تسمية الخابور تطلق على نهرين صغيرين، احداها ينبع من الاراضي التركية ويمر بالاراض العراقية ويفصل منطقة برواري بالا عن منطقة كولاي وسندي ويصب في نهر دجلة قرب مدينة زاخو العراقية وعليه يمر الجسر المعروف اشوريا باسم جسر دلالاي وعراقيا باسم الجسر العباسي. والخابور الذي يعنينا هو نهر خابور الواقع في اقصى شمال شرق سورية والذي ينبع من راس العين وتسكن حواليه حوالي 35 قرية اشورية، هذه المنطقة الصحراوية القاحلة التي تحولت بسواعد الاشوريين الى منطقة خضراء تنتج مختلف المحاصيل الزراعية من القطن الى الحنطة والفاكهة والمنتوجات الحقلية الاخرى.
اشوريي خابور السوري، لهم قصة مأساوية، وهل هناك اشوري ليست له قصة مأساوية؟ في عام في نهاية عام 1916 تعرضت مناطقهم في حكاري (منطقة تابعة لجولاميرك وهي تقع الان في اقصى جنوب شرقي تركيا) الى هجوم مشترك من القوات التركية والعشائر الكوردية المتحالفة معها، لتطبيق فتوى شيخ الاسلام في السلطنة العثمانية باعلان الجهاد ضد الكفار، وخلال هذا الهجوم ورحلة العذاب التي ساروا فيها مرورا باورميا في ايران والى منطقة بعقوبة في العراق الحالي فقدوا اكثر من نصف عددهم، قتلا وسبيا والموت جوعا. ولان القيادة الاشورية كانت تامل بان يتم تعويضهم من قبل الحلفاء، الذي اعلنوا انضمامهم اليهم،عن خسارتهم الكبيرة بوضع يمنح لهم الامن والاستقرار، لبناء مستقبل ينسيهم ماضيهم المؤلم. الا ان امالهم خابت حينما تم الاتفاق بين الحكومة العراقية المنصوبة، وبين حكومة الانتداب على الاعتراف باستقلال البلد دون ان يمنحوا الضمانات الكافية لمستقبل افضل، فكانت ردة فعلهم الاستقالات الجماعية من خدمة جيش الليفي الذي كان يقوم بمهمات حماية اغلب مناطق الحدودية العراقية وخصوصا الشمالية. وكانت نتيجة تحركاتهم واعتراضاتهم تعرض الاشوريين لمذبحة كبرى راح ضحيتها حوالي خمسة الاف شخص على يد الجيش العراق بقيادة بكر صدقي. فاضطر الالاف العبور الى المنطقة الخاضعة للانتداب الفرنسي (سوريا الحالية) وتم اسكانهم في خيم على ضفاف نهر الخابور في منطقة مليئة بالعقارب والافاعي ولم تكن صالحة لشئء، الا انهم وبسواعدهم وتضحياتهم حولوها الى منطقة يشار لها بالبنان نتيجة لما كانت تتمتع به من خيرات.
في صباح يوم الاثنين 23 شباط تعرضت القرى الواقعة على الضفى الجنوبية لنهر خابور الىى هجوم شرس من قوات داعش، امتد لحوالي اربعون كيلومتر من قرية قرية (كمب) تل شميرام الى (كمب ) تل هرمز، هذه القرى التي لا يزال الاهالي يطلقون عليها تسمية الكمب والتي تعني ماوى او ملجاء لانهم كانوا يعتقدون ان سكنهم فيها سيكون مؤقت وسيعودون سريعا الى العراق. وخلال هذه الهجمة البربرية هناك حوالي 600 ستمائة عائلة مهجرة بين الحسكة والقامشلي، وهناك العشرات من العوائل لا تزال محاصرة في كنيسة تل هرمز وعوائل كثيرة لا خبر عنها ناهيك عن مقتل مقاتلين من حراس الخابور والمجلس السرياني العسكري السوتورو وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني، كما تم تجريد المساكن من ما كان فيها من الممتلكات والارزاق وغيرها.
ان قوات داعش ارادات ان تستعيد ثقتها بنفسها بعد الخسائر التي لحقت بها في منطقة كوباني والقرى المجاورة، فكانت هذه المنطقة الرخوة امنيا خير سبيل لذلك، فقوات الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني كانت مشغولة بالمعارك في المناطق القريبة من كوباني وحراس خابور ذو الاسلحة التي لا تتعدى الكلاشنكوف وعدد قليل من قوات سوتورو (الدفاع بالسريانية)، لم تتمكن من المقاومة طويلا امام الزخم الكبير لقوات داعش التي كانت تمتلك اسلحة ثقيلة وعجلات سريعة مختلفة. والمعارك لا تزال قائمة لحد الان وقد تمكن بعض القوات من استعادة قرية وبعض المناطق منهم والهدف هو دفع قوات داعش بعيدان عن المناطق الاشورية، لان القضاء عليهم حاليا صعب بالامكانات المتاحة.
ان الاشوريين السريان باتوا في مرمى هذا التنظيم الارهابي ليس لانهم يقفون في طريق تحقيق اهدافه، بل لانهم يمتلكون هوية دينية وقومية مختلفة، فقبل حوالي شهر، هاجمت مجموعة منهم تل هرمز وقامت بانزال الصليب الموضوع على كنيسة تل هرمز، الا ان القوات المتحالفة في المنطقة تمكنت من استعادة القرية واعادة الصليب الى موقعه، وهذه الحركة الرمزية تدل بشكل واضح على الاهداف والغايات التي تحرك هذه المجموعة. انها اذا كانت مع المسحيين المسالمين والذين لم يخرجوا خارج مناطقهم تقوم بهذه الممارسة فكيف سيكون موقفها مع اطراف تحاول ان تكون لها ندا؟
منذ الامس لا تزال صرخات اهالي وابناء القريتين تدوي من اجل انقاذ الرهائن والسبايا والعمل من اجل اعادتهم الى قراهم، والطلب من قوات دولية لكي تحمي مناطقهم وتنقذهم من هذه المهانة التي يتعرضون لها، والغريب ان اقل الاصوات التي ترددت كانت اصوات ابناء وطنهم من العرب، التي لم تبال&ولم تذكر مأساتهم في وسائل اعلامها او بياناتها. من الواضح ان تكوين المواطن العربي الفكري والنفسي يجعله ان يرى ان ما يتعرض له مسيحي سوري سواء كان اشوريا او عربيا، او مسيحي عراقي، عمل لا يستحق الادانه اما لاعتباره كافرا او لان الهوية الوطنية لديه ليست لها اهمية ما، بقدر ما للهوية الدينية. ومن هنا ان ما نراه من الموقف اللا ابالي الذي يتخذه المواطن العربي المسلم من مقتل مواطنيه من الديانات الاخرى، في حين انه يرى ان هذه التنظيمات تتجاوز الخطوط الحمر حينما تتجاوز في ممارساتها على المسلمين وخصوصا السنة. امام هذه اللا ابالية والموقف الغير الطبيعي، من حق الجميع ان يتسألوا عن اهمية الدولة الوطنية؟&
التعليقات