تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من الوضع السياسي في عراق ما بعد 2003، ومن الطف هذه النكات " رجلين عراقيين تعاركا في لندن لأسباب طائفية، والقت الشرطة القبض عليهما وقدما امام قاضي التحقيق للسؤال عن اسباب هذه المعركة في احد اسواق لندن، فقال الاول وهو شيعي ان الاخر يسب الامام الحسين "ع"، فانكر الاخر وهو سني القول واتهم صاحبه بانه يسب الخليفة يزيد بن معاوية، فطلب القاضي بإحضار كل من الحسين ويزيد امامه لمعرفة اسباب الخلاف الحقيقية، فضحك الرجلان منه واكدا له بانهما ماتا قبل حولي 1400 عاما، فاصدر القاضي البريطاني امرا بإحالتهما الى المصحة العقلية لمعرفة قدرتهما على ادراك الامور".

واذ تجمع التحليلات الصحفية على ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي سيواجه استحقاقات مطالبات دولية متعددة الاطراف بالانتهاء من مشروع بيانه الوزاري في موضوع المصالحة الوطنية كمفتاح للدعم الدولي في تحالفها لمحاربة تنظيم داعش الارهابي، والسؤال لماذا تأخرت هذه المصالحة طيلة عقد واكثر من عمر العراق الجديد ؟؟

بالأمس اجتمع مجلس الرئاسات الثلاث لمناقشة موضوع هذه المصالحة، وصدر تصريح لافت عن مكتب نائب رئيس الوزراء بهاء الاعرجي - التيار الصدري- بان مناقشات جدية غير مسبوقة قد طرحت في هذا الاجتماع اكد بهاء الاعرجي نائب رئيس الوزراء " ان اجتماع الرئاسات الثلاث الذي عقد مساء امس، كان اجتماعا متميزاً، تم فيه الحديث بصراحة عن تحديد أسباب المشاكل الراهنة وتم الاتفاق على التعاون لإيجاد الحلول لها "،واشار الى انه" تم خلال الاجتماع الاتفاق على ضرورة ايجاد خطاب وطني موحد للجميع و الوقوف ضد الهجمة الاعلامية لأعداء العراق، والبدء بالمصالحة الوطنية الحقيقية العملية، وتأكيد دعم الحكومة برئاسة العبادي ".

&من جهته، شدد نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، خلال اجتماع الرئاسات الثلاث، على ضرورة ايقاف الاستهداف السياسي ومراجعة الوضعين السياسي والأمني، خاصة في محافظة ديالى التي تشهد خروجا على الاتفاقات السياسية واستهدافات غير مبررة على خلفية سياسية،ولفت النجيفي الى " ضرورة الاسراع بتسليح أبناء المناطق المحتلة، لأن ذلك سيضيف زخما حاسما للمعركة وهو الطريق الوحيد الذي يضمن النصر وعدم عودة الارهاب "،مطالبا باعادة النظر بالقيادات الأمنية التي لم يكن أداؤها بالمستوى المطلوب ومحاسبة المقصرة منها، مشيرا الى أن مصلحة البلد والعملية السياسية تقتضي مراجعة ما تم في ديالى وتصحيح الوضع بما يعزز اللحمة الوطنية، منوها إلى موضوع التوازن الذي يشهد تلكؤا في تنفيذ الاستحقاقات، ودعا إلى تحقيقه، خاصة في المؤسسات الأمنية مع اعطاء أسبقية للمناطق الساخنة.

ويمكن ملاحظة الخلاف الكبير بين كلا التصريحين، ومضمون تحليل ذلك:

&اولا: منذ تفاهمات لندن 2002 بين المعارضة العراقية والولايات المتحدة ممثلة بالسفير زلماي خليل زاده، ظهر مصطلح " العدالة الانتقالية " وبعد تمرير واشنطن لقرار احتلال العراق وتعين بول بريمر حاكما مدنيا عليه، وظف هذا المصطلح في الغاء الجيش العراقي واستبداله بمليشيات الاحزاب، سنية وشيعية، والغاء وزارة الاعلام، وتشكيل هيئة اجتثاث البعث، فضلا عن مؤسسات السجناء السياسيين والشهداء، وظهور موجة عارمة رافضة لمبدأ المصالحة الوطنية، تتكرر ما بين حدث واخر لعل اخرها ما يشير الى الاعدام المتبادل للضحايا، تحت مفاهيم طاردة لفكرة المصالحة الوطنية.

&ثانيا: لم تكن المحاصصة الحزبية والفئوية المبينة على تفاهمات لندن اكثر من باب واسع للفساد الاداري والمالي الذي انهك الدولة، وما زال مجلس النواب العراقي عاجزا عن تشريع قانون للأحزاب او المحكمة الاتحادية، والانتهاء من 59 قانونا مطلوب تشريعها طيلة اكثر من عقد بسبب فشل الديمقراطي التوافقية في التوصل الى حلول لهذه المشكلات المستعصية، ومن بينها قانون النفط والغاز، فكان الحل الاخر هو التمدد الجغرافي، في تعزيز مواقع امراء الحرب في مواجهة تنظيم القاعدة اولا، بعد اعادة انتشاره نتيجة عدم احتضان الدولة ولاسيما حكومتي المالكي لما عرف بالصحوات، لذلك ساد النفوذ الإيراني من بوابة هذه المخاوف من عودة البعث من نافذة المصالحة الوطنية لاسيما مع ظهور ممارسات "داعشية " مثل جريمة سبايكر التي ذهب ضحيتها 1700 جندي عراقي من الشيعة، جعل تصريحات" كبار المحللين" تأخذ من جرف المصالحة الوطنية الكثير بانه لا يمكن للشيعي ان يأمن للسني، والعكس صحيح.

ثالثا: ان تجاهل الارهاب كمفهوم يتطلب المواجهة المجتمعية الشامل، وعلى خط موا، الفساد الاداري والمالي، جعل القيادات الحزبية، لاسيما امراء الحرب منهم، يطالبون المجتمع بان يقاتل الارهاب من مفهوم ضمان عدم عودة البعث لحكم العراق من جديد، وهو مفهوم خاطي كليا، لكنه منتشر بقوة في المواقف السياسية التي تنتهي الى تشنجات في الاجتماعات التي تناقش فكرة المصالحة الوطنية لذلك ظهر مفهوم تتوافقي في العراق " الجديد" يقوم على الاتفاق على سلة من القوانين في حملة تشريع واحدة، لكن ظهور داعش وبالشكل الذي حول الدولة من قوة عسكرية قادرة على المواجهة الى مجرد غطاء للحشد الشعبي، الذي يؤكد حتى قادة الاحزاب السنية بانه الوحيد القادر على الصمود في المعركة مع داعش متغافلين عن سؤال مركزي، كيف لم يصمد الجيش العراقي في هذه المعركة، وهي المشكلة التي ما زالت تدور في اروقة مجلس النواب العراقي ما بين لجنة الامن والدفاع النيابية ولجان التحقيق في جرائم سقوط الموصل وسبايكر ومن بعدهما جريمة الانسحاب من الرمادي.

&واقع الحال، ان عراق اليوم لا يمتلك مقدرة ذلك القاضي الانكليزي للحكم على المختلفين في التعامل مع العراق الواحد، بإحالتهم الى المصحة العقلية لتحديد اهليتهم للحكم، فالواقع يتطلب ان يحيل المثقف العراقي اولا ومن بعده عامة الشعب ساستهم الى مصحة مجتمعية عامة، تبدأ بالمصالحة الاجتماعية، لكن واقع العراق يتخلف يوما بعد اخر نحو هاوية الاضطراب، ومثال ذلك سوق50 فتاة في محاكمة عشائرية " فصل" دون اي احترام لقيمتهن الانسانية، وحين تغيب الانسانية عن التعامل ما بين العشائر، لا يمكن السؤال عن التوافق بين قادة سياسيين لكل منهم مشربه الفكري ومنهجه واجنداته الخارجية، انه زمن الانهيار او زمن الانبثاق، وكل منهم متوقف على قدرة حكومة الدكتور العبادي الالتزام ببرنامج حكومته، لكن حساب الحقل في البرلمان يختلف عن حسابات البيدر في ساحة المعركة مع داعش!!

&