ربما يصعب قراءة الزيارة التي قام بها مؤخراً أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران، بمعزل عما يمكن وصفه بالحوار الصعب الذي يجري بين إيران والعواصم الخليجية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

ورغم أن التقارير والتحليلات التي سلطت الضوء على الزيارة تركز في معظمها على موضوع إحياء الاتفاق النووي والدور الذي يمكن أن تلعب الدوحة في هذا الإطار، وهو موضوع حيوي بالفعل وتتطلع قطر لتقديم مساعدة مهمة فيه، لاسيما أنه يمثل جزءاً مهماً من سعيها لضمان الأمن والاستقرار الاقليمي خلال المدى المنظور ومع ذلك فإن هناك ملفات يصعب أن تغيب عن أجندة الزيارة وفي مقدمتها العلاقات الخليجية ـ الايرانية، لاسيما أن مصلحة قطر الإستراتيجية تتمحور بالأساس في تهيئة الأجواء الإقليمية لاستقبال بطولة كأس العام لكرة القدم 2022 نهاية العام الجاري، حيث يتطلب نجاح البطولة وتعظيم إستفادة قطر من الإستثمارات الهائلة التي ضختها في البنى التحتية والتنظيم وغيرها، مناخ أمن واستقرار وتعاون اقليمي يكمل لهذا الحدث عناصر نجاحه، ويحقق أهداف قطر لاسيما على مستوى العوائد الإقتصادية وتعزيز الصورة الذهنية والسمعة والمكانة وجميعها محركات وأهداف تشغل بال صانعي القرار في الدوحة.

لاشك أن تزامن زيارة أمير قطر لإيران مع زيارة أخرى قام بها منسق الإتحاد الأوروبي للمباحثات النووية انريكي مورا، قد دفع التحليل باتجاه التركيز على سعى الدوحة لانجاحغ مهمة المبعوث الأوروبي التي قد تكون الفرصة الأخيرة لانقاذ مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، والمؤكد أن الموضوع يمثل بالفعل أحد أهم بنود أجندة المحادثات الإيرانية ـ القطرية، ولكنه ليس الهدف الوحيد للزيارة، التي تم الإعلان عنها قبل فترة من قبيل قيام المبعوث الأوروبي بالزيارة المفاجئة لطهران.

على أرض الواقع فهناك ملفات وقضايا مهمة تفرض نفسها على أي محادثات تجرى بين موردي الطاقة الكبار في الوقت الراهن، وفي مقدمتها التطورات الناجمة عن العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا، والتي تسببت في إرتفاع أسعار النفط والغاز، وربما تؤدي إلى إعادة توزيع الحصص السوقية للدول المنتجة للغاز على وجه التحديد في ظل سعي الدول الأوروبية للتحلل من إستيراد الغاز الروسي، حيث قام الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي بزيارة للدوحة في فبراير الماضي شارك خلالها في مؤتمر قمة للدول المصدرة للغاز.


إجمالاً، بات من غير الممكن فصل الملفات بعضها عن بعض في مثل هذه التحركات الدبلوماسية، فلا قراءة دقيقة لموضوع الإتفاق النووي الايراني بمعزل عن أمن الطاقة في أوروبا، ولا عن هدف قطر الحيوي الخاص بنجاح تنظيم بدولة كأس العالم لكرة القدم، ولا عن الحوار الإيراني ـ الخليجي، ولا أيضاً عن الملف السوري، حيث قام الرئيس بشار الأسد بزيارة لطهران قبل أيام قلائل، و كلها ملفات تتقاطع في كثير من جوانبها، ما ينعكس في ترتيبات زيارة أمير قطر لإيران التي جاءت في مستهل جولة تشمل ألمانيا وبريطانيا ودولاً أوروبية أخرى.


ورغم أن الزيارة لا تمثل جديداً على صعيد العلاقات الإيرانية القطرية القوية، فإنها لا تنفك عن أجواء الحوار والانفراجات الإقليمية الحاصلة في الآونة الأخيرة، حيث تتحاور دول الجوار جميعها من أجل بناء الجسور وطي صفحة التوترات وصولاً إلى وضع أسس جديدة للأمن والاستقرار الإقليمي، فالمملكة العربية السعودية باتت منفتحة على الحوار مع الجار الإيراني وهناك حوار إماراتي ـ إيراني يجرى بين الفينة والأخرى، في إطار واقعية سياسية جديدة تعتمدها الدبلوماسية الخليجية للانفتاح على إيران لمحاولة الوصول إلى صيغ تفاهم تحقق مصالح الجميع، وتخفف من غلواء التدخلات ومحاولات التوسع الإيرانية التي تؤثر سلباً في أجواء الأمن الاقليمي.

هذه الواقعية الجديدة التي تعم الشرق الأوسط لا تنفك بأي حال عن الحوار الخليجي الإيراني، أو بالأحرى لا ينفك عنها، فإيران هي أحد أخطر مصادر تهديد الأمن والاستقرار الاقليمي، وأي جهد في هذا الاتجاه لا يمكن أن ينجح بمعزل عنها، رغم الإقرار بأن الحوار معها ليس سهلاً ولا هيناً على الاطلاق، بل هو الحلقة الأصعب في مجمل هذه الجهود، لاسيما أن طهران تحاول جاهدة تثبيت نفوذها الإقليمي الراهن بل وتعزيز مواقعها في إطار أي مفاوضات مستقبلية حول ترتيب الأدوار ومناطق النفوذ الاقليمي بين القوى الإقليمية والدولية، فالنفوذ الإيراني الذي توسع على حساب الأمن القومي العربي وسيادة دول عربية مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، لا يمكن القبول باستمراره على هذا الحال، وبالتالي فإن البحث عن الإستقرار يبدأ من البحث عن تسويات تضمن إستعادة السيادة الوطنية لهذه الدول والحد من التدخلات الإيرانية فيها، أضف إلى ذلك أن الحوار مع إيران في هذا التوقيت يكتسب صعوبة إضافية في ظل انشغال روسيا بأوكرانيا ورغبة طهران المرجحة في شغل أي فراغ إستراتيجي ينجم عن هذا الإنشغال وترسيخ نفوذها في سوريا.

بعيداً عن اجندة الدبلوماسية القطرية، ومدى ارتباطها بأجواء الحوار والانفراجات الإقليمية، فإن النقطة المفصلية أو المفتاحية في نجاح أي حوار خليجي إيراني أو عربي إيراني، تكمن في نظرة الطرف الثاني للجوار الخليجي والعربي، بمعنى أن الإلتزام بالشرعية والقوانين والأعراف الدولية هي الضمانة الوحيدة لبناء علاقات صحية مستقرة، وبالتالي يبدو ضرورياً أن تخطو طهران خطوات للأمام في الحد من غلواء نفوذها الإقليمي ونظرتها التي تدفعها لمحاولة ممارسة كافة أشكال الهيمنة الإقليمية، حتى اللفظية منها، والذهاب إلى أي حوار بقناعة حقيقية وليس لهدر الوقت وكسب التنازلات، وتطبيق أفكار السياسة المعلنة بشأن الإيمان بأهمية الحوار باعتباره السبيل الاوحد لحل القضايا الإقليمية، والتي تتنافر تماماً مع سلوكها الأمني والعسكري.