يعتمد الكرد في توجههم لإنشاء دولتهم القومية على نصوص معاهدة سيفر "1920"، التي نصّت على ذلك، قبل أن تُبطل مفعولها اتفاقية لوزان بعد ثلاث سنوات، حيث وزّعت أبناء هذه القومية بين تركيا وسوريا وإيران والعراق، ويبدو أن تقدم الكرد في ميادين القتال ضد الإرهاب الداعشي، خلق أجواء إيجابية تجاه طموحاتهم في المحافل الدولية، إضافة إلى أن شركات النفط الأميركية في كردستان العراق، تلعب دوراً مؤثراً في خلق جو دولي مواتٍ لتأسيس دولة كردية.
يتهم القوميون العرب الكرد بإنشاء علاقة بإسرائيل ويقولون إن اتصالاتها معهم بدأت عام 1962 أثناء انعقاد مؤتمر الاشتراكية الدولية في جنيف، حيث اجتمع شمعون بيريز مع ممثل بارزاني كمران علي بدرخان، وفي نفس العام زار كردستان رئيس الحكومة ليفي اشكول ووزير الخارجية أبا إيبان وزير المالية إرييه إلياف، مصطحباً معه وفداً من الأطباء قدَّم للكرد مستشفى ميدانياً متطوراً، ومعهم ديفيد كيمحي، وفي العام التالي زار الزعيم مصطفى بارزاني تل أبيب، حيث اجتمع برئيس الحكومة أشكول ووزراء الخارجية إيبان والدفاع موشيه دايان ومناحيم بيغن وغولدا مائير، ثم قام بزيارة ثانية عام 1973 من دون أن يحقق الهدف المطلوب لأسباب تتعلق بموقف شاه ايران الذي أدار ظهره لهذه القضية.
تضم منطقة الشرق الأوسط أربع قوميات، العربية والفارسية والتركية والكردية، والأخيرة هي الوحيدة التي بدون دولة تضم شعبها الموزع على أربع دول، صحيح ان أحوال الكرد اليوم أفضل من السابق، حيث نجح إقليم كردستان العراق في وضع أسس دولة تنتظر الإشهار، وتمكّنت البيشمركة في العراق وسوريا من صد الدواعش، وفي العراق توسعت سيطرتهم لتشمل المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، وفي سوريا تم فرض واقع جديد لامفر من أخذه بالحسبان عند بحث مستقبل سوريا، وفي تركيا نجحوا في أن يكونوا قوة مؤثرة في البرلمان نتيجة انتخابات منحتهم ثمانين نائباً، ولكن كل ذلك لايغطي طموح أبناء هذه الأمة. وليس مهما حين يحين الوقت موقف أردوغان حتى وهو يؤكد أنه لن يسمح أبداً بإنشاء دولة شمالي سوريا، وأن "كفاحه" سيستمر في هذا السبيل مهما كانت التكلفة، ويبدو مضحكاً اتهامه للرئيس الأسد بتأييد إنشاء تلك الدولة، كما تبدو مثيرة للسخرية مزاعمه بأن تركيا هي من قدم يد المساعدة لسكان (كوباني) لدى هجوم التنظيم عليها، وكأن عقولنا قاصرة عن فهم ما يدور من أحداث، ويمضى أردوغان المهزوم في الانتخابات الأخيرة في مزاعمه، القائلة إن جهود كافة الأطراف المعادية لتركيا تهدف إلى توجيه الرأي العام الداخلي، وشحنه ضد البلاد "إقرأ هنا ضده شخصياً"، بهدف تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة، من خلال إرغام تركيا على البقاء خارج الأحداث، ولن يكون مهماً أيضاً موقف إيران الذي عبر عنه الفير الإيراني في أنقره معلناً& أنّ على تركيا وإيران التعاون والتنسيق فيما بينهما من أجل منع إقامة دولة كردية في الشمال السوري، لإحلال الامن والاستقرار في سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها.
&
عاش الكرد في هذا الجزء من العالم منذ آلاف السنين، و كانت لهم إسهاماتهم في حضارة المنطقة، على عكس الأتراك العثمانيين، الذين جاءوا غزاة من آسيا الوسطى، حيث كانوا يعيشون حياة بدائية، وأسسوا دولتهم بقوة السلاح في القرن الثالث عشر، ولم يضيفوا أي شيء ثقافي للحضارة الإسلامية، وشوهوا بتصرفاتهم صورة الإسلام في أوروبا لعدة قرون. وعندما قسّمت القوتان الاستعماريتان، بريطانيا وفرنسا، تركة "رجل أوروبا المريض" في آسيا العربية، حسب مخطط واتفاق سايكس - بيكو بعد الحرب العظمى، وخلقت كيانات في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن، لم تعتبرا الكرد أمة، فتركوهم بدون كيان لهم يسمونه وطن، وكان هذا من صالح الدول الأربع حيث يتركز الكرد، الذين استمرت محاولاتهم للاستقلال، أو على الأقل للحصول على الحكم الذاتي، في إيران والعراق وتركيا وسوريا، ونتيجة للتعصب والشوفينية العربية والفارسية والتركية، لم تعامل أي من هذه الدول الكرد معاملة حسنة، ولم تلب طموحاتهم المشروعة، وظل هدفها جميعاً سحق أية حركة نهوض وتحرر كردية، فقد حرمت تركيا الأكراد من استعمال لغتهم في التعليم حتى وقت قريب، وكان أردوغان يأمل قبل الانتخابات الأخيرة، أن لا يتمكن الحزب الكردي الرئيسي من شق طريقه إلى البرلمان، ولكن الكرد خيبوا أمله، وحصل الحزب على 13 بالمائة من الأصوات، وتأهل لدخول البرلمان، بديهي أنه لولا سيادة العقلية الشوفينية، كان بإمكان جميع هذه الدول استيعاب المواطنين الكرد كجزء فعال منها، كما يحصل في أكثر من دولة في عالمنا اليوم.
في سوريا حيث يتقدم الكرد عسكرياً في الجبهات كافة، ولطمأنة شركائهم من القوميات الأخرى، يجري الإعداد حالياً لعقد مؤتمرات تجمعهم مع أطياف من المعارضة السورية، بهدف بناء منظومة عمل سياسي جديدة، بعد ما اعتبروه فشلا في المؤسسات التي تمثل المعارضة السورية، مثل الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطني في مساعدتهم، في ظل العداء الذي يبديه بعض قادة المعارضة لمشروع الحقوق الكردية، خصوصاً وأن الدولة السورية من وجهة نظرهم باتت دولة فاشلة، فيما تحولت المعارضة إلى مجرد منفذ لأجندات خارجية، بينما بعض الكرد يطالبون بمشروع سياسي كردي وطني، يجمع شملهم ويعيد صلتهم مع الدولة السورية، وفق نظام سياسي ضامن لحقوقهم باعتبارهم قومية سورية مميزة لغويا وسياسيا، إذ لا يمكن لأي مشروع دولة مستقبلي أن يكون عادلاً و منصفاً، ما لم يضمن جميع الحقوق السياسية والقومية والثقافية للكرد، على أساس الشراكة الحقيقية بالوطن، وباعتبار أن تحقيق هذا المشروع هو النواة الحقيقية لضمان وحدة وسيادة اراضٍ سوريا، قلنا بعض الكرد بينما البعض الآخر يرى أن الفرصة سانحة لإعلان قيام إقليم كردي يكون نواة لخطوة توحيدية مع كردستان العراق، على طريق بناء الدولة القومية التي تضم أبناء هذه الأمة الممزقه.
لم يكن أمام الشباب الكردي غير الانضمام الى الحراك الشعبي في سوريا، بهدف تحصيل بعض مطالبهم المشروعة، غير أن النظام لجأ إلى خطة إبعاد الأقليات "الكرد والعلويين والمسيحيين" عن الحراك، باعتبار أنه يحميهم من المتطرفين السنة، وبالتزامن مع ذلك تمت تصفية عدد من الناشطين الكرد، انحازوا إلى "الثورة"، وبموازاة ذلك عملت الشوفينية القومية فعلها عند العديد من قادة المعارضة المشبعين بطروحات البعث، ومن هنا برزت الأصوات الناعقة حول ما سُمي التطهير العرقي في منطقة تل أبيض، بعد تمكّن الكرد المتحالفين مع الجيش الحر، والمدعومين من طيران التحالف الدولي، من كنس الدواعش من المنطقة، والتهويل بأن ذلك يأتي تمهيداً لتقسيم سوريا، "وكأنها غير مقسمة"، وإنشاء دولة كردية، ويتجاهل هؤلاء أن إقليم كردستان العراق لم يهجر العرب القاطنين فيه، وعلاوة على ذلك استقبل مئات الألوف من المهجرين العرب عراقيين وسوريين وأمن لهم المأوى.

.. يتبع

&