مرت وتمر البشرية مرة تلو الاخرى باشكالية التعصب وهي من اخطر الاشكاليات التي تمر بها الانسانية حيث يقوم التعصب على الاعتقاد الجازم بفكر او معتقد ما على انه حق مطلق وان الباطل ما سواه &ليقوم على بغض وكراهية الاخر والاستعلاء عليه واذلاله وعدائه وحتى قتله بالكلمة والفعل وبكل وسيلة, وله اشكال عدة اشهرها التعصب الديني والعرقي والطبقي والجنسي
&وللتعصب اسباب عدة ومعقدة منها فقدان الهوية التي للاسف يعاني منها كثير من الشباب العربي، فالهوية قضية اساسية في تكوين شخصية المرء للتعبير عن الذات والجماعة وتتمحور بسؤال اساسي هو من انا؟ فهذا التسائل يدخل الشباب مرحلة يسميها المختصون ازمة الهوية حيث تتضارب لديهم الافكار والمشاعر حول القيم والاخلاقيات والتوجهات العقائدية واللاهوتية والسياسية وماهية الجنس والحياة والمستقبل المهني والاكاديمي وغيرها مما يدور في الذهن من تصورات وتساؤلات تبحث عن اجابات مقنعة لاكتشاف هوية الأنا, فان لم يُخبر الشاب هذه الازمة ولم يصل لتلك الاجابة الملحة فانه سيصاب بالتشتت ومن ثم اليأس&
وقد ركز ايرك اركسون على الأنا كجزء مستقل في اساس السلوك الانساني, فان اخفق الفرد بتحديد هوية الانا سيعاني من التشتت, كما لم يهمل اركسون دور الانثروبولوجيا التي تُظهر دور البيئة الاجتماعية الهام في تكوين شخصية الفرد فادرك اهمية دراسة جذور الانا في البيئة الاجتماعية ودورها الثقافي, فيما توصل مارشا لتحديد اربع رتب للهوية هي التحقيق والتعليق والانغلاق والتشتت, وباختصار نشير لرتبتي الانغلاق والتشتت لعلاقتهما باتجاهات التعصب فمنغلق الهوية لايُخبر ازمة ويُظهر التزاما محددا جاهزا يُملى عليه من قبل اخرين كالاسرة, بالمعتقدات والعادات والتوجه الاكاديمي والمهني وفي الزواج ويكون مسايرا لهم ومعتمدا عليهم ولهذا يُكافئ من قبلهم مما يعزز فيه هذا التوجه غير الناضج &فهو,فالتزامه يتاتى دون اختيار فهو راضخ لاختيارات الاخر
اما مشتت الهوية فيفتقد للأزمة ولايحتاج لدور او فكر اوغاية كما يفتقد الالتزام فهو يتوافق مع المشكلة او يعطل اختيار الحلول حيث يصفه المختصون بضعف التوجه والتحليل والضبط الذاتي شاعرا بالقلق وسوء التوافق وضيق الافق والتمركز حول الذات والانزواء مما يضعف قابلية اتخاذ قرار سليم فهو عرضة للاضطرابات السلوكية الخطرة المؤدية مثلا للتعاطي والجنوح والارهاب&
ان التعصب ياتي كرد فعل ضد حالة تشتت الهوية فيُنشئ هوية ما, يلوذ بها الفاشل بمعرفة هويته,وغالبا يتخذ من التعصب هوية تمنحه شعورا بوجوده ولاريب انه قد تعرض في طفولته لظروف تنشئة سيئة للغاية
وفي خضم الصراع بين الاصالة والحداثة وما يسمى بالعولة وما تحمله من مفاهيم تكاد تحجب بقية الثقافات وتهدد الايديولوجيات اضافة لفساد الانظمة العربية اداريا وسياسيا واقتصاديا وفقدان الحريات والحقوق وصعوبة سبل العيش مما ينعكس سلبا على الفرد والاسرة من اضطراب او جهل وغياب وعي ويأس فضلا عن المجتمع المنغلق غير المتسامح وحالة التطرف الغائرة فيه, نجد تشتت فكر كثير من الشباب العربي وحيرتهم وعجزهم عن فهم ذواتهم وهوياتهم وواقعهم وعند فشلهم بايجاد هويتهم يلجؤن لاتخاذ هوايات اخرى تمنحهم شعورا واهماً بوجودهم,اغلبها هويات تعصبية عرقية او دينية او طائفية وحتى رياضية, وبعد ظهور وضمور الشعور القومي تارة والوطني تارة اخرى وامام ما ذكرناه صار كثير من الشباب العربي يتعصب لأغلب قضاياه كبيرها او صغيرها لفقدان الهوية فيتوجه بعضهم مثلا كأبرز ما يُلاحظ نحو هوية اسلامية زائفة مستصحبين في خيالهم صورا من تاريخ ظنوا انه كان رائدا بحثا او عوضاً عن الهوية المفقودة, تحت ظرف انغلاق وتشتت الهوية ووطئة تيارات تعاني اشكالية الهوية ذاتها مدعية نهجا اسلاميا مشوها بفشلهم وتعصبهم لعدم اكتشاف هوياتهم فضلا عن عمالة بعضهم وطمعه بالمال والسلطة&
ويرى هيجل "ان الانسان يرغب بنيل الاعتراف به كائنا بشرياُ &له قدره وكرامته". لذا نلاحظ ان الجهات المدعية للتدين استغلت خيبة هؤلاء الشبيبة بالحصول على ذلك الاعتراف بكيانهم وهم يعانون فشلا اسريا او اكاديميا او خلقيا واهمالا حكوميا, لتمنحهم اعترافا والقابا ومسؤليات تسد رمق بحثهم عن ذواتهم,كأن يحصل الفرد على لقب امير فيها ليصبح آمرا ناهيا فيشعر ان له وجودا وهوية معترف بها. كما ان هناك من توجه متعصبا لافكار ،الحادية او شاذة او معاكسة للتقاليد والاعراف والقيم والدين, ليس بحثا عن حقيقة او فلسفة انما خالف تعرف للفت الانظار لوجوده وهويته التي تميزه عن غيره كرد فعل لما يعانيه من اضطراب&
ولايجاد حلول تعين الشباب على ايجاد هويتهم السليمة التي تبعدهم عن الاتجاهات التعصبية لابد من ايجاد بيئة سليمة متسامحة تتقبل الفكر والرأي والنقد والاختلاف ووضع انظمة تضمن الحقوق والحريات والديمقراطية وتكرس مفهوم المواطنة عبر توفير الخدمات والرعاية وتقليل البطالة وتعويضها وتيسير التعليم ومنع وتجريم التطرف كمراكز او خطب او اعلام وبث روح السلام وتوعية وتثقيف الاسر للمساهمة في توجيه الابناء نحو جادة الصواب واعانتهم على اكتشاف الذات والهوية السليمة
&
&