&

برغم من الخلاف الحاد بين تركيا و إيران حول سوريا، إلا أنه لم يتحول إلى حرب إعلامية، و إتهامات علنية متبادلة، و لم يلقِ بظلاله على العلاقات الإقتصادية بين البلدين. و كان ثمة إعتقاد دائم بضرورة تحييد الخلافات السياسية عن المبادلات التجارية. و للعلم، كانت تركيا من الأكثر الدول تأييداً للإتفاق النووي بين إيران و المجتمع الدولي، بهدف رفع سقف المبادلات التجارية بين البلدين إلى ثلاثين مليار دولار في العام.&
و مع ذلك، فإن تحسين مستوى العلاقات الإقتصادية بين البلدين، لأهميته، لا يشكل السبب الوحيد لزيارة رئيس الوزراء التركي، أحمد دواود أوغلو، الأخيرة إلى طهران، و إنما هنالك ما يمكن إعتباره الهاجس الأكبر و الأخطر بالنسبة لتركيا، ألا و هو الملف الكردي، الذي تتخوف منه تركيا أيما خوف. و ذلك، بعد أن بات حزب «الإتحاد الديمقراطي» الكردي، الذي تعتبره تركيا فرعاً سورياً من «حزب العمال الكردستاني» و منفذاً لسياساته، يسيطر على أغلب مناطق الشمال السوري، الأمر الذي اعتبرته تهديداً لمصالحها و مخططاتها في سوريا، و لأمنها القومي أيضاً. و هو ما دأبت تركيا على التحذير منه، و أبدت إستعدادها للتدخل في سوريا، بذريعة محاربة تنظيم« داعش» إلا أن الهدف كان الحد من قوة «الإتحاد الديمقراطي» و ضرب مكتسباته العسكرية و الإدارية في مناطق «الإدارة الذاتية» الكردية في شمالي سوريا، أو ما تسمى « روز أفا»&
تركيا تنظر بتوجس شديد إلى إحتمال تفاهم و تقاسم للنفوذ و المصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا حول سوريا. و تعتبر التحذيرات ألأمريكية من تقسيمها، و الإقتراحات الروسية لجعلها دولة فيدرالية، علامات إتفاق جرى خلف الكواليس بين القوتين العظمتين، يكون، بموجبه، &شمال سوريا، ذات الغالبية الكردية، و كذلك إقليم كردستان العراق، في دائرة النفوذ الأمريكي، بينما تتولى روسيا ضمان مصالحها في غرب سوريا، أو ما تسمى ب « سوريا المفيدة»، مما يعني عملياً تقسيم سوريا في نهاية المطاف. وما يزيد من قلق تركيا، أكثر، هو الإحساس، بأنها باتت، مع مرور الوقت، خارج معادلة الصراع في سوريا، بسبب التدخل الروسي المباشر لمنع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، و إستفادة الكرد من الدعم الأمريكي المباشر لمحاربة « داعش»، لتقوية نفوذهم و سيطرتهم في مناطقهم في شمالي سوريا، فضلاً عن الأجواء العدائية التي خيمت على العلاقة التركية الروسية، بعد إسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجو التركي في نوفمبر من العام الماضي.&
و عليه، يبدو أنه لم يبقَ أمام تركيا، سوى اللجوء إلى طهران، بحثاً عن إمكانية إجراء مقايضة معها بخصوص سوريا، تسمح بتعاون و تنسيق بين البلدين لمكافحة تطلعات الكرد في كل من سوريا و العراق، و قطع الطريق على مشاريع التقسيم أو الفدرلة في سوريا، رغم الشروخات العميقة التي خلفتها، آثار خمسة أعوام من الحرب في سوريا، جعلت من أية صيغة عيش مشتركة تحت حكم مركزي، مسألة في غاية الصعوبة. و كما يبدو، فإن رئيس الوزراء التركي، أحمد دواود أوغلو، لن يألو جهداً، في تذكير القيادة الإيرانية، بأن «حزب العمال الكردستاني»، الذي تخوض معه أنقرة حرباً لأكثر من ثلاثين عاماً، و سقط جراءها آلاف من القتلى، هو نفسه، الذي يدير كفة الكرد في سوريا، تحت إسم «حزب الإتحاد الديمقراطي»، و في إيران تحت إسم «حزب الحياة الحرة»، و على أن الحزب يهدف، في نهاية المطاف، إلى إقامة دولة كردية مستقلة، تضم أراضي من تركيا و إيران و سوريا و العراق، مما يستوجب، إحياء الإتفاقات و التفاهمات الأمنية بين الدول الأربع، بخصوص مكافحة التطلعات القومية الكردية. و ما ينطبق على كرد سوريا، ينطبق على كرد العراق أيضاً؛ فبرغم من العلاقات المتميزة بين أنقرة و أربيل، إلا أن تركيا لن تتردد، في بحث مسألة أحتمال قيام إقليم كردستان بإعلان الإنفصال عن العراق، و التحذير من تداعياته، باعتباره يعزز تطلعات الكرد في المنطقة عموماً، و يقربهم من تحقيق حلمهم.
في المقابل، ستطلب إيران من تركيا، تغييراً جوهرياً في موقفها من الأزمة السورية، و التوقف عن دعم المعارضة السورية، و القبول بإحتمال بقاء الرئيس السوري في الحكم، مقابل أي تنسيق و تعاون بخصوص الكرد. و &ليس مستبعداً، أن تعمد القيادة الإيرانية، أيضاً، إلى تذكير أحمد دواود أوغلو بأخطاء أنقرة في التعامل مع الأزمة السورية، و الأحداث التي إجتاحت المنطقة في أعقاب ثورات الربيع العربي، على أنه سمح بتدويل قضايا المنطقة، و خروجها من بين أيدي اللاعبين الإقليميين، لتصبح رهينة بيد الدول العظمى، تلعب بها، كيفما شاءت مصالحها، و ارتأت أهدافها. صحيح أن إيران لديها مشكلة كردية أيضاً، و لكنها لا تواجه &تحدياً كردياً في هذه المرحلة، يستدعي إستنفاراً، كما هي الحال في تركيا، كون الحركة القومية الكردية في إيران أضعف من أن تؤثر أمنياً على إستقرارها الداخلي، و &تصاعد النفوذ الكردي في سوريا و العراق لا يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي. و عليه، فإنه من المتوقع، أن تقوم القيادة الإيرانية بوضع الأتراك، في صورة السيناريوهات الممكنة، و المآلات المتوقعة من ترك الحابل على الغابر، لكل من هب و دب، للتلاعب بمصير المنطقة، على حساب الأمن و الإستقرار فيها. و هذا يعني، أن إيران سوف تحاول إبقاء الكرة في الملعب التركي، متوقعة من إنقرة، مقاربة مغايرة، و خطوات من شأنها، تخفيف الضغط على النظام السوري، كشرط مسبق لأي تعاون إيراني مع تركيا بخصوص الكرد. و لأن المعطيات تؤكد مأزقاً تركياً، على خلفية تطورات الأزمة السورية، و التنسيق المتزايد بين أمريكا و روسيا، و تراجع المعارضة المسلحة أمام قوات النظام السوري، و تصاعد قوة الكرد، سياسياً و عسكرياً، على حدودها الجنوبية، فإنه من المتوقع، أن تنصاع أنقرة للشروط الإيرانية فيما يتعلق بالنظام السوري، مقابل اي تعاون إيراني معها في أي ملف أخر.&
و عليه، إذا كان هنالك من مبرر للمخاوف الكردية من أي تقارب إيراني ـ تركي في هذه المرحلة، فهو من جهة، ذلك الخلل في موازين القوى، الذي من الممكن أن يتحول إلى سبب و مبرر لتنازلات تقدمها تركيا لإيران على حساب التطلعات القومية الكردية، سواء في سوريا أو العراق، حتى لو كان ثمنها القبول ببشار الأسد في الحكم، و التوقف عن دعم المعارضة السورية المسلحة، و من جهة أخرى، عدم إمتلاك القوى الكردية المرونة الكافية، و القدرة المطلوبة على تحييد خلافاتها و إنقساماتها، و الإتفاق، بدلاً من ذلك، على إستراتيجية قومية موحدة، لمواجهة تغييرات، قد تحدث في أي لحظة، على مشهد صراعات المنطقة، و علاقات قواها، كما هي الحال بين تركيا و إيران، اليوم.&
كاتب كردي سوري &
&