دعوني أقول أن العراق دولة تتنازعها نخبة لاتستطيع إستنتاج نتائج سلوكها، وهمها تبادل التهم، والأهتمام بالتحريف والتخويف والأكاذيب والتخريف المذهبي الدعائي، بنية تحقير الأنسان. ومنهم من هو في السياسة لغرض النيل من الخصوم من رموز يشاركوهم السلطة السياسية السابقة والحالية، ومنهم من تخلي عن المسؤولية الاساسية المسندة اليهم لتحسين الأوضاع البائسة القائمة ولكنه بقيّ في السلطة.

يتحدث الكثير من نواب عراقيين، وبقدرة فائقة،عن ضرورة تغيير الواقع المظلم وتلمس الطريق القويم المضاء، ولكن جهودهم تصدم بنخبة دولة المكاتب الإعلامية وصخبها وضجيجها المغاير للمطلوب.

ودعوني أقول أن الألتفاف على الأنجاز الحقيقي بأستباق التصريح عن أي مشروع خدمي لا يتم بكثرة عدد مكاتب إعلام دولة التهدئة وتطمين الخواطر، وهي دولة السيد الرئيس ومعاليه وسيادته وفخامته وحضرة جلالته، ولا يتم إصىلاح كيان الدولة كصيانة السدود وإصلاح المرافق المخربة والبيئة الملوثة ببث بيانات الأناشيد الإعلامية من مكاتب الأشادة الشخصية.

دولة المكاتب هذه تبث المشاريع المُغيّبة وتحرير الأرض المغتصبة وتستنزف موارد البلاد وتضعها في غير محلها ولا تفرق بين العاجل والآجل، ومن المؤسف أن ترافقها احقاد حكومية ورئاسية شخصية، وتنكيل وكراهية في مجلس مكون من نواب ونائبات يتركز جلَّ حديثهم عن مؤامرات إسقاط أسماء ومشاريع معطلة تكلف الدولة اكثر من طاقتها، في وقت تأكل حلقات وزمر الارهاب الجهادية من جسد بلاد الرافدين المجزأة الى روافد ومحافظات ومدن مضطربة الولاء تطالب بالسلاح وتوزيعه بعبث على عشائر الجنوب والوسط والشمال.

يزداد حنقي على قادة يقودون من وراء مكاتب اعلامية صفتها تصديق الكذب وتكذيب الصدق، وهي على حد علمي، منتشرة في أكثر بلدان العالم، مع ان مايهمنا هو عدم نجاح عمل هذه المكاتب في العراق ومنع استمرار عملها اللا ملتزم بجغرافية الفقر المدني والمرض وخراب البيئة وتوسع الأرهاب.&

فمن المسلمات في أي دولة أن السلطة الرئاسية الأعلى لها مكتب إعلامي رسمي يطلق النشرات البيانية ويُركّز على تصريحات الحكومة لصقل سياسة الدولة بمنهجية وخطط إنعاشية واضحة وليس بما يهم حضرته ومعاليه وفخامته وسعادته وسيادته بحضور مؤتمرات وطرق أبواب وإبداء آراء في أمور لا تخص العراق ويرجع بآراء مناقضة للأغلبية البرلمانية والدستور. في العراق كل مسؤول كبير أصبح له مكتب إعلامي خاص للتهدئة أو الإثارة ويقود منه مذهبه ويُغرد منه مبادئ مغايرة للسلطة الرسمية لتكفير الأخرين والتشكيك بنواياهم وترسيخ الأمية واستمرار الفساد والحقد المذهبي والسياسي والاجتماعي.

وفي خضم تحديات حساسة خطيرة يواجهها العراق ونزوح أكثر من 230,000 شخص من محافظة الأنبار وحدها وأكثر من 3 ملايين من العراق، ظلت مكاتب النخب السياسية الإعلامية على حالها في روتينية أعمالها، تقوم بتـأكيد زيارات ومقابلات وسفر وفود وحضورهم مؤتمرات واجتماعات مغلقة مع قادة ورؤوساء دول كي تُسّجل لهم في الأخبار كمهمات عمل ناجحة ولتزهو صورهم مع أنها لا تدخل في مضمون إنجاز مشروع، أو توقيع عقد أو اتفاقية عمل مشترك متكامل الصورة.&

أيضاً، كنتُ أظن أن مكاتب النخب السياسية الإعلامية وغرض وجودها هو مخاطبة الجمهور بكل أطيافه ومعتقداته و مكوناته و طوائفه وقومياته وحركاته الاجتماعية والعشائرية النهضوية والتعريف بالاجراءات والأداءات والفعاليات الحكومية ومواعيد إنجازها التي تعني الأهتمام بشؤون الشعب. لكني وجدت بأن الحرص على بلاد الرافدين وأهلها لايتجاوز أنشطة اسبوعية لنخب المكاتب الإعلامية وقيامها بتأليه حضراتهم، سيادتهم، معاليهم، وفخامتهم، بعد حضورهم مؤتمر والإدلاء بتصريح لوكالة أنباء خارجية.

أهذا هو الفصل الجديد في التهرب والتخلي عن المسؤوليات الحقيقية والتمسك فقط بنهم رواتب وإمتيازات شهرية أقرها لهم كلَ من شَغِلَ مقعد رئاسة مجلس النواب؟&

ومن يأبه بمسؤولية حضور المؤتمرات السياسية يعلم أنها لا تبني مصانع، مستشفيات، معاهد دراسية، صيانة سدود، اصلاح خراب طرق وجسور ومصافي بترولية وبيئة ملوثة.

ومن يأبه لحضور الندوات والأجتماعات لا يأبه بحصر قتال الأرهاب داخل العراق وإهدار دماء عراقية وإستنزاف ثروات البلاد وأصدار بيانات في غاية الغباء، نص رسالتها "أن العراق يقاتل نيابة عن العالم كله"، وبعد كل فشل زيارة وحضور ندوة واجتماع يلخص بيان حضرته وسيادته بأنه كان مكرساً " لتبادل آراء ووجهات نظر الطرفين". لم يعد مهماً أن تخرج علينا فعاليات دولة المكاتب الأعلامية السياسية الشخصية بنقل أخبار جهود وانجازات حضرته ومعاليه وسيادته وفخامته وسعادته بشكلها المشوه أو المرونق الحالي المعروف، فغالبيتها ولا يصدقها المواطن لكذبها الواضح ولأنها لاتغطي حقيقة انجاز بأفتتاح مشروع، وتتم دون مراجعة أولية تأكيدية متأنية لما تم تحقيقه.

لاأعرف تماما ما يجنيه شعب العراق مما صدر لحد اليوم من نخبة دولة البيانات والإعلانات التي ماإنفكت تعكس 80 الى 90 بالمئة " تشوهات وتصورات ووعود" تطلق في الإعلام العربي والدولي، وتعرض عاهات وتهاجم بعضها البعض وبالحديث عن تخرصات من قال، وماذا قال، ومتى وأين وكيف قال، التي توصل بنا الى طريق مسدود وترسخ الجهل الاجتماعي ولايجني منها الشعب أي ثمر.

&فمثلاً، المكاتب الإعلامية للرئيس العراقي ونوابه الثلاث النجيفي والمالكي وعلاوي ومكاتب إعلامية لرئيس الوزراء العبادي ورئيس الأقليم البارزاني والممثلون لنشاطاتهم، تتبادل التهم والاشارات بأنهم كانوا وراء سقوط الموصل بيد داعش. واخرون يتهمون ايران وتركيا والسعودية وقيادات البعث بأنهم كانوا وراء سقوط الموصل بيد داعش. ومن جانبه، يحذر أياد علاوي من تزايد النفوذ الإيراني في العراق وأن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تقود القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في مناقضة صريحة لرئيس الحكومة واشادته بالحكومة الأيرانية ودعمها. بينما ينقل المكتب الاعلامي لرئيس مجلس النواب الجبوري بين الحين والحين أخباراً للصحافة عن (( طلبه الشخصي من الأمريكيين تسليح ابناء العشائر في المحافظات التي احتلها التنظيم المتطرف وبيانه أن العشائر على أهبة الاستعداد لتحرير محافظاتهم لو حصلوا عليه، وأن ما يعوزهم هو التسليح والتدريب الكافي لتحرير الموصل والأنبار، ويعتقد أنه امر على المجتمع الدولي الالتفات له)). أما مشعان الجبوري فقد نقلَ عنه مكتبه الاعلامي إتهامه الجميع بأنهم وراء سقوط الموصل وتكريت والرمادي بالاضافة الى اشارته لسرقة أموال الدولة في محافظة صلاح الدين. لذا نستطيع القول أن نخبة الساسة فقدوا رونقهم الاعلامي وتركوا جمال الغابة " العراق" وأكتفوا بسقي الشجرة من مكاتبهم الخاصة.&

نفاذ الصبر العراقيين من سياسة المحاور وتهدئة الجبهات القتالية بالبيانات العسكرية هي طامة أخرى، وبتعداد عدد المرات التي حرّرت فيه مكاتب الإعلام التابعة لهذه النخب، محافظات ومدن واقضية وسدود مغتصبة منذ حزيران عام 2014، فأنك تستطيع كمتابع، تقييم حقيقة العمل العسكري من عدمه. و نية العمل من عدمه، وتنفيذ العمل وإنجازه من عدمه، وكيف تدار الدولة من مكاتب اعلامية غوغائية غرضها لايتجاوز جذب المشاعر وتهدئة الجبهات والتأييد الشعبي لحضرته وسيادته وفخامته وسعادته قائد النخبة. وتستطيع أن تستطلعها في كل بيان يصدر من مكتبه.

وحالياً، وفي لعبة الأنتظار الجديدة، تلجأ مكاتب النخب الأعلامية الى تبرير أسباب تأخر الاعمال العمرانية والصحية والبيئية والأنتاجية والعسكرية الميدانية. وتعزو بطء التحرك لتحرير الأرض التي سُلبت والتلكؤ في إسترجاعها، الى إخفاقات ادارية في أمور التسليح والتدريب وضعف التحالف، وإستمرار المفاوضات والعروض المقدمة الى أدارات حكومية والمشاركة في عطاءات شركات منافسة للتجهيز والنصب ولايعطي ويوفر ميزة نموذجية ذات مستوى تقني عالمي، الأمر الذي يصعب على المؤسسات المسؤولة توقيعها مع دول صديقة لحين تبيان أي الطريق اضمن لسلامة العقود من الغش والتلاعب ولسلامة شعب العراق الذي مازال ينتظر قرار الطريق الجديد الأصلح بعد نزوح الملايين من سكانه الى دول خارجية.

ولايستطيع أي مدرك للأحداث الخروج بأستنتاج صائب للفكر العسكري العراقي. فقد صدرت تلميحات نيابية " خاطئة جملة وتفصيلاً" أطلقها على الملأ نواب لاخبرة له في حقل الأمن والدفاع وتحدثوا فيها عن قرب قيام الولايات المتحدة تسليم طائرات أشتراها العراق وقولهم بأن (("الشروط التي وضعتها الحكومة الأمريكية تعجيزية اذ لا يمكن ان تكون قاعدة الطائرات خارج الأراضي العراقية)). جاء ذلك بعد أقترح العديد من الخبراء والمستشارين أنه من الأفضل وضع عدد من طائرات ف-16 في قاعدة أردنية قريبة من الحدود العراقية.

ومن المحزن حقاً أن أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع العراقية لايميز بين " شروط التسليم" وإقرار اقتراح موقع استراتيجي مناسب للتسليم الأفضل وإدارة مهمات الطائرات والطيارين. كانت هناك أقتراحات عسكرية تكتيكية صائبة كي يكون عمل طائرات ف – 16 الأمريكية من قاعدة جوية في الأردن قريبة من مسرح العمليات وتدار من قيادة عسكرية عراقية أردنية فنية مشتركة لنجاح وإدامة عملياتها وفعاليتها بدلاً من سوء القرار الأستراتيجي السياسي العراقي المصرح به للإعلام.

كيف نستطيع أن نرضي ونقنع نخبة دولة المكاتب الإعلامية بأن إسهاماتهم لا تُعبّر عن فكر العراق ومستقبل أجياله؟ ومعارضتنا لطريقتهم إدارة دفة البلاد سبّبَ تمزقاً واضحاً أشارت له الدول الأجنبية قبل العراقية بفقر العقول وإستخفافها بقيمة الأنسان وسوء الخبرة والأدارة وفوضى الأستراتيجية العسكرية وإتجاهها الخاطئ بأصدار بيانات نص رسالتها "أن العراق يقاتل نيابة عن العالم كله" وهو الغباء المفرط والجهل الكامل وإلأستخفاف بالأنسان العراقي وقتله بأدخاله في حلبة وحوش الأرهاب وعلى أرضه،إضافة الى إستنزاف طاقات وموارد البلاد بغباء، فلا توجد دولة تحارب عدواُ يقف على أبواب عاصمتها دون حليف و تضحي بشبابها بمثل هذا التهور والأمية. أني أفضلُ الدولة التي تعتز بأبنائها وتعكس كالمرآة متطلباتهم وآمالهم وطموحهم وكرامتهم أولاً ولاتستثمر حياتهم بالتضحية وتبريرها.

والأفضل وجود حكومة تمتلك قرار ثابت ومدروس للتحالف الأقليمي مع الحليف الملتزم يضحي بما نضحي ونشر قوة ميدانية حقيقية لارمزية، حكومة السعي الحقيقي لتوزيع الجهد وتقليل الخسائر والأضرار في كل معركة ومراجعة سيرها، وسرعة التغيير عندما تتطلب الظروف الميدانية ذلك وبفهم معاني ومضامين التحالف الدولي في المجهود العسكري ضد الأرهاب.

&

باحث وكاتب سياسي&