حال الاختلال الوظائفي والتفكك البنيوي dysfunctional للبنان أتى عليه من الطَبقة السياسية التي نهبته وتسلّطت على موارده ومستقبله، وهو الآن قد دخل خانة الخطر بسبب مباشر من إيران و"حزب الله" عنوانه سياسي واقتصادي ووبائي. نظام الرؤساء الثلاثة يضع اليوم المسؤولية على عاتق كل من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة حسان دياب، ويتطلب منهم مواجهة "حزب الله" بواقع فيروس كورونا وتداعياته المدمِّرة وكذلك بواقع الانهيار الكامل للبنان إذا استمر "حزب الله" في رفض مساعدة "صندوق النقد الدولي" IMF لإنقاذه. هذه مسؤولية أخلاقية ووظائفية تقع على عاتق الرؤساء الثلاثة. فإذا لم يُسرعوا الى التصرّف بجدّية وبدون مماطلة أو محاصصة، يجب إذن محاسبتهم محلياً ودولياً لأن تلكؤهم في أداء هذه المسؤولية يُعرّض الشعب اللبناني للخطر ويسلبه من حقوق الإنسان الأساسية. الولايات المتحدة بدأت فعلياً بتحضير ملفات فرض العقوبات الجدّيدة الموسّعة لمحاسبة حلفاء "حزب الله" والمقرّبين منه والذين يؤمنون له التغطية وذلك بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي Global Magnitsky law and sanctions. هذا القانون الذي له البُعد الأمني وبُعد حقوق الإنسان لا يُطبَّق حصراً أميركياً وإنما هو عابر للحدود حيث بوسع الإدارة الأميركية معاقبة ومحاسبة المتورّطين في انتهاكات جدّية لحقوق الإنسان أو في الفساد من خلال تجميد أموال الكيانات والأفراد ومنعهم من السفر، أو من خلال إلزام الحكومات بالتعاون – وإلا أمامها عقوبات شديدة. الرئاسات الثلاث لن تكون فوق المحاسبة الشعبية العنيفة والمصيرية إذا استمرت في استقبال الطائرات من إيران وتقاعست في إجراءات احتواء فيروس كورونا أو في اللجوء الى صندوق النقد الدولي خوفاً من "حزب الله" أو إيران بكلفة باهظة على الشعب اللبناني. السفارات الأوروبية يجب أن تتوقف عن تضليل الرئاسات الثلاث، وبالذات حكومة دياب، من خلال ديبلوماسية إعطاء الفرصة والاختبار ولغة الإيحاء وكأنها تعتزم الانفصال عن السياسة الأميركية والتفضّل بملياراتها من العملة الأوروبية في حين انها تعرف تماماً انها لن تساعد لبنان بدون الموافقة الأميركية. كفى تضليلاً في هذا الزمن العسير. ما يتطلبه إنقاذ لبنان من الوباء هو الجرأة على الوقوف في وجه "حزب الله" ومطالبته بالكشف عن مدى الاحتكاك بين صفوفه وصفوف "الحرس الثوري" و"فيلق القدس" والمستشارين الإيرانيين من قم الى ساحة القتال في سوريا الى لبنان مع الكشف عن أية إصابات قليلة أو كثيرة – وهذه مسؤولية الرؤساء الثلاثة. أما إنقاذ لبنان من الانهيار فإنه يكمن فقط في تجرّؤ حسان دياب وحكومته على تجاهل رفض "حزب الله" لـ "صندوق النقد الدولي" بخطى ثابتة. فهكذا يمكن له أن يكسب ثقة اللبنانيين ويصبح حليفاً للثورة على الفساد، وأن يحصل على الثقة الإقليمية والدولية لينفّذ شروط الإنقاذ والإصلاح. هكذا يمكن لهذه الحكومة أن تكون تاريخية تتصرّف بمسؤولية تجاه الشعب، فتنفض عنها سمعة التبعية لـ"حزب الله" وتساهم في تفكيك النظام المخّتل واستبداله بنظام المسؤولية. هكذا يمكن تجنيب لبنان الانهيار التام وتمكينه من الحصول على المعونات المالية الضرورية لمنع الانهيار. أما الاحتفاءات الغريبة على مستوى رئيس الجمهورية ببدء الحفر تنقيباً عن النفط المرجو للبنان، فإنها في غير محلها لأن مردود ثروة النفط – إذا ثبتت وإذا لم يتقاسمها أهل السلطة مُسبقاً – لن يدرّ على الناس قبل 5 سنوات على الأقل. وبالتالي، انها توريقٌ على واقع فتّاك اقتصادياً وقد يكون أيضاً فتّاكاً وبائياً.

أحسنت الحكومة اللبنانية اليافعة بلجوئها الى الاستشارة القانونية والمالية لأفضل الشركات العالمية لإعادة هيكلة الدين على كل المستويات وليس فقط على مستوى سندات "اليورو بوندز". هذا الجهد اصطدم بموقف "حزب الله" الذي عبّر عنه نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بفتوى تحريم امتثال الحكومة اللبنانية لبرامج "صندوق النقد الدولي" والاكتفاء فقط بـ "المشورة التقنية، لا أكثر ولا أقل". قال ان "حزب الله" لن يخضع "لأدوات استكبارية في علاج" الأزمة النقدية والاقتصادية، وتحدّث بلغة تحذير حكومة دياب من التجرؤ على عدم الالتزام بفتوى "حزب الله".

وفد "صندوق النقد الدولي" أتى الى لبنان لاستكشاف الوضع المهترئ بسبب فساد النظام وأهل السلطة وحلفائهم بعدما طلبت حكومة لبنان المساعدة التقنية.

دور الصندوق هو إعادة هيكلة الديون ووضع شروط واضحة تحت مراقبة شديدة وآليات وأنظمة تمنع الفساد كي يطمئن الدائنون فيقبلون بإعادة الهيكلة وكي يتمكّن الصندوق من أن يديّن الدولة ضمن برنامج دقيق أساسه الإصلاحات وإجراءات تنظيف الدولة من الفساد.

الموقف الأميركي الواضح – والأوروبي المماثل في جوهره مع سوء الإخراج – هو الاستعداد لتوفير المال للبنان إنما ضمن وعبر "صندوق النقد الدولي" وذلك لأسباب اقتصادية ومالية وإصلاحية جدّية، وكذلك لأسباب سياسية لها علاقة بسيطرة "حزب الله" على القرار في لبنان. الأميركيون والأوروبيون وكذلك الخليجيون الذين يملكون مفاتيح الأموال الإنقاذية، كلهم يريدون تطبيقاً عملياً "لحياد" لبنان مما يعني توقف "حزب الله" عن لعب دور المنفّذ للسياسات الإيرانية في الجغرافيا العربية.

فليس سرّاً – ولا أحد يتظاهر عكس ذلك – ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو وكامل الطاقم المعني بلبنان في وزارة الخارجية وفي وزارة المالية كلهم اتخذوا القرار بأن الحلول السياسية هي شرط للحلول الاقتصادية، وان "حزب الله" هو العرقلة الرئيسية أمام إنقاذ لبنان من الانهيار المالي.
أي ان إخراج لبنان من تحت سيطرة "حزب الله" الذي كان في الماضي هدفاً مؤجلاً بات اليوم شرطاً مُسبقاً لمساعدة لبنان.

فلقد افترض اللبنانيون من مختلف الفئات والطبقات داخل السلطة وخارجها، ان الأميركيين ليسوا جدّيين بتحذيراتهم للسنتين الماضيتين مع أن الأميركيين كانوا في منتهى الوضوح. دفنوا الرؤوس في الرمال بالرغم من تنبيههم مراراً وتكراراً أن مقولة "ما فينا" انتهى مفعولها وان الاختباء وراء الأصبع كان غباءً قاطعاً. فمنطقياً، ليس مفهوماً كيف توقّع اللبنانيون من إدارة ترامب أن تتأقلم مع "الخصوصية" اللبنانية بعدما كانت أوضحت مواقفها من إيران وأذرعتها وعلى رأسهم "حزب الله". وواقعياً، أوصل النكران لبنان الى شفير الهاوية وما زال نصف اللبنانيين تقريباً يطالب أميركا أن "تتفهّم" وتُعدّل مواقفها فيما عليهم عملياً وتجنباً للانهيار أن يطالبوا "حزب الله" أن يتفهّم ويتأقلم.

مصلحة القاعدة الشعبية لـ"حزب الله" محاربة الفساد ومنع انهيار لبنان، وليس فقط مصلحة الطائفة الشيعية الأوسع التي هي ليست ضمن القاعدة الشعبية لـ "حزب الله". وكما لفت أحد الذين يَدعون الى جرعةٍ واقعية، أن المسيحي والسنّي والدرزي اللبناني ما زالوا قادرين على السفر و"لهم ظهر" في مكان ما، أمّا الشيعي فإنه بات مُلاحقاً ومرفوضاً وممنوعاً بسبب "حزب الله".

خوف قيادات "حزب الله" هو أن إدخال "صندوق النقد الدولي" الى لبنان سيسلب السلطة من يده، وان الإصلاح الحقيقي القاسي سيؤدي الى انهيارٍ مالي لـ"حزب الله". لذلك تنظر قيادات "حزب الله" الى المسألة من مُنطلق الخطر الوجودي على "حزب الله".

أمام "حزب الله" خيار إصلاح سياساته ليصبح حزباً داخلياً وطرفاً لبنانياً محضاً، وهذا يقتضي التوقّف عن عنصر التوسّع الخارجي بناءً على تحالف "حزب الله" مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فإذا لم يفعل، أمامه احتمال الانهيار.

الأمر الواقع للبنان اليوم هو: اما انهيار "حزب الله" برفضه إصلاح الذات. أو انهيار لبنان بكل من فيه بما في ذلك شيعة لبنان وكذلك "حزب الله". فالخطر الوجودي واضح المعالم في حال التعنّت ودفن الرؤوس في الرمال ورفض المعونة الدولية بشروطه الإصلاحية.

ثم هناك ناحية تفشي فيروس "كورونا" بسبب العلاقة الوطيدة مع إيران وأجهزتها الأمنية والعسكرية. عسى أن تتمكن إيران من السيطرة على هذا الفيروس رأفةً بِشعبها وعسى أن يتعافى المصابون أينما كان. إنما أداء وزير الصحة اللبنانية، حمد حسن، التابع لـ"حزب الله" غير مقبول وخطير ويجب أن يُحاسب عليه لأنه لا يحق له أن يعرّض الشعب اللبناني للخطر برفضه الإقرار بضرورة وقف الطيران مع إيران واتخاذ إجراءات الوقاية الكافية.

فإذا كانت إيران قد وضعت نفسها – بإنكارها الأرقام الحقيقية – على مسار تدمير الذات التلقائي، لا يجوز لوزير التبعية أن يضع لبنان على نفس المسار.

وليس وزير الصحة وحده من يتحمّل المسؤولية وإنما أيضاً كامل القيادة لـ"حزب الله" عندما يتعلق الأمر بإمكانية وجود إصابات غير مُعلنة في صفوف المقاتلين من "حزب الله" الذين هم في الصفوف ذاتها مع عسكريي "فيلق القدس" في العراق وسوريا ولبنان على السواء. فإذا تواجد هؤلاء المقاتلون في لبنان، تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد صدّرت اليه الكورونا وليس فقط الثورة الإيرانية. إيران أوقفت صلاة الجمعة إنما في لبنان لم تُتَخذ إجراءات مماثلة وكأن النفي والأنكار أهم من حياة الناس.

في نهاية المطاف، ان المسؤولية تقع على أكتاف رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة. فإذا اكتسبت الرئاسات الثلاث الثقة، وبالذات رئاسة الحكومة، باستدعائها مساعدة "صندوق النقد الدولي" – واتخاذ إجراءات منع تفشي الكورونا – تكون حصلت على الثقة اللبنانية والإقليمية والدولية وحققت الإنقاذ من الانهيار وأخذت البلد الى الإصلاح الحقيقي. أما إذا استمر الرضوخ لـ"حزب الله" فإن الآتي أعظم ومصيريٌ حتماً.