يبدو أن الجرح الجزائري لا يزال ينزف حتى بعد مرور59 سنة على استقال البلاد. وهذا ما يفسّر كثرة الكتب الفرنسيّة عن الجزائر في مختلف أطوارها خصوصا خلال فترة الإحتلال المديدة التي استمرت 130عاما،أو خلال الحرب الّتحريريّة أو بعدها. وفي السنوات الأخيرة، صدرت العديد من الكتب حول مختلف القضايا المتّصلة بالجزائر وبقضاياها سواء في الماضي أو في الحاضر. والمجلّدات الثلاثة التي حملت عنوان :"تاريخ الجزائر،القرن التّاسع عشر والقرن العشرون"للمؤرخ المعروف بنجامين ستورا، من أهمّ هذه الكتب .

ويعتبر بنجامين ستورا الذي ولد في مدينة قسنطينة ،وترك الجزائر طفلا بعد الأعلان عن الإستقلال من أهمّ المختصّين في التاريخ الجزائري المعاصر.وفي المجلد الأوّل المخصّص للفترة الفاصلة بين1830والسنة التي اندلعت فيها الثورة ،أي 1954،يقدّم المؤلّف معلومات دقيقة ومستفيضة عن المحاولات التي لجأ اليها الإستعمار الفرنسيّ لإرضاخ الشعب الجزائري وفرنسته وتجريده من هويّته. ويشير المؤلّف الى أن السكّان الجزائريّين كانوا أربعة ملايين عند دخول فرنسا الى بلادهم ليصبحوا مليونين فقط في عام 1871.ويعود ذلك الى المجازر الّرهيبة التي ارتكبها الجيش الفرنسيّ لفرض الإحتلال .

وأما المجلّد الثاني فخصّص الى فترة حرب التّحرير الممتدّة من عام1954الى 1961والتي ذهب ضحيّتها نصف مليون أغلبهم من الجزائريين. وفي فصل من فصول الكتاب يركّز بنجامين ستورا على مواقف المثقفين والمفكّرين الفرنسييّن من تلك الحرب إذ أنّ أغلبهم وأكثرهم شهرة من أمثال جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وأراغون وآخرين كثيرين بينهم فنّانون ورسّامون، أدانوها بشدّة دون أن يخشوا ردود فعل الدّولة والتي كانت عنيفة تجاههم خصوصا تجاه الشيّوعييّن منهم حتى أنها لم تكن تتردّد في اتهامهم ب"الخيانة الوطنيّة"!

كما يتحدث المؤرخ عن الصّراعات بين الأجنحة داخل جبهة التّحرير الجزائريّة،وأيضا داخل الأحزاب السيّاسيّة الفرنسيّة الكبيرة والفاعلة في الأحداث. ولا يغفل المؤرخ عن استعراض وقائع انقلاب الجنرالات الجزائريّين على الجنرال ديغول الذي واجههم بحنكة وذكاء ودراية سياسيّة بارعة إذ أنه خاطبهم قائلا: "لقد فهمتكم!...نعم لقد فهمتكم !".وفي اليوم التّالي أبطل انقلابهم...كما يخصّص المؤرّخ فصولا من كتابه لاستعراض المجازر التي ارتكبها الجزائريّون ضدّ بعضهم البعض في الأشهر الأولى التي أعقبت نهاية الحرب، مُركّزا بالخصوص على ما تعرّض له "الحركيّون" الذين قاتلوافي صفوف الجيش الفرنسي ضدّ أبناء بلدهم.

وفي المجلّد الثالث،،يتناول بنجامين ستورا بالدّرس والتّحليل المرحلة التي أعقبت الاستقلال والتي شهدت هي أيضا أحداثا جسيمة مثل الصّراع بين الأجنحة داخل جبهة التّحرير الجزائريّة الذي أدّى الى انقلاب بومدين على بن بلّة، ومثل أحداث الخبز في خريف 1988 والتي كانت أول شرارة غضب عارمة ضد الحزب الحاكم أي جبهة التحرير والتي ستفضي بعد سنوات قليلة الى حرب أهلية ذهب ضحيّتها عشرلت الآلاف من أبناء الجزائر. ويرى بنجامين ستورا أن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها النّظام الجزائري بعد الإستقلال في مجال التعليم والزراعة وتوزيع الثروات وكلّ هذا أدّى إلى مجازر وكوارث التسعينات من القرن الماضي.بل أن بنجامين سيتورا يرى أن جبهة التحرير هي الأمّ الحقيقيّة لجبهة الإنقاذ الإسلاميّة!

وفي كتابها الذي حمل عنوان :"تربية جزائريّة من الثّورة الى السّنوات السّوداء"،تروي وسيلة تامزالي البعض من فصول سيرتها الذّاتيّة بارتباط مع الأحداث التي شهدتها بلادها من الإستقلال الى حرب الّتسعينات الأهليّة الدّامية والمريرة.

وقد ولدت الكاتبة من أمّ فرنسيّة من أصول إسبانيّة ومن أب جزائري.وكانت صبيّة لما حصلت البلاد على استقلالها. ومثل كلّ أبناء جيلها عاشت الآمال والأحلام الأولى ظانّة أن بلادها ستتمكّن من مداواة جراح الماضي لتنكبّ على بناء دولة حديثة وديمقراطية، في ظلّها تتحقّق المساواة بين مختلف طبقاتها،وفيها تنعم المرأة بالحريّة للمساهمة في بناء مجتمع جديد.غير أن الشابّة المتفائلة والتي هي وسيلة تامزالي لم تلبث أن تبيّنت أن كلّ شيء يسير عكس أحلامها وأمانيها. فقد تحوّلت جبهة التحرير الى حزب متسلّط يفرض بالقوّة والعنف والتّرهيب على الشعب أوامره وتعاليمه الصّارمة، متغافلا عن الفساد والرّشوة والمحسوبيّة وعن كلّ تلك المظاهرالسّلبيّة التي ستغرق الجزائر في الجريمة والدّم في التسعينات من القرن الماضي.

وترى وسيلة تامزالي أن جبهة التّحرير هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن كل الكوارث الي عرفتها البلاد خلال العقود الخمسة الماضية.