في قضية اغتيال الناس واراقة دمائهم لا على العكس تماما اذ يجب على الحكومات أن تضع أمن المواطن في سلم أولوياتها بل يجب على الحكومة السيطرة واحتواء أي عمل يؤدي الى سلب الأمن من رعاياها فما بالك بقتلهم في وضح النهار وبدم بارد، غير ان الدفاع عن أمن المواطنين شيء وتوظيف ذلك من أجل تحقيق غايات سياسية شيء آخر، خاصة وان هذا التوظيف جاء نتيجة استغلال سماحة الحكومة وقوانين حرية التعبير والتعددية السياسية وهو غير مقبول بتاتا من اية جهة كانت.

الجميع تذوق بشكل نسبي الجرعة النفسية (ولا أقول شيئا آخرا) التي أخذها العراق بعد تولي العبادي رئاسة الحكومة، بعد ان كان القلق يخيم على العراق والمنطقة والعالم نتيجة الطريق المسدود الذي وصلت اليه قضية رئاسة الوزراء مع إصرار دولة القانون على تنفيذ استحقاقها الانتخابي.

الجميع كان ينتقد الأزمة السياسية التي وصلت اليها البلاد، ولكن الذين بحثوا عن أسباب الانغلاق السياسي قليلون، لأن الأغلبية كانت منشغلة بإلقاء لوم ما وصلت اليه البلاد على المالكي واستفراده واسئثاره بالسلطة والقرار، ولكن لو جئنا وحللنا الوضع من دون خلفيات سياسية أو طائفية لرأينا أن أحد الأسباب التي أوصلت الأمور الى طريق مسدود هي انسحابات القوى السياسية ومناكفاتها، وربما تفريغ الساحة والانسحابات يلتقي مع رغبة المالكي في انه كان يريد اثبات انه قادر على تجاوز هذا التحدي ومواصلة ادارة العراق من دونهم ولكن الذين تخلوا عن دورهم أيضا يتحملون جزءا من المسؤولية.

لا توجد أية مؤشرات على أن اتحاد القوى سينسحب بشكل نهائي من الحكومة والبرلمان أو انه يلجأ الى خطوات تصعيدية، ولكن قرار التعليق والتهديد والوعيد لا يخدم مصالح العراق بتاتا، خاصة في الوقت الراهن الذي تقتطع فيه داعش جزءا منه، خاصة كما ان سبيل التوصل الى الحلول متوفر وفي متناول اليد فبالاضافة الى امكانية التفاهم عبر اللقاءات المشتركة والحوار فيمكن أيضا سن القوانين عبر الآلية المعهودة وفي مقدمتها البرلمان.&

لا نريد أن نكون متشائمين ولكن ربما فرصة وجود حكومة العبادي سوف لن تتكرر في المستقبل، فهذه الحكومة تحظى بدعم دولي وكذلك بدعم اقليمي والذي كان يصعب تحقيقه طيلة السنوات السابقة، اضافة الى ذلك فانها حققت الانسجام السياسي الى حد ما، واذا أخذ البعض على الحكومة وجود ثغرات فيها، فلا توجد حكومة في العالم برمته من دون ثغرات.

اذا قاطع الكرد الحكومة لأنها لم تستجب لكل مطالبهم، وقاطعها السنة لنفس السبب، قم قاطعها حلفائها لانها لا تلتزم بالخطة، فما هو الخيار الذي يبقى امام العبادي؟ لن يكون امامه الا خيارين إما الاستقالة أو مواصلة الطريق بمفرده، وبما ان عالمنا غير متعود على تقديم الاستقالات، بل يبقى في السلطة حتى لو تكرر فشله ألف مرة، لذلك فلن يستقيل وتتكرر التجربة من جديد.

من المؤكد ان انسجام السياسيين فيما بينهم واتفاقهم على دعم الحكومة ينعكس بشكل مباشر على الشعب، لأن انسجام السياسيين سيتبعه دعم اقليمي ودولي واذا توفر الدعم فان مشاكل العارقيين ستنحل تدريجيا، أليس كافة السياسيين يقولون انهم يريدون خدمة الشعب فهل خدمته بالصراع السياسي؟

كل ذلك لا يعني ان على السياسيين اغلاق أفواههم وان لايعترضوا ولا ينتقدوا، بل ان عدم الاعتراض والانتقاد سيؤدي الى فساد أكبر من فساد الصراع السياسي، وانما يعترضون فيما بينهم من أجل التوصل الى حل.

&