&
المقصود بالاستفتاء الشعبي من الناحية الاصطلاحية، هو عرض موضوع معين - أثار او يثير جدلا شعبيا بين القبول والرفض – على الشعب ليقول رأيه فيه. وعليه يعد الاستفتاء الشعبي مظهر من اهم مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، إذ تتجلى مشاركة الشعب في شؤون الحكم بصورة واضحة في هذا المظهر. كما ان لهذا النظام اهمية حقيقية لدى افراد الشعب، كونه يشعرهم بأهمية دورهم في رسم المنهج السياسي لدولتهم.
كما انه يعد الدافع الاساسي الذي يسهم في تنمية قدرات وكفاءات المواطنين، لأنه يتطلب ان يكون افراد الشعب المستفتي قد وصل الى درجة عالية من الوعي السياسي، إذ ان اي استفتاء لا يمكن ان يحقق الغرض الرئيسي له إلا بقيامه في جو ديمقراطي. كما ان القيمة الحقيقية للاستفتاء لا تظهر جليا إلا حين يفهم بوضوح كل من يدلي بصوته الهدف من موضوع الاستفتاء حتى يستطيع ان يقرر الرفض او القبول. اما اذا وافق المواطنين او رفضوا من دون معرفة تامة بالموضوع، فإن ذلك يؤكد على ان هذا الإجراء يمثل مظهرا بلا جوهر، ولا فائدة ترجى منه بل هو مجرد إضفاء صفة الشرعية على ذلك الموضوع.
وفي هذه العجالة سنذكر بعض الاستفتاءات التي جرت حديثا في بعض الدول الأوروبية:
في يوم الخميس، 18 سبتمبر 2014م، جرى إستفتاء في اسكتلندا حول بقاءها او انفصالها عن المملكة المتحدة (بريطانيا)، حيث صوت اكثر من 55% من الاسكتلنديين على البقاء ضمن المملكة المتحدة. وبهذه النتيجة إستمرت اسكتلندا ضمن الاتحاد الذي جمعها مع بريطانيا لأكثر من 300 عام، مقابل حصول البرلمان الاسكتلندي على صلاحيات اوسع خاصة فيما يتصل بالضرائب والانفاق العام. هذا الاستفتاء مكن الحكومة البريطانية من إحتواء نزعة الانفصال لدى الاسكتلنديين عبر عملية سياسية ديمقراطية.
وفي اليونان، جرى استفتاء يوم الاحد، 5 يوليو 2015م، حول الخطة الدولية لإنقاذ اليونان من ازمتها المالية، وقد رفض الناخبون – البالغ عددهم اكثر من تسعة ملايين شخص – الخطة بنسبة 61.21%، بينما ايدها 38.74%. وكان الاستفتاء حول خطة اصلاحات اقتصادية اقترحتها الجهات الدائنة لليونان، وهي الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي. تشترط خطة الاصلاحات على الحكومة اليونانية تبني اصلاحات وتدابير جديدة للتوفير والتقشف، لكن حكومة أثينا رفضت تلك الخطة لصعوبة آثارها الاجتماعية، حيث انخفض متوسط دخل الفرد بأكثر من ثلاثة آلاف يورو، وارتفعت نسبة البطالة حوالي أربعة اضعاف لتصل الى 27.5% في عام 2013م.
جاء الاستفتاء المذكور بعد خمسة اشهر من المباحثات بين الجهات الدائنة والحكومة اليونانية الجديدة التي شكلها في نهاية شهر يناير 2015م حزب سيريزا اليساري بزعامة "ألكسيس تسييراس" مع حزب اليونانيون المستقلون اليميني. وجاء الرفض من قبل الفئة الشابة التي رأت في الخطة التي طرحتها الجهات الدائنة بمثابة هيمنة أوروبية على بلادهم.
ومؤخرا هدد رئيس الورزاء البريطاني "ديفيد كاميرون" بإنسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي ما لم تمنح بريطانيا هامشا من الحرية في تطبيق القواعد المصرفية والسوقية. وفي اجتماع قمة للإتحاد الأوروبي إستمر ليومين، تم خلالها الموافقة على مطالب بريطانيا المتعلقة بشروط الهجرة والسيادة والحوكمة الاقتصادية والقدرة التنافسية، أعلن بعدها "ديفيد كاميرون" يوم 23 يونيو القادم موعدا لإجراء الإستفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي بـ "نعم" او "لا".
في الدول الديمقراطية الحقيقية التي تحترم شعوبها، لا تجرأ حكومات هذه الدول على اتخاذ قرارات فردية حول المواضيع التي تمس حياة المواطنين أو تمس بمستقبل وأمن البلاد، وكثيرا ما تجرى الاستفتاءات حول هذه المواضيع ويكون القرار بشأنها للأغلبية.
اما في العالم الثالث (والذي من ضمنه العالم العربي)، فمن النادر ان تسمع عن إجراء إستفتاء حول موضوع معين، وإن تم مثل هذا الاستفتاء فالنتيجة محسومة لصالح النظام الحاكم. لا زلت أتذكر الاستفتاء الذي جرى في احدى الدول العربية بداية الألفية الثالثة، حيث كان موضوع الاستفتاء يتعلق بالمستقبل السياسي لهذا البلد، وقد صوت المواطنون لصالح الموضوع بنسبة عالية تجاوزت الـ 80%.&
وعندما بدأ التنفيذ او التطبيق الفعلي للموضوع المستفتى عليه، تفاجأ المواطنون ان السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي من المفروض ان تكون مستقلة عن بعضها البعض – كما في الديمقراطيات العريقة - اصبحت متركزة في يد السلطة الحاكمة. السبب كان الغموض وعدم الوضوح المتعمد ين في مسودة الموضوع المستفتى بشأنه، وكذلك ضعف مستوى الوعي السياسي لدى الشعب، رغم تحذير بعض الأشخاص الذين يتمتمعون بوعي سياسي عالي، حيث طالبوا السلطة الحاكمة بتوضيح الغموض المرتبط ببعض المواد الرئيسية والمهمة، ولكن لم يكن هناك من مجيب.&
آخر الكلام: لعل تجربة اسكتلندا يمكن ان تكون مفيدة لبعض الحكومات العربية، عند بحث مطالبة البعض في منطقتنا بالانفصال، مثل أكراد العراق، والحراك الجنوبي في اليمن.
&