معروف أن تاريخ العالم العربي ملطخ بالدماء، ولكن في السنوات الأخيرة زادت حدة الإجرام وتفنن الإرهابيون بل أبدعوا في قتل ضحاياهم واغتصابٍ للقاصرات و حرق للأحياء وإغراق وإعدام وصلب مع تصوير كل ذلك وبثه للعالم من أجل إحداث القدر الأكبر من الصدمة والترويع.
داعش أو دولة الشيطان تعتمد وسائل وطرقا إجرامية تنتج عن تخطيط جهنمي يفتي به زعماؤها ويطبقه عناصرها ومريدوها باسم الدين.
فكيف يمكن ان يتصدى العالم للإرهاب في ظل منظومة الدماء التي تتفشى كالسرطان الخبيث في هيكل مجتمعاتنا المنهكة& فتنخر عظامها وتعطل بعضاً من وظائفها؟ وهل ستتمكن هذه الخلايا السرطانية النشيطة التي تتحرك بسرعة قياسية من القضاء على قيم التسامح والوسطية والقبول بالآخر وتكرس الظلامية في أوساطنا، خاصة وأنها توجه ضربات مدروسة؟
فنجدها، على سبيل المثال ، تفاجئ العالم في يوم واحد في آسيا واوربا وافريقيا، بهجوم ارهابي على جامع للشيعة بالكويت ثم تمر بفندق في تونس لتتابع مسيرتها الدموية نحو مصنع في فرنسا.
تعديها على تونس الخضراء ذاك البلد الذي يعتمد على السياحة كركيزة اقتصادية شبه وحيدة وفي شهر حزيران الذي يستقبل عادة آلاف السواح وذروة الموسم السياحي ما هو إلا ضربة قاضية للاقتصاد التونسي.
أضف الى ذلك أنّ الضربة الإرهابية لجامع شيعي في الكويت في يوم جمعة في شهر رمضان الفضيل ما هي إلا رسالة شر سياسية وإجرامية سوداء وفي منتهى الخطورة. ناهيك عن ضربة الإرهاب لفرنسا التي هزت المجتمع الفرنسي بقوة، فما بالك إن كانت المرة الأولى التي يقطع فيها رأس فرنسي على الأراضي الفرنسية. تتوالد الأسئلة إذن عن التداعيات الكبرى الناتجة عن هذه الضربة التي من المؤكد أنها ستزيد من حدة الإسلاموفوبيا وسترفع علامة استفهام كبيرة حول إخفاق القوى الأمنية الفرنسية وسياسات الإدماج؟
وما هي تأثيرات هذه الضربة على مسلمي أوروبا المحرجين وهم يشعرون بنظرة عداء الآخر لهم وهي تلاحقهم دون ذنب؟
وكيف سيواجه المسلمون اتهامات الغرب وهل سيؤدي يوم الجمعة الأسود إلى تهميشهم اجتماعياً وعملياً في أوروبا ...
تبقى المجتمعات العربية مجتمعات لرجال الدين فيها نفوذ كبير لما يملكونه من منابر وسلطات روحية ورمزية وحتى سياسية .
وهنا نتساءل ما الدور الذي يلعبه هؤلاء في تثقيف الشعب. فلا يوجد خطب تثقيفية في الجوامع& والمساجد تقف بالمرصاد لهذه الظاهرة الداعشية الغريبة والمتمددة كل يوم أكثر& .
آن للأدباء والكتاب والمثقفين ورجال الدين أن يتصدوا لهذه الظاهرة. فالحلول الأمنية وحدها على ما يبدو لن تجدي نفعاً. فحلقتان مثلا من مسلسل "سلفي" كان تأثيرها في تعرية هذا التنظيم العدني أكبر من كل الكتابات التي تناولت ظاهرة داعش. نحن بحاجة إذن لتعرية داعش ثقافياً واجتماعيا وأن ننسف عناصر قوة الاستقطاب والجذب للشباب لديها . فمثلاً في بريطانيا عمل شابان وفتاة على تأسيس موقع توعية للشباب يساعدهم على عدم الانجرار وراء تضليل داعش مع توظيف كل مساحات المواقع الاجتماعية التي يقبل عليها الشّباب بكثافة .
نتيجة لهذا الوضع المأساوي لا بد من حملات توعية مشابهة في مواقع تواصلنا الاجتماعي وصحفنا ومنابرنا الدينية والتلفزية والافتراضية.
ولكن الحل الجذري يكمن في رأينا في تأسيس مجتماعات مدنية تحترم كل الأديان والأقليات وتحافظ على خصوصيتها وتساعد على تفتحها وممارسة شعائرها بشكل حر وديمقراطي.
أحداث الجمعة السوداء في السادس والعشرين من حزيران لم تنته ولكن فتحت نفقاً أسود لا نهاية له وصدى جريح& لصرخة السادس من حزيران، سيبقى& يتردد طويلا في جنبات القارات والدول الثلاث المستهدفة في كل جهات العالم الأربع.
&