الحكم الرشيد من منظور التنمية الإنسانية كما تعرفه تقارير التنمية الإنسانية الدولية هو: "الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان، ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما بالنسبة إلى اكثر فئات المجتمع فقرا وتهميشا.

والحكم الرشيد هو الحكم الذي يتسم بالشفافية والمشاركة والمسائلة، ويعزز سيادة القانون. وهناك خصائص رئيسية مشتركة للحكم الرشيد (الديمقراطي) في العالم المتحضر، تتمثل في وجود ثلاث سلطات مستقلة عن بعضها البعض استقلالا تاما وواضحا لا لبس فيه، مع ضمان التعاون بينهم دون سيطرة أي سلطة على الأخرى من أجل تسيير أمور الدولة والمجتمع وخدمتهما.

الأولى - السلطة التنفيذية: الحكومة هي السلطة التنفيذية المسؤولة عن تسيير شؤون الدولة والمجتمع، وتقديم الخدمات العامة وتنفيذ أحكام القضاء والدفاع عن الوطن. والحكومة في الأساس تتكون من جهاز ثابت من الإداريين والفنيين تحت قيادة ذات طابع سياسي تعكس رأي الأغلبية من الشعب، وتخضع للمراقبة والمسائلة من قبل نواب الشعب. وحتى تصبح الحكومة كفؤة وفعالة يجب ترسيخ مبادئ الأمانة والنزاهة والجدارة كأساس لتعيين الوزراء وكبار الموظفين الإداريين والفنيين، إضافة الى تطبيق مبدأي الثواب والعقاب.

الثانية - السلطة التشريعية: هي حلقة الوصل بين الحكومة والشعب، على شكل مجالس تشريعية تمثل كل أطياف المجتمع، ومنتخبة بحرية ونزاهة من قبله، تضع القواعد القانونية التي تحكم مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع وتعمل على تطويرها من وقت الى آخر، وتراقب، على وجه الخصوص، أداء وفاعلية السلطة التنفيذية (الحكومة) التي يرأسها في العادة زعيم الحزب السياسي الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات.

الثالثة - السلطة القضائية: هي الركيزة التي تبنى عليها جميع مؤسسات الحكم الأخرى، وهي الجهة المسؤولة عن تطبيق القوانين والإجراءات الإدارية المرتبطة بحقوق المواطنين، وهي الجهة المخولة في فصل النزاع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. استقلال السلطة القضائية ونزاهتها وكفاءتها من الشروط الأساسية لتحقيق الحكم الرشيد، ولا يجوز للسلطتين التنفيذية والتشريعية التدخل في شؤون السلطة القضائية إلا فيما يختص بإختيار الأشخاص الذين سيشغلون المناصب الرئيسية في السلطة القضائية استنادا الى الشواهد المتعلقة بالتفوق العلمي والمهني والنزاهة في تطبيق القوانين بعدالة.

إضافة الى هذه السلطات الثلاث الرسمية، ظهرت سلطة رابعة منذ بداية القرن الماضي، أطلق عليها سلطة "المجتمع المدني" الذي يقع بين الأفراد والدولة، والمكون من الأحزاب السياسية والجمعيات الفكرية والدينية والمهنية الذي ينظم المجتمع نفسه حولها طوعا، حيث تتفاعل هذه الأحزاب والجمعيات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لقد اصبح "المجتمع المدني" في الدول الديمقراطية يتمتع بحيز واسع من النفوذ على كل الأصعدة، وخاصة صعيد الدفاع عن الحريات الأساسية لأفراد المجتمع.

الحكم الرشيد يقود إلى الاستقرار السياسي، ويعزز الأمن والسلم الاجتماعي، وهذا بدوره ينعكس إيجابيا على استقرار الاقتصاد الوطني ونموه، ويعزز ثقة المستثمرين سواء المحليون أو الأجانب في المشاركة في تنفيذ المشاريع التنموية، والشاهد على صحة هذا الرأي هو ما تنعم به الدول الديمقراطية الحقيقية من استقرار سياسي ونمو اقتصادي وسلم اجتماعي وثورة علمية وفكرية وثقافية لا حدود لها.

يقول المفكر الإسلامي "جمال الدين الأفغاني": إن الأمة التي ليس لها في شؤونها حل ولا عقد، ولا تستشار في مصالحها، ولا أثر لإرادتها في منافعها العمومية، وإنما هي خاضعة لحاكم واحد، إرادته قانون، ومشيئته نظام، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، فتلك أمة لا تثبت على حال واحد، ولا ينضبط لها سير، فتعتريها السعادة والشقاء، ويتداولها العلم والجهل، ويتبادل عليها الغنى والفقر، وينتابها العز والذل.