سؤال الوعي:

هنالك فرق بين أن تتعلم كيف تفكر وفق وعي نقدي، تكون البوصلة فيه للخير والحياة والنماء وبين أن يكون عقلك مثل جراب ممزق، يضع لك فيه الآخرون ما يشاؤون، فتردده انت مثل الببغاء، مساقا لهم، بوعي او بدونه، لتصبح تدور في حلقة مفرغة مثل الثور في الساقية. أشد أنواع الاستعمار، هو الجهل.. وأشد أنواع الجهل، جهل المتعلم. !!! خاصة في إشكالية الادلجة ودورها في خلق وعي زائف، يصعب التخلص منه.. فالمعدة أذكى من العقل لأنها تتخلص من الملوثات التي تدخلها بسرعة، عكس العقل الذي يحتاج لسنوات طويلة لذلك.
لقد مرت عدة شعوب بالحروب الأهلية في عدة دول في قارات مختلفة من أمريكا الى اوروبا وافريقيا، وحصدت الملايين من الأرواح.. والسبب الرئيس (من وجهة نظري) هو عدم الوصول إلى وعي مفهوم الشعب، والوطن، والأمة، لأن هذه الحالة تحتاج إلي نضج ووعي نقدي ..فاختلاف الحالة العِرقية والدينية والقبلية، قد يقود لحروب في غياب مفهوم التعايش السلمي بين مكونات الشعب المتنوعة، و المتباينة عرقيا و لغويا و دينيا، وحتى قبليا، والتي تتحول الي تنوع يثري الدولة، في حالة السلم الاجتماعي، والعيش المشترك، ولا يضعفها .
الحرب الأهلية هي احدى آليات الصيرورة التاريخية، للوصول لمفهوم الشعب، والأمة، خاصة إذا لم يتبلور مفهوم الهوية الجامعة، عند عقلية العامة من الناس المختلفة التي تعيش على رقعة جغرافية واحدة، لتكون دولة، وفق التعريف القانوني للدولة وهو: شعب وحكومة وإقليم، خاصة عندما تفشل النخبة في قيادة الجموع، لتصل لانفصال تام مثل ما فعل الإخوان في السودان. فبدلا عن نموذج دولة متنوعة الأعراق مثل سويسرا وماليزيا.
وبين هذه وتلك، نجد العديد من النماذج الفاشلة والناجحة، ودولة الحد الأدنى (Minimal State ) وهو مفهوم سياسي محدد، يتحدث عن بداية تأسيس كيان الدولة، في حدود محدودة للسلطة، و بداية انصهار الشعب في وطن واحد، بعيدا عن الأطماع والأحلاف من الدول الكبرى، التي تتعارض مصالحها مع غيرها من الشعوب غير الناضجة، خاصة في سيناريوهات الطاقة والمياه اليوم..
فتسعى هذه الدول لإزاحة خصومها وفق نظرية المؤامرة، او وفق نظرية المصالح والموارد. فالدول ليست جمعيات خيرية.. بل لديها أطماع في ظل عالم يتناقص الموارد. من جهة أخرى، وفي أحيان كثيرة، نكون نحن الخطر الأكبر على أنفسنا وليس الآخر. وما يزيد الطين بلة حين يرسم لك الآخرون الإطار، وتعتقد أنك تحقق انتصارات، هي شروخ وندوب سوف تعيش في جسم الوطن لسنوات طويلة، خاصة منها تمزيق النسيج الاجتماعي بعد أي حرب أهلية. شخصيا، أؤمن بنظرية المؤامرة.. و اكبر مؤامرة علينا هي ان نترك لوحدنا!

وهم المعرفة:
فرق كبير بين المعرفة التي تجدد نفسها و الايدلوجيا الجامدة.. فمن المسلم به ان الأيديولوجيا لا تنتج خطابا مضادا لها.. و رغم الدور المهم للادلجة في التعبئة وراء المشروع السياسي.. الا ان مشكلتها عدم خلق وعي نقدي خاص بها مثل المعرفة الذي يصحح انتاجه و يتجاوز أخطائه و بذلك يتجدد و لا يتجاوزه الزمن .كما ان مشكلة طرح الأدلجة انها تصل الي نهايات دون مقدمات صحيحة .. و بينما يطرح العقل انتاجه في الاطار النسبي ترى الادلجة انتاجها انه المطلق و النهائي و الأبدي و الأخير.
و من هنا لا تواكب العصر و تقع في فخ الحياة في الماضي بديكور الحاضر و تلجأ الى اللغة و تستنجد بالخطابة و التخوين و سجع الكهان ..و كل وسائل الهجوم دون اقناع او نتائج حقيقة على الارض.
حتى المعرفة اذا لم ترتبط بالأخلاق لا خير فيها لقد استعمل الغرب البارود لقتل سكان امريكا الاصلين و أوربا المسئولة من جهة أنها نهبت اموال أفريقيا فترة الاستعمار ومن جهة انها مارست لسنوات عدة سياسة الاستقطاب وقدمت ماكينتها الإعلامية الضخمة والبروباقندا الغربية، قدمت الأيديولوجيا الغرب على انه النعيم الأرضي فاليسار في أوربا هو الذي اللهم الكثير من الثورات في أفريقيا والرأسمالية الغربية هي التي استنسخت منها الأحزاب الإفريقية برامج عملها وفشل اليسار الأفريقي واليمين معا في تحقيق مشروع نهضوي وتنمية مستدامة في أفريقيا.
لقد شاهدنا انتفاضة في الشارع الفرنسي و الأمريكي مؤخرا و التي جاءت في حقيقتها لتجديد المشروع الرأسمالي الذي أصبح مؤذلجا اكثر منه مشروع معرفي او مشروع أخلاقي.اما عندنا في الشرق فاننا نخلط بين الادلجة و المعرفة.. لقد عشنا لفترة طويلة في وهم الادلجة التي تطرح في شكل المعرفة فلم نتقدم بل أعدنا تدوير معرفة قديمة لتجمدنا في ذلك العصر .حتى في الشكل بحجة دعاوى المحافظة على الأصل. يقول المفكر الليبي الصادق النيهوم:
" الجاهل ليس من لا يملك شيئا بل هو من يملك معرفة سلبية و هو مستعد من أجلها أن يضرب رأسك ليقنعك بها".

الجوع التاريخي:
تعاني شعوبنا العربية من جوع تاريخي، وهو الجوع الممتد عبر الأجيال من جد إلى أب وحفيد، حتى أصبحت سمة سلوكنا. الجوع التاريخي، في الأكل الذي نسرف فيه بشكل مبالغ.. ولم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة، التي أصابت شعوبنا بالأمراض مثل الضغط والسكر وغيرها من الأمراض، سوى سبب الجوع التاريخي. وهو جوع النفس التي أمرنا الله بترويضها بالصيام وليس بالأكل. الجوع التاريخي ليس في الأكل فقط، بل هو متعدد الأماكن والأشكال، فنجده في المال والسلطة وباقي الملذات وأهواء النفس.. بل تجاوز الجوع التاريخي المعقول، فها هو في الألقاب، من الدكتور والشيخ والأستاذ والمهندس والحاج والأفندي ... حتى خارج المهنة المتعلقة باللقب، بل دخلت المجتمع بسبب الجوع التاريخي للمكانة، بدلا من أن تكون ألقاب وظيفة مختصة بمكان العمل. الجوع التاريخي سبب لنا خروجنا من المجتمعات الديمقراطية، نتيجة جوع ساستنا التاريخي للسلطة. فظاهرة الجوع التاريخي في حاجة لدراسة معمقة. فكي نصبح شعوبا سوية، لابد من التخلص من الجوع التاريخي في الأكل والمال والسلطة، وغيرها من ملذات الحياة، حتى نعطي العقلَ دورَ القيادة، ليخرجنا من أزماتنا وامراضنا التي أظن أن السبب الرئيس في أغلبها هو الجوع التاريخي. ربما المقبول وما نحتاجه هو الحاجة إلى جوع من نوع آخر مثل الجوع للتعليم والوعي كخطوة أولى للخروج من المأزق التاريخي الذي سببه لنا الجوع التاريخي .