لم يكن يحلم العرب بأن تستنزف إسرائيل بهذه الطريقة المرهقة من قبل، وذلك على يد حفنة من المقاتلين العرب، بحيث تدخل في دوامة الاضطراب السياسي والعسكري. لقد كان يُنظر لإسرائيل أنها العقل المدبر بنجاح والمخطط بحكمة لكل الحروب ضد العرب، وأن جيشها لا يهزم، وذلك باعتمادها دائماً على عقول غربية تقود المعارك من وراء البحار، وتعد خططاً لا يمكن إلحاق الهزيمة بها، علاوة على تمتعها بجسر من الإمدادات العسكرية التي تصلها عبر السفن والطائرات، إلا أن حسابات البيدر اختلفت عن حسابات الحقل.
المقاتلون العرب الجدد في قطاع غزة لم تدربهم الأيدي الغربية، ولم تسلحهم أميركا، ولم تعلم أجهزة الاستخبارات الغربية شيئاً عن أدمغتهم، ولا عن طريقة تفكيرهم، ولا عن معنوياتهم، ولا عن شدة بأسهم، فكانوا المفاجأة بالنسبة للغرب المخطط، ولإسرائيل المنفذة، وهذا الذي جعل من داعش صنيعة الغرب فريسة سهلة للقضاء عليه، وجعل من تنظيم القاعدة تنظيماً ضرب عمق أميركا من دون أن تشعر، وأصابها في العمق يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، كما فعلت المقاومة في غزة يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وهنا لا نمجد القاعدة أو داعش وما شابههما من تنظيمات راديكالية، لكننا نضع مقاربة بين ما هو معلوم للغرب ومجهول له. فالاستخبارات الغربية المتمركزة في كل العواصم العربية وداخل الجيوش، وتعمل على شكل مستشارين ومدربين وخبراء، استطاعت أن تهزم العرب داخل جيوشهم، لأن من يدربك ويسلحك يعرف قدراتك، ومن السهل عليه أن يسيطر عليك.
يكمن قوة المقاومة في غزة أنها سلحت نفسها بنفسها، ودربت عناصرها بذاتها، وصنعت لنفسها معدات عسكرية مشابهة لما هي موجودة في القوات النظامية، فأصبحت قوتها في سريتها، وما يواجهه الإسرائيلي من تعتيم استخباراتي على مدار قرابة ثلاثة شهور لمعرفة أين يخبيء الخاطفون الأسرى خير دليل على ذلك. فبالرغم من تجريف غزة وتدميرها، وحرث أرضها، ما زال الإسرائيلي عاجزاً عن الوصول إلى أسراه في بقعة صغيرة من الأرض اجتاحتها الطائرات والدبابات والجنود المشاة.
من هنا نستطيع أن نستخلص العبر كعرب، أننا نحتاج إلى تصنيع عسكري خاص بنا، ولا ينقصنا الخبرة أو المال أو العقول، فقط تنقصنا الإرادة، وينقصنا أن نقلل من تدخل الغرب في شؤوننا العسكرية. فنحن أمة ذات إرادة وقوة وعزم وبأس، ولا ينقصنا سوى إرادة الرجال والتفكير السليم والهدف السديد للوصول إلى غايتنا، ليكون للعرب موقع تحت الشمس، ونصبح قوة عظمى توازي بإمكانياتها الأمم الأخرى، كما كنا في سالف الأيام عندما وصلت خيول العرب إلى مشارف الصين وإلى جنوب فرنسا.
التعليقات