تفاعلت في لبنان والوطن العربي قضية تسجيلات الفيديو المسربة قبل أسبوع من سجن "رومية" اللبناني، حيث تظهر فيها مشاهد تعرض مجموعة من السجناء للضرب والتعذيب على يد عناصر أمنية لبنانية. كم هو بشع ومقزز منظر أشخاص (شبه عراة) مكبلين بالأصفاد، يضربون ويعذبون ويهانون على مرأى ومسمع من أشخاص (سجناء) آخرين. أليس هذا قمة الإستهتار بالكرامة الإنسانية؟

التعذيب مصطلح عام، يستعمل لوصف أي عمل ينزل آلاما جسدية أو نفسية بإنسان ما بصورة متعمدة ومنظمة كوسيلة من وسائل إستخراج المعلومات أو الحصول على إعتراف أو لغرض التخويف والترهيب، أو كشكل من أشكال العقوبة أو وسيلة للسيطرة على مجموعة معينة تشكل خطرا على السلطة المركزية، ويستعمل التعذيب في بعض الحالات لأغراض أخرى كفرض مجموعة من القيم والمعتقدات التي تعتبرها الجهة المعذبة (بضم الميم) قيما أخلاقية. (المصدر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة).

جاءت كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لتؤكد على حقيقة واحدة، وهي إحترام الكرامة الإنسانية وحفظها وصيانتها. لذا فليس من العجب أن نجد هذا المبدأ يتصدر مقدمة العديد من الصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م، يقر أن الكرامة المتأصلة في جميع أفراد الأسرة البشرية هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم، وتعتبر جريمة التعذيب (الجسدي واللفظي) أبشع ما يمكن أن يمارسه إنسان على أخيه الإنسان، لأنه وببساطة يهدف إلى إلغاء شخصية الضحية، وإنكار الكرامة الإلهية الكامنة لدى هذا الكائن البشري. والتعذيب بإعتباره جريمة بموجب القانون الدولي محظور تماما في جميع الصكوك الدولية، ولا يمكن تبريره لأي سبب من الأسباب أو لأي ظرف من الظروف.

وبالرغم من وجود القوانين الدولية التي تجرم التعذيب بجميع أشكاله، إلا أن التعذيب – للأسف الشديد – لا زال يمارس وبطريقة منهجية في أكثر دول العالم وخصوصا دول العالم الثالث، الذي من ضمنه العالمين العربي والإسلامي. وتشمل أفعال التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية والحاطة من الكرامة، الإغتصاب وجميع أشكال العنف الجسدي، وإستخدام الأجهزة الكهربائية لتوجيه صدمات إلى أجزاء حساسة من الجسم، والحرمان من النوم والغذاء والماء، وضرب الأشخاص وجلدهم، وتجريدهم من ملابسهم وإذلالهم، وأشكال أخرى من التعذيب لا تخطر على البال، فخيال رجال الأجهزة الأمنية واسعا جدا ولا يعرف حدودا. والعالم بأجمعه إطلع على أساليب التعذيب التي كانت تمارس على السجناء في سجن أبو غريب العراقي وغوانتانامو الأمريكي، وهذا كله غيض من فيض مقارنة بما يحدث في سجون أكثر الدول العربية التي يقال عنها "أن الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود".

إن التعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيئة هو بداية كابوس طويل لمعظم الضحايا، وآثاره الجسدية خطيرة لا تزول بسهولة، وقد تؤدي إلى الموت في بعض الأحيان. أما الآثار النفسية فقد تكون أعمق وتستمر فترة طويلة، وتحتاج إلى علاج تأهيلي بصفة دائمة ولفترة طويلة. كما أن الألم النفسي لا يقتصر

على الضحايا أنفسهم فقط، بل يمتد ليشمل عوائلهم وأقربائهم. كما أن التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والمهينة هي كالأمراض الفتاكة، تدمر نسيج المجتمع وتعرض حياة الناس ومصالحهم للخطر، وتفقد الشعوب ثقتهم في أنظمة حكمهم القائمة.

من يرتكب جرما – مهما يكن فظاعة هذا الجرم – من حقه أن يحصل على محاكمة عادلة، وبعد ثبوت الجريمة يصدر حكما بحقه يتناسب مع حجم الجريمة التي إرتكبها. ولكن لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف أن يتعرض هذا الشخص للتعذيب وإهدار الكرامة بهدف إنتزاع الإعتراف قسرا منه.

ولكي لا يتعرض أحدا من البشر أيا كان دينه أو لونه أو جنسيته لهذه الأشكال من المعاملة السيئة، فإن على الحكماء والعقلاء على المستوى العالمي أن يضعوا من القوانين والعقوبات ما يردع رجال الأجهزة الأمنية في دول العالم عن ممارسة ساديتها من خلال تعذيب الآخرين تحت أي دعوى أو تبرير. ويجب أن تطبق هذه القوانين والعقوبات ليس فقط على من يقومون بالتعذيب بشكل مباشر من الشرطة وصغار الضباط، وإنما على كل مسؤول أصدر أمرا أو أعطى ضوءا أخضر أو تغاضى أو ساهم بأي شكل من الأشكال بطريقة مباشرة او غير مباشرة في حدوث هذه الجريمة البشعة مهما كان موقعه.

ومن المهم أن تناط مسئولية تنفيذ هذه القوانين والعقوبات لمحاكم وطنية تتميز بالنزاهة والكفاءة. وفي حال فشل هذه المحاكم في تأدية واجبها لأي سبب كان، تحال القضايا إلى المحاكم الدولية (محكمة العدل الدولية أو محكمة مجرمي الحرب)، فجريمة التعذيب لا تقل في خطورتها وبشاعتها عن جرائم الحرب.

يجب أن تعرف الشعوب أن جرائم التعذيب بكل أشكالها، كما هو متفق عليه في أغلب الدساتير والقوانين الدولية، لا تسقط بالتقادم وتظل تلاحق مرتكبيها مهما طال الوقت ومرت عليها السنين.