&
الملاحظ أن الخطاب الإعلامي والسياسي القطري قد اتجه في الأيام الأخيرة إلى منحى مغاير لما سبق، وتحديداً الأيام الأولى التي أعقبت تنفيذ قرارات مقاطعة دولة قطر من جانب نحو عشر دول حتى الآن احتجاجاً على استمرار ارتباطها بالارهاب وتنظيماته، والتورط في تدبير مؤامرات ضد أمن بعض الدول الخليجية والعربية؛ حيث ركزت وسائل الإعلام القطرية على نشر حصاد التواصل مع منظمات غربية ترفع شعارات انسانية وعرفت بعلاقاتها المشبوهة مع قطر منذ سنوات طويلة مضت.&
خرج بعض مسؤولي هذه المنظمات المشبوهة ليتهموا الدول التي تقاطع قطر بحصارها، وأن هذا "الحصار" مخالف للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة !! وهنا يبدو من الواضح أن هناك استخفاف بالعقول وازدراء للالباب وجهل بالقانون الدولي بعد اثبتت القيادة القطرية جهلها بأبجديات السياسة؛ فالكل يدرك أن ما يفرض على النظام القطري ليس حصاراً بأي شكل من الأشكال، وكيف يكون حصاراً ولدى قطر منافذ بحرية وأجواء تتيج لها التواصل مع العالم بكل حرية! وأن ما أغلق هو حدود برية وحيدة لدولة قطر مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، التي استخدمت حق الدفاع عن النفس الذي يكفله القانون الدولي، وأغلقت حدودها البرية مع جار لا يأتيها منه سوى الأذى والضرر، فما الضير في ذلك!!
كل مافعلته الدول التي قاطعت قطر أنها استخدمت حقها في الدفاع عن نفسها ضد الخطر والتهديد ، وأغلقت اجوائها وحدودها البحرية أمام وسائل النقل القطرية، وواقعياً منع الخطوط الجوية القطرية من الهبوط في مطاراتها، فقطر لا تمتلك أساطيل بحرية تجوب البحار كي يمكن الحدث عن منعها من أن ترسو في موانىء هذه الدول.
ما تم إذن، هو مقاطعة اقتصادية بالأساس، وهي أداة مشروعة بيد الدول منحها إياها القانون الدولي، لوقف التعامل مع الدول أو الأفراد أو الهيئات والمؤسسات بهدف الضغط عليها، أو رداً على ارتكاب جرائم أو اعتداءات بحق الطرف الذي أشهر أداة المقاطعة، وقطر نفسها لها سجل كبير في الدعوة لمقاطعة سلع وبضائع العديد من الدول الغربية في فترات زمنية سابقة، سواء خلال أزمة الرسوم المسيئة للرسول (صلي الله عليه وسلم) أو غيرها، والتشهير بالدول التي لجأت إلى السلام وتطبيع العلاقات مع تل أبيب خلال الربع الأخير من القرن العشرين. والمعنى هنا أن قطر نفسها كانت تروج للمقاطعة كأداة مشروعة ضمن الأدوات التي يتيحها القانون الدولي للدول والشعوب في علاقاتها مع العالم.
&ولأن قطر تعرف هذه الحقيقة، فلم تعرف الممارسات باسمائها، بل لجأت إلى الخداع وخلط الأوراق، وزعمت أنها وقعت تحت حصار من دول الجوار!! أي حصار وطائرات الأسطول الجوي القطري تغذو ذهاباً وعودة على مدار الساعة، ولم تتأثر سوى 10% من حركة النقل الجوي كما تقول البيانات الرسمية القطرية ذاتها!!&
العالم كله، وليس القانونيين فقط، يعرفون أن المقاطعة آلية مشروعة للتعامل مع عدوان أو مصدر خطر وتهديد خارجي، أو أي عمل غير شرعي آخر ارتكب بحق دولة أو مجموعة من الدول، وهي قد تكون تدبير احترازي أو تأديبي أو وسيلة للضغط، ولكنها في مجمل الأحوال وسيلة سياسية سلمية يقرها القانون الدولي للتعامل في هذه الأحوال.
ما حدث من جانب نحو عشر دول بحق قطر هو قطع لكافة أشكال العلاقات، وهو أمر استوجب منع كافة اشكال التعامل الاقتصادي والسياسي وغير ذلك، &وبالتالي فهي مسألة مختلفة مفاهيماً، بحسب القانون الدولي، عن مفهوم الحصار، الذي يستلزم تبني تدابير قسرية &متسلسلة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص في المادة (41) على أن "لمجلس الأمن أن يقرِّر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير. ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً، وقطع العلاقات الدبلوماسية"، وينص في المادة التالية (42) على أن "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تفِ به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة"&
وهنا نص صريح على "جواز" هذه التدابير مبدئياً، وهناك سلسلة من التدابير المتتابعة التي نص عليها الفصل السابع من المادة (43) حتى المادة (51) حول تنظيم استخدام القوة العسكرية واحتفظ مجلس الأمن لنفسه بتنظيم هذه الاجراءات "إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان"، والمعنى في ذلك كله أن تدابير المقاطعة والضغوط آلية معتمدة ومقننة دولياً، ولكن مايحدث الآن ليس هو الحصار كما تنص عليه المواد من 43 حتى 51 من الفصل السابع، بل لم تلجأ الدول المتضررة لطرح المسألة على مجلس الأمن أصلاً، والجميع يذكر أن المجلس قد أشرف على فرض حصار على دول عدة منها ليبيا والعراق والسودان، ولكن دول مجلس التعاون لم تلجأ لتصعيد الأمر دولياً حرصاً على ما تبقى أواصر مع الشعب القطري الشقيق، الذي لا نرى أنه يستحق ان يعاقب بجريمة قيادته في حق الأشقاء.
دعونا نذكر عزمي بشارة، المعلم الملهم لأمير قطر وحاشيته، أنه يعرف تماماً الفارق بين مفهومي "المقاطعة" كوسيلة مشروعة دولياً، وبين "الحصار" كعمل يستلزم الخضوع لسلطة مجلس الأمن الدولي والعمل من خلاله، وبالتالي فلن تفلح محاولات خلط الأوراق لخداع العمل واستدرار العواطف والتجارة بصور مزيفة لأبناء الشعب القطري الشقيق، ويكفي ما لحق بهم من أذى معنوي جراء ربط اسم قطر بالارهاب، وتوجه العديد من دول العالم لمنع أبناء هذا الشعب الشقيق من دخولها!!
كفى عبثاً، نقولها للقيادة القطرية، فشعب قطر لا يستحق ذلك، فلتكن لديكم ذرة من شجاعة الاعتراف بالأخطاء المتراكمة والعودة للحق، فهي فضيلة رغم أنف الارهاب والارهابيين.
&
التعليقات