في ظاهرة يبدو أنّها تأتي تبنياً لنظرية "النصر بالرعب"، يأتي "الإعدام التعسفي" أو كما يُسمّى أيضاً "إعدام خارج القضاء" بتهم "المُحاربة" و"الإفساد في الأرض" لبعض الأشخاص ممن شاركوا في الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني، ليُذكّر الإيرانيين بأنّهم لا يزالون يعيشون في ظل نظام ما يزال يؤمن بهذه النظرية التي جاء بها الخميني عقب ثورة 1979 وطبقها في أكثر من مناسبة في محاولة منه لإثارة الخوف والذعر في صفوف المعارضين بحجة تنفيذ "الحكم الإلهي" وتحقيق العدالة، في وقت تتواصل فيه الحركة الاحتجاجية في شهرها الرابع بشكلٍ لا يدع مجالاً للبس أو التشكيك في إرادة الإيرانيين وفيما تقاسيه هذه الإرادة من قمعٍ واضطهاد.
لفهم مكانة عمليات "الإعدام التعسفي" في ذهنية وآلية عمل نظام الملالي في إيران، يمكن الرجوع إلى بعض الاحصائيات المتعلقة بالإعدامات التعسفية التي نفذتها ما تُسمّى "المحاكم الثورية" في إيران منذ عام 1979 وحتى وقتنا الراهن بحق معارضين سياسيين لسياسات الملالي بحجة تنفيذ "الحكم الإلهي"، ويكفي التذكير هنا بعام 1988 الذي شهد تنفيذ آلاف الإعدامات التعسفية الجماعية بحق المعارضين لنظام الولي الفقيه بعد إصدار الخميني فتواه الشهيرة بحقهم بتهم الرّدة والكفر والإلحاد، علاوةً على معارضتهم للثورة الإسلامية ولرمزها الخميني، وللتذكير أيضاً فإن العديد من قضاة "فرقة الإعدام" التي قضت بإعدام هؤلاء في عام 1988 تسلموا مناصب قيادية إدارية وسياسية وقضائية عليا في نظام الولي الفقيه، ومنهم إبراهيم رئيسي الملقب بـ "قاضي الموت" والذي كان ضمن مجموعة قضاة "فرقة الإعدام" من أصحاب العمائم من الذين نفذوا فتوى الخميني بإعدام المعارضين، الذي يشغل في وقتنا الراهن منصب رئيس للجمهورية في إيران، وهو اليوم أحد أهم المرشحين لخلافة خامنئي في منصبه كمرشد للجمهورية الإسلامية في إيران.
فيما يتعلق بحملة الإعدامات التعسفية الأخيرة، والتي طالت كل من محسن شكاري وماجد رضا رهناورد، بتهمة "المُحاربة" و"الإفساد في الأرض"، ومن المتوقع أن تطال ما لا يقل عن 26 شخصاً آخرين من المعتقلين خلال أحداث الحركة الاحتجاجية الأخيرة بنفس التهم حسب أرقام منظمة العفو الدولية، فيمكن القول إنّها لا تعدو عن كونها ضرورة سياسية تعكس آلية واستراتيجية النظام الإيراني في مواجهة الحوادث السياسية المرتبطة بالتغيير ومعارضة سياسات النظام، حيث يمكن لكل ذي عينين أن يلاحظ أنّ "الإعدام التعسفي" والممنهج صار سياسة رسمية إيرانية في التعامل مع المعارضين لسياسات النظام وأيديولوجيته، بعد أن راكمت سلطات النظام على مدار تاريخها الممتد على أكثر من أربعة عقود آلاف الأحكام المماثلة، وهذا ما تؤكده الإعدامات التعسفية الأخيرة والتي تؤشر إلى الضغوط الكبيرة التي يعاني منه النظام الإيراني بسبب استمرار التظاهرات بعد فشل الأدوات والأساليب القمعية التقليدية، فكان لابد من محاولة أخيرة لقمع الاحتجاجات التي أصبحت الأعمق والأكثر انتشاراً منذ ثورة 1979، فلجأ إلى نظرية "النصر بالرعب" التي تقوم على محاولة إلقاء الرعب في قلوب عامة الشعب من خلال اللجوء إلى أدوات أشد قمعاً وفتكاً كالإعدامات التعسفية بهدف خلق مناخ من الخوف والترهيب في المجتمع لتقليل عدد الأشخاص المستعدين للخروج للاحتجاج والتظاهر وصولاً إلى قمعها والحفاظ على النظام. وفي هذا الخصوص أيضاً يضع العديد من المختصين لجوء سلطات النظام الإيراني إلى تنفيذ الإعدامات علناً ونشر الصور المروعة لها، ضمن إطار نفس النظرية السابقة، وبالشكل الذي يؤكّد تحوّل حملة النظام القمعية إلى حملة أكثر فتكاً وترهيباً تبنيّاً لنظرية "النصر بالرعب"، فغالباً ما يستخدم النظام الإيراني "الإعدام التعسفي" في الحالات التي تُصدر فيها الحكومة أو تنفذ حكماً بالإعدام من دون أمر من المحكمة ومن دون مراعاة للقواعد والإجراءات التي تقوم بها المحكمة ورفض احترام حقوق المُتهم، بما في ذلك الحق في الدفاع، والاعتماد على أدلة ملفقة واعترافات منتزعة تحت الإكراه أو التعذيب،
حاصل الأمر وجوهره، إنّ ما يُطلق عليه قادة النظام الإيراني "حكم القانون الإلهي" هو أبعد ما يكون من ذلك، فهو حكم الاستبداد السياسي باسم الدين، فأي غطاء من الشريعة والأحكام الشرعية يلجأ إليها النظام الإيراني لتغطية عمليات الإعدام التعسفي هي محض أكاذيب وزيف ادعاء، وهي أحد مظاهر النفاق السياسي الذي لم يعد ينطلي على أحد لا في الداخل ولا في الخارج. وبالتالي فإن إصرار النظام الإيراني على "الإعدام التعسفي" باعتباره التكتيك الاستراتيجي للحفاظ على النظام تحت غطاء أحكام الشريعة سيأتي بنتائج عكسية، وهذا ما تثبته الدعوات المتجددة إلى احتجاجات مكثفة في الفترة القادمة والتي تؤشّر بشكلٍ لا يدع أي مجال للشك في إرادة الإيرانيين المنتفضين التي ستبقى صامدة ضد جميع أساليب التخويف الوحشية ولن تستكين حتى تحقق ما خرجت من أجله.
التعليقات