بينما تُشغل دول مجلس التعاون الخليجي بأحداث الحرب الموضعية التي فرضتها العوامل الجيوسياسية في المنطقة "ورغبة بعض الأطراف الدولية خارج نطاق مجلس التعاون في إدامتها" والدائرة بين قوى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والميليشيات الخارجة عن الشرعية اليمنية مبتسرة بجماعة الحوثي في اليمن والتي لا تشكل الأخيرة في ماهيتها العريضة إلا رأس حربة إعلامي وغطاء لمن يقود الحرب الفعلية في الداخل اليمني في غالبه والمتمثل بوحدات الجيش اليمني الرسمي السابق التابعة للرئيس اليمني المعزول علي عبدالله صالح والقبائل المتحالفة معه.(1)

تتشكل أهم بوادر وملامح السياسية الغربية في الجانب الشمالي من شبه الجزيرة العربية وتحديداً في الشريط الشمالي لسوريا المحاذي لجنوب تركيا والمناطق الواقعة أسفله, ولا يعدوا الأمر إلا كونه استغلالا لإفرازات مخطط ما سمي بالربيع العربي في المنطقة العربية !

بعد تهيئة العراق للانقسام والتقسيم العرقي والطائفي (عرب وكورد وسنة وشيعة) إلا أنه لم يُستعجل بفرز حاضنتها الجغرافية كحدود مرسمة ومعترف بها دولياً الى حين تكامل العطاءات الزمنية وتواترها مع ظروف المنطقة سياسياً وبالأخص الظروف العسكرية والسياسية بدولة الجوار سوريا.

بيدق تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يعتبر اللاعب الرئيسي والقاسم المشترك في محور العراق/ سوريا , فبعد سيطرته على ما يقارب ثلث مساحة العراق (الموصل ورقعة شاسعة من محافظة الانبار), تمدد باتجاه ثلث مساحة سوريا ( محافظة الرقة- إجزاء من محافظات دير الزور وحلب وادلب والحسكة ) وبمحاذاة لدرعا ودمشق, وكر وفر في منطقة عين العرب وتل ابيض وعين عيسى شمال محافظة الرقة "والمناطق الثلاثة السالفة الذكر سقطت من قبضته مؤخرا بواسطة مقاتلين اكراد وعرب.

هذا التمدد يعني بالمنطوق العسكري اللوجستي كسر للحدود الدولية واحتمالية إعادة تشكيلها من جديد. إلا ان السؤال الأهم يبقى من المستفيد النهائي لمثل هذه الخطوة استراتيجيا وماذا سينتج عنها مستقبلاً؟!.

الدور البارز لقوات وحدات حماية الشعب الكوردي (YPG)(2) في القتال الدائر بسوريا ومساهمتها بدور فاعل على الأرض "مدعومة بالضربات الجوية من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية" وذلك باستعادة منطقة عين العرب "كوباني" و تل أبيض وعين عيسى وأجزاء من قرى شمال محافظة الحسكة من مقاتلي تنظيم داعش خلاف انتشارها في مناطق على طول الشريط الحدودي المحاذي لجنوب تركيا شرقاً باتجاه كوردستان العراق غرباً (رأس العين - عامودا- شمال القامشلي – الدرباسية - القحطانية – الجوادية – المالكية - تل تمر).أعطى أهمية واضحة لهذه القوات دولياً !

والتساؤل الأبرز في هذا المحور ماهي المكافأة الدولية التي ستحصل عليها قوات الـ (YPG) وحزبها السياسي الذي تتبعه الـ (PYD) نظير أعمالهم تلك, خصوصا وانه عرف عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي (PYD) بمطالباته السياسية السابقة بحكم ذاتي كإقليم كوردستاني مستقل في سوريا؟! وهو ما تعارضه تركيا منذ الأزل خوفا من "أنه مع مرور الوقت" قد تشكل دولة كوردية جنوب حدودها وقد تطال هذه المطالبات أكرادها لاحقا.(3) وضمن هذا السياق لازالت الحكومة التركية تمتنع عن تقديم المساعدة للقوات الكوردية في قتالها ضد تنظيم داعش.

"يرى بعض المراقبين أن تقدم قوات حماية الشعب الكوردي في كثير من الأرضي السورية حتى تلك التي لا يشكل فيها الكورد الغالبية العظمى في بداية الثورة السورية إنما اتى ذلك من خلال تقاطع مصالح مع النظام السوري الذي أفسح المجال لهم للتقدم في المناطق التي ينسحب منها وتركها لهم ليتفرغ للمناطق الأخرى التي اندلعت بها الثورة للتو, كما أن هناك بعض الاتهامات الأخرى التي طالت تلك القوات بقيامها بعمليات تهجير عرقية اتجاه العرب السنة والتركمان في المناطق السورية التي دخلتها مؤخرا (وهذا الأمر محل اهتمام البنتاجون حالياً !) , وأن تلك الأحزاب الكوردية في غالبها إنما تعمل لمصلحة أجندتها الخاصة دون مصلحة الشعب الكوردي وقضاياه القومية وربما وقعت وأوقعت شعبها في نهاية المطاف فريسة لمخططات الأخرين".

حلم إقامة الدولة الكوردية(4)الممتدة من اقليم كوردستان العراق شرقا نحو الشريط الحدودي السوري/التركي باتجاه الساحل السوري غربا يبقى حلماً قائما ليس من المستبعد تحققه في ظل مخطط محاولة إعادة هيكلة المنطقة العربية ضمن فقرات برنامج ما سمي بالفوضى الخلاقة التي لازالت تعصف بالمنطقة بتواتر لا تخطئه العين !

أكثر المستفيدين لوجستياً من الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003م هو إقليم كوردستان العراق؟! ورغم حصول الإقليم على حكم ذاتي أبان فترة ترأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين للعراق إلا انه حضي باستقلاليه (سياسيه-عسكرية-جغرافية-موارد) شبة كاملة بعد سقوط النظام العراقي. ومثل هذه الخطوة هي ما يسعى الى مماهاتها الأكراد في سوريا, مختصرين تجربة إقليم كوردستان العراق من ناحية عدم وجود حكومة مركزية يتبعون لها نتيجة لحالة الانفلات والاقتتال في سوريا, ساعين لتوطيد سيطرتهم على المناطق التي يقاتلون بها على طول الشريط الحدودي التركي/السوري لتكون نواة لإقليم كوردستان الخاص بهم دون ربطهم بالدولة السورية وليحظوا بحصتهم من سوريا قبل تقسيمها..هكذا هو المؤمل والمتوقع !.

تبقى اسرائيل في مقدمة المكونات الداعمة للمشروع الكوردي في المنطقة وأكبر المستفيدين والمساندين والمنادين بانفصال الأكراد بأقاليم مستقلة ثم بدولة فيدرالية أو كونفدرالية تجمعهم مع بعض ! مثل هذه الخطوة متى ما تحققت سوف تعود بالنفع العام عليها أي على اسرائيل (سياسيا واقتصاديا وعسكريا).

سياسياً من ناحية إشاعة تغليب عنصر أحقية الأقليات بالحكم المستقل والاستفادة من الزخم السياسي المساند بالمسائل المتعلقة بالمنطقة – الاعتراف بشرعيتها وتقليص حدة النبذ والعزلة والانكماش نحو الداخل.

واقتصاديا من ناحية استغلال موارد الطاقة الكامنة "النفط" في مناطق اقليم كوردستان العراق (إمكانية مد خطوط انابيب نفط مباشرة الى الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط القريب من اسرائيل وأروبا) وكذلك تلك الواقعة تحت سيطرة نفوذ قوات حماية الشعب الكوردية (YPG) في سوريا كما في منطقة شمال محافظة الحسكة التي تضم حقول رميلان النفطية البالغ عددها 1322 بئراً للنفط و 25 بئراً للغاز, إضافة الى مصادر الطاقة في المالكية أقصى الشمال الشرقي من سوريا. خلاف استغلال الثروات الطبيعية والمعادن "كاليورانيوم" لتلك المناطق من قبل اسرائيل "وتوسعة" التبادل التجاري بينهما (فتح أسواق جديدة لتصدير السلع الإسرائيلية / العسكرية / وسائل التقنية والسيطرة /الإدارة الصناعية والزراعية) وإن كانت الأنشطة الأخيرة قائمة مع إقليم كوردستان العراق حاليا.

أما عسكريا فان ذلك سوف يشكل حزاماً توسعيا للنفوذ العسكري الإسرائيلي اتجاه تركيا وايران والعراق والمنطقة العربية ككل وبذات الوقت سيقلص من النفوذ الروسي في المنطقة.

العقل لا المنطق وقبلهم السياسة: حينما تًغيب القوانين الدولية المعلنة وتحل محلها الاستراتيجيات المخفية فتوقع حدوث الغير متوقع. فالغلبة دائماً لمصلحة الأقوى على الأرض سواء أن وصم بالإرهاب أم من عدمه فالتسميات ممكن ان تتبدل حسب المصلحة السياسية واتجاهاتها.

&

(1) مقال سابق: سوريا بوابة النهاية لفارس

(2) يمثل الـ (YPG) الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي السوري(PYD) والأخير يعتبره البعض كونه الفرع السوري لحزب العمال الكوردستاني التركي (PKK) المحظور والموضوع على قائمة الإرهاب عالميا.

(3) حقق حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بتركيا مفاجأة بفوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة وضمن دخوله للبرلمان التركي لأول مرة.

(4) كلمة كًردي يكتبها وينطقها الأكراد بالكوردي "بالواو وليس الضمة" للبعد عن المعنى المسيء لكلمة كر- دي.

كاتب في الشأن السياسي والاقتصادي

&