ترددت انباء عديدة عن انخراط شباب كورد من العراق وتركيا، في المنظومات الاسلامية الإرهابية وخاصة تنظيم داعش او الدولة الإسلامية. وسبق هذا الصراع المسلح والدامي بين مختلف الأطراف الكوردية، مع فسح المجال للجوار الإقليمي للتدخل وتحقيق مصالح انية او بعيدة المدى على حساب القضية الكوردية، ولعل الصراع الدامي الذي اندلع بين اليكتي (الاتحاد الوطني الكوردستاني- العراق) وبين البارتي (الحزب الديمقراطي الكوردستاني- العراق) في منتصف التسعينيات القرن الماضي خير مثال على ذلك، مما ولد انقسام الإقليم على الأقل إداريا وامنيا الى قسمين، وخسارة تجربة كان يمكن ان تكون غنية عن بناء الدولة.

ولو رجعنا ابعد لوجدنا الكورد ينقسمون ليس على أساس اختلاف الرؤى في الحركة القومية، بل على أساس الصراع العشائري الدائر وان كان مبنيا على ما حدث في زمن ماضي ابعد وليس على أساس مصالح العشيرة. فالعشيرة بمفهومها تنظيم ادار واقتصادي تم تجاوزها في اغلب المناطق، والباقي منها علاقات مهترئة ولكنها رغم ذلك تلعب دورا في خلق التعصب والانحياز في المواقف السياسية، وهنا تلعب مواقف رئاسة العشيرة والتي هي بالغالب متوارثة دوار في تحديد التوجه السياسي لابناء العشيرة، ومن ثم يأتي بناء أسباب أخرى لاضفاء دور عصري ومدني على مواقف رئيس العشيرة.

لقد كان للموقف الأمريكي خصوصا في إدارة كلنتون الدور الكبير في تمكن الفرقاء الكورد من تجاوز حالة الصراع المسلح وتحقيق نوع من العمل المشترك، والضغط على تركيا لفتح الحدود امام المنطقة للتواصل مع العالم، ظهرت اثاره في استقرار إقليم كوردستان وتطوره الاقتصادي قياسا ببقية مناطق العراق. الا ان اثار الصراع بقت ضامر، ولم تقم إدارة الإقليم ( الجهاز المسير للإقليم) باي خطوات جدية وحقيقية لخلق اندماج على أساس القومي او الوطني بين أبناء الإقليم، وهذا عائد في الغالب لاسباب سياسية انية بحتة،كون الجهاز الإداري أيضا حزبيا ولم يكن وطنيا . فكل طرف من طرفي الصراع وان كان الان صراع ثلاثي، قد كبل نفسه بالتزامات معينة معلنة او غير معلنة، لكي لا يخسر حلفاء يمكن ان ينحازوا له في حالة تجدد الصراع.

في جلسة وعلى مستوى عال حضرتها، بعد العمل الإرهابي في 11 أيلول عام 2001، لاحظت الفرح وروح الشماتة التي كان الإسلاميين وبعض المتعاطفين معهم يظهروها تجاه ما أصاب اميركا، ولم تكن قد مرت عشر سنوات على الموقف الانقاذي الذي وقفته أميركا من الكورد ابان حركة النزوح الكبيرة بعد حرب الكويت، ولم تكن قد مرت خمسة سنوات على ما قامت به الإدارة الامريكية من ضغوط لتحقيق وحدة قرار كوردي، وإيقاف النزيف الدموي حينها بين الأطراف المتصارعة. لقد كانت روح التشفي والضغينة واضحة حينما حاول الكثيرين ترديد اللازمة العروبية والاسلاموية من ان اميركا تلقى جزاءها جراء موقفها مع القضية الفلسطينية.

لقد اضطرت قيادات سياسية كوردية للتنازل كثيرا امام التيارات الإسلامية، فقط للحفاظ على حلقة حلفاءها قوية، ولكن لكون التيارات الاسلاموية، حركات أيديولوجية عابرة للقوميات، وترى ان قوتها ووجودها هو في الإسلام وقيام الدولة الإسلامية، معتمدة على كذبة ان الكورد كانوا في وضع افضل في ظل الدولة الإسلامية وخصوصا العثمانية. ولم تجد النخب التركية العلمانية افضل من ربط الكورد بالتوجهات الدينية، ودعم هذا التوجه ماديا (مثال حزب الله الكوردي) الذي دعم لمحاربة حزب العمال الكوردستاني. حزب الله الكوردي الذي ترك امامه مجالا واسعا في محاربة الأقليات الدينية والضعط عليها لكي تترك مناطقها ومساكنها، بحجة مساندة حزب العمال الكوردستاني.

نتيجة للبنية الهشة للمجتمع الكوردي، والصراع العشائري المبني على احداث وقعت في ماضي قد يكون بعيدا جدا، تمكنت الأطراف الإقليمية من اختراق هذا المجتمع وخلق بؤر توتر دائمي تصدع القيادات الكوردية وتجعلها تتلهى بهذه البؤر عن القيام بخطوات لبناء ولو نموذج ناجح لدولة مستقبلية.

اليوم ورغم ان هناك اتفاق غير معلن بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الامريكية، على غض النظر عن التحركات الكوردية، لا بل أحيانا دعمها علنا او مواربة، الا انه ليس ببعيد ان يتم استغلال الكورد ونتيجة للصراعات الداخلية ونتيجة لقدرة الأطراف الاقليمة للتدخل في المجتمع الكوردي، فقط لفرك اذان تركيا وجعلها ترضخ لتحقيق إصلاحات اكثر جذرية، مع ترك الكورد في حالة انقسام لفترة أخرى قد تطول. ان الدول الكبرى أيضا تساعد من يحاول مساعدة ذاته، ولن تحارب دوما عنه، فالاول لديها مصالحها.&