استغربت من انقلاب كامل في مبتنيات وتوجهات لباحث خليجي، فبعد ان كان مدافعا عن ايران وتوجهها السياسي وتبنيها لوحدة المسلمين وقضاياهم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وكان بمناسبة ومن دون مناسبة يشيد بايران وحكوماتها ولكن بين ليلة وضحاها اصبح العدو اللدود لايران واتهمها بالكذب والنفاق وخداع المسلمين، بل ويزعم في كل مقالاته ومحاضراته ولقاءاته الأخيرة ان ايران لا هم لها سوى الترويج للتشيع ونشره وسط السنة.

من الاتهامات التي كان ولا يزال الدكتور يروجها حول ايران انها لا هم لها سوى نشر التشيع في الدول التي يؤمن أغلبيتها بالمذاهب السنية، وتحويل مدينة قم الى قطب للعالم الاسلامي بدلا من الكعبة المشرفة، ويستدل على اتهامه بكلام لمسؤول ايراني، ولكي يضفي نوعا من الصدقية والخبرة على كلامه، طالما أكد أنه كان عضوا في مؤسسة ايرانية رسمية.

ولا اكشف لكم سرا اذا قلت انني كنت من المعجبين بافكاره وطريقة طرحه واسلوبه الشيق في تناول القضايا، الأمر الذي دفعني إلى البحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الانقلاب المفاجئ والسريع للرجل، وخلال عملية البحث عن هذه الاسباب وجدت ضالتي، فقد نشر موقع يوتيوب مقطعا لمحاضرة يلقيها الدكتور وحذر فيها من تحول منطقة في دولة خليجية الى سنغافورة ثانية، وتطرق في محاضرته الى قصة فصل سنغافورة عن ماليزيا.

وأوضح بأن مدبري فصل سنغافورة بدأوا بتشجيع سكان بعض الدول الى الهجرة الى سنغافورة والعمل فيها ولما زاد عدد الوافدين عن السكان الأصليين طالبوا بالانفصال باعتبار أن قوميتهم وثقافتهم ودينهم يختلف عن ماليزيا ومن حقهم الانفصال، وحظيت مطالبهم بدعم دولي جاء أساسا من الذين دبروا عملية الانفصال، وفي نهاية المطاف اقتطعت سنغافورة عن ماليزيا.

لذلك وجه الدكتور كلامه للمسؤولين في تلك الدولة الخليجية وحذرهم من مؤامرة تحاك ضدهم عبر زج مئات الآلاف من الاسيويين الى تلك المنطقة، منبها الى أن نسبة السكان الاصليين في تلك الدولة لا يعد شيئا مقابل الوافدين، مما يمهد الأرضية الخصبة لمطالبة الوافدين بحق الانفصال.

واضح أن الضغوط والتهديدات التي تلقاها من تلك الدولة هي السبب الرئيسي وراء الانقلاب الذي حدث لدى الدكتور، لأن الهجوم على ايران بدأ مباشرة بعد التحذير من سنغافورة جديدة، ويبدو أن الضغوط والتهديدات كانت كبيرة جدا بحيث لم يكن الثمن مقابلها تكذيب تحذيراته وانما الهجوم على ايران، خاصة وان الدكتور يميل للاخوان المسلمين ان لم يكن أحد قياداتهم في بلده مما ضاعف الضغوط عليه وحصرته في زاوية حرجة.

سردت هذه القصة ليس للتسلية وانما للتأكيد على أن أغلب الذين يهاجمون ايران ويتهمونها بالترويج للطائفية انما ينفذون مشروعا مرسوماً ومطلوب من بعض المفكرين والمثقفين تنفيذه وتطبيقه بحذافيره، السؤال المطروح لماذا يطلب الصغار تنفيذ هذا المخطط؟ على الرغم من أننا لم نشهد اعتداءا أو تهديدا ايرانيا لهم؟

الكبار يعتبرون وجود النظام الايراني يشكل خطرا على مصالحهم ويفشل خططهم ومؤامراتهم على دول المنطقة ولا سبيل لاحباط التحركات الايرانية وحسر نفوذها وتأثيرها الا بشيطنتها وتشويه صورتها في المنطقة والعالم لذلك أوعزوا للصغار بتنفيذ هذا المخطط، لو كانت ايران تريد نشر التشيع وسط السنة لفعلت ذلك وسط السنة الايرانيين وأجبرتهم على الايمان بالتشيع خاصة وأن السنة يقطنون في اغلب المناطق الحدودية لايران.

النظام الايراني يعتقد أن الحدود الايرانية التي يقطنها السنة ستتحول الى ثغرة واسعة لا يسدها شيء اذا صادر حقوقهم وقام بظلمهم واضطهادهم، وستكبر هذه الثغرة اذا أرغمهم على اعتناق التشيع، بينما سيتحولون الى قلعة حصينة أمام تسلل ونفوذ الاعداء اذا تعامل معهم كما يتعامل مع سائر الايرانيين.

البعض يتشدق بأن الحكومة الايرانية لا تسمح للسنة باقامة المساجد في مناطقهم، وهذا كذب وافتراء، فقد زرت مدينة مشهد وهي أحدى المدن المقدسة للشيعة لوجود مرقد الامام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام فيها والأغلبية المطلقة لسكان المدينة من الشيعة، وذهبت بنفسي يوم الجمعة الى منطقة تقطنها أغلبية سنية في أطراف المدينة ورأيت أنهم تجمعوا وأقاموا صلاة الجمعة في مسجدهم، وقبل ذلك التقيت بامام المسجد.

الحكومات الايرانية المتعاقبة طالما أغلقت صحف ومجلات لمجرد أنها اساءت قومية أو طائفة دينية ايرانية، ومنذ تأسيس الجمهورية الاسلامية وحتى اليوم فان مرشحي السنة يمثلون مناطقهم في البرلمان الايراني، كما أن كافة الرؤساء الايرانيين لديهم نوابا من أهالي السنة، وفي الوقت الذي تمد فيه طهران يدها للسنة المعتدلين والمقاومين لمشروع الهيمنة الغربي، فانها تعارض الجماعات الشيعية التي تكيل السباب والشتائم للسنة ولرموزهم، وسأروي لكم في مقال لاحق قصة ايران مع قناتي فدك وأهل البيت.