في الأونة الأخيرة، إزدادت علامات تضعضع النظام السوري إن كان في صفوف ألته العسكرية أو أجهزته الأمنية، رغم كل ما يتلاقه من دعم بشري وعسكري ومادي، من أطراف عدة وعلى رأسها إيران وروسيا وحزب الله. وقبل البحث في تفاصيل الأسباب التي أدت لهذا التضعضع، دعونا نجمل أبرز علامات ذاك التضعضع في صفوف النظام، والتي كانت سببآ في تراجع قوات النظام وإشتداد الصرعات الداخلية بين كبار الضباط الأمنيين السوريين.

العلامة الإولى، هي فقدان النظام السوري السيطرة على أجهزته الأمنية وقادتها، وخير دليل على ذلك هو الصراع الذي شهدناه مؤخرآ بين أكبر ضابطين أمنيين وهما اللواء رستم غزالة مسؤول الأمن السياسي في سوريا، والذي توفي بعد ذاك الشجار، واللواء توفيق شحادة رئيس الإستخبارات العسكرية وهو أهم جهاز أمني في البلد على الإطلاق.

العلامة الثانية، هو قيام الإستخبارات الفلسطينية بقيادة اللواء ماجد فرج تحرير رهينتين سويديتين، كانا قد اختطفا قبل نحو أربعة أعوام في سوريا، دون أن تدري بها الأجهزة الأمنية السورية!!! وبسبب ذلك أعتذرت الخارجية السورية عن إستقبال وفد منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان على وشك التوجه لدمشق لمعالجة أزمة مخيم اليرموك.

العلامة الثالثة، هي سّوق النظام للأطفال والأحداث بالقوة إلى جبهات القتال، كما شاهدنا ذلك على شاشات التلفزة في كل من إدلب وجسر الشغور، بعد تحريرهما من قوات النظام على يد جيش الفتح.

العلامة الرابعة، إنهيار معنويات جنود النظام وضباطه، وهذا ما بدى جليآ في معركتي إدلب وجشر الشغور ومعارك الجبهة الجنوبية.

العلامة الخامسة، هو إرسال النظام السوري وزير دفاعه لإيران، ووزير داخليته إلى في نفس الوقت إلى روسيا، قبل أيام لطلب النجدة.

العلامة السادسة، هو الإنهيار السريع لقوات النظام، في الجبهة الشمالية والجنوبية على حدٍ سواء، ووصول قوات المعارضة المسلحة إلى بعض أجزاء من جبل النبي يونس المطل على مدينة اللاذقية الساحلية، والذي لا يبعد أكثر من 30 كيلومتر من مسقط رأس الطاغية بشار الأسد، أي القرداحة.

العلامة السابعة، هو تعالي الأصوات المنتقدة علنآ لإيران وروسيا، عن تقاعصهما في دعم النظام وهو يتلقى الضربات على يد الجماعات المسلحة، من قبل أتباع النظام في كل من سوريا ولبنان وعبر وسائل إعلامه والموالية له في لبنان.&

العلامة الثامنة، هو زيادت إمتعاض وغضب الضباط السوريين بما فيهم العلويين، حيال تحكم الضباط الإيرانيين وعناصر حزب الله، بالملف الأمني والعسكري داخل سوريا، وتلقي الأوامر منهم.

العلامة الثامنة، تدهور حالة النظام الإقتصادية، وزيادة الخسائر البشرية الكبيرة التي مني بها قوات النظام في الأشهر الأخيرة، وهذا ما ولد غضبآ شديدآ في صفوف طائفته الخزان البشري الذي يمد النظام بالمقاتلين.

العلامة التاسعة، بدء التململ في الموقف الإيراني والروسي، تجاه النظام السوري بسبب فشله في حسم المعركة خلال أربعة أعوام ونصف، رغم تفوقه الهائل على المعارضة في كل شيئ، ما عدا الإرادة والإيمان والعمق الشعبي وعدالة القضية.

هذه أبرز العلامات على تضعضع النظام السوري، والأن دعونا نبحث في أسباب هذا التضعضع وخلفياته وتأثيره اللاحق على مجرى الإمور. بالطبع الأسباب كثيرة ومتشابكة، ولهذا سوف أتوقف فقط عند أهمها، لأن بحث جميع الأسباب المباشرة والغير مباشرة وبجميع تفاصيلها تحتاج لعدة مقالات.

برأي إن أهم سبب أدى إلى هذا التضعضع في صفوف النظام وقواته، هو إطالة أمد المعركة واستنزاف النظام من قبل المعارضة. فأي نظام مهما ملك من قوة، لا يمكن له أن يصمد في وجه شعب بأكمله، ويستمر في الحرب لفترة اربع سنوات ونصف وإقتصاده معطل و 80% من البلد مهدم، ونصف السكان مهجرين ونحو 70% من مساحة الأراضي خارج إرادته، ولا يسيطر على المنافذ الحدودية، ويعاني من حصار سياسي وإقتصادي مفروض عليه من قبل المجتمع الدولي.

السبب الثاني، هو الخسائر البشرية الكبيرة، التي مني بها قوات النظام العسكرية والأمنية على مدى اربعة سنوات، في الوقت الذي هو غير قادر على تعويضها بسبب رفض الناس الذهاب إلى الخدمة العسكرية، وإنشقاق الكثيرين من الجنود والضباط عن الجيش. ولهذا رأينا أطفالآ يقاتلون في صفوف جيشه في إدلب وجسر الشغور، أتى بهم النظام من مناطق بعيدة بالقوة، كما صرح بذلك اولئك الأطفال. ولهذا إستعان بمليشيات شيعية لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية ويمنية وإيرانية للمحاربة عنه، ومع ذلك فشل في القضاء على المعارضة المسلحة.&

السبب الثالث، هوتراجع الإهتمام الإيراني والروسي والعراقي له، لأسباب عدة. فالشيعة العراقيين إنشغلوا بتنظيم داعش والإيرانيين ملتهين بالمفاواضات النووية، وكل همهم الخلاص من كماشة العقوبات الإقتصادية التي إكتوا بها. والروس منشغلين بالوضع

في اوكرانيا وحل مشاكلهم الإقتصادية، بعد أن فرض الغرب عقوبات مالية وإقتصادية قاصية عليها وإنهيار سعر النفط. & & & &&

السبب الرابع، هو تراجع مداخيل إيران والعراق المالية، بعد الهبوط الحاد في أسعار النفط، مما حدى بكلا النظامين الإيراني والعراقي في تقليل دعمهما المالي للنظام السوري.

السبب الخامس، إستنفاد النظام لكل إمكاناته المالية، وبالتالي عدم قادرته على تشغيل ألته العسكرية الجرارة، ودفع رواتب جيش المرتزقة الذي شكله وسماه بجيش الدفاع الوطني والمعروف بأنهم شبيحة.

السبب السادس، التململ في صفوف الجنود وصف الضباط والضباط، بسبب طول المعركة وكثرة القتلة في صفوفهم، وعدم وجود ضوء في نهاية النفق. إضافة للخلافات الحادة بين القيادات العسكرية والأمنية السورية العليا من جهة، وخلافاتهم مع الضباط الإيرانيين وعناصر حزب الله الذين لا يثقون بالضباط السوريين، من جهة إخرى.

السبب السابع، توحد فصائل المعارضة السورية المسلحة في جبهة واحدة، إن كان ذلك في الشمال أو الجنوب، وتوجيه بندقيتها إلى النظام بدلآ من التقاتل فيما بينها.

كل هذه الأسباب وغيرها مجتمعة، أدت إلى هذا التضعضع في صفوف النظام وقواته، وباتت واضحة للعيان. ولا أستبعد إنهيارات سريعة إخرى في صفوف جيش النظام، ومزيدآ من التصفيات بين صفوف القيادات الأمنية الكبرى. وكلما تقهقر النظام خطوة، إزادات مشاكله الداخلية عشرة أضعاف، وأخذ الكثيرين بالقفز من سفينة النظام، لكي ينجوا بجلدهم.&

ووصول قوات المعارضة لريف اللاذقية، سيزيد الضغط على النظام وأتباعه وسوف يشتت قواته ويضعفها، وبالتالي سيخف الضغط عن المعارضة في الجبهات الإخرى. وهذا الوضع سيجعل أهمية النظام بالنسبة للروس أقل، عندما يرون أن النظام يأخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وليس أمامه أي فرصة للنجاة. وهذا سيدفع بالروس التخلي عنه تدريجيآ دون شك. وإذا صدق كلام رئيس الإئتلاف الوطني السوري خالد خوجة لجريدة الشرق الأوسط اليوم، عن قرب رفع الحظر عن مضادات الطيران لجيش الحر، فإن ذلك سيسرع في تقدم قوات المعارضة على حساب قوات النظام، وسيمكنها من تحييد سلاح الطيران وبالتالي حماية المدن والمناطق المحررة من يد النظام.&

وعلى المعارضة السورية المسلحة، أن تستفيد من هذ التضعضع وتعميقه من خلال توحدها في هيكل عسكري واحد، بدلآ من تشكيل غرف مشتركة. والإبتعاد عن التشدد والجماعات الإرهابية، وإتباع خطاب وطني منفتح على جميع مكونات الشعب السوري القومية والمذهبية. وترك شكل النظام السياسي القادم لإختيار الشعب السوري، بعد دحر نظام ال الأسد المجرم وتحرير البلد من براثنه.&

وعلى الدول الصديقة للشعب السوري، وخاصة العربية منها زيادة دعمها العسكري والمالي للمعارضة السورية للإستفادة من تضعضع النظام الحالي وتقهقر قواته العسكرية، وزيادة الضغط عليه لعله ينهار ويتخلص السوريين من إجرامه، الذي فاق

كل حدود. وإنهيار النظام السوري يعني إنهيار محور الشر الذي يضم إضافة إليه كل من إيران وحزب الله والحكم الشيعي الطائفي في العراق.

&