استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المخيم الشتوي في العلا عضو مجلس الشيوخ الأميركي رئيس لجنة الاستخبارات مارك وارنر، وأعضاء اللجنة أنغس كنغ وجون كورنين والسيناتور كريستين غليبراند وجون أوسوف ومارك كيلي، وبحث داخل خيمته التراثية علاقات التعاون بين البلدين، كما استقبل بعد يومين في المكان نفسه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وكان التأكيد على رفض سعودي قاطع لتهجير سكان غزة، وإعادة احتلال القطاع، مع التشديد على أهمية الاستجابة العاجلة للاحتياجات الإنسانية، ومنع تفاقم الصراع. كذلك، كان هناك لقاء مع السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، ما يؤكد أن السعودية باتت مركزاً للقرار العربي والإقليمي.

موقف السعودية لن يتبدل في دعم القضية الفلسطينية وسط الأحداث التي يشهدها قطاع غزة، وهي لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل إلا بإقامة دولة فلسطينية بعد إنهاء النزاع، وإيجاد مسار عملي لقيام دولة فلسطينية. ومعروف أنَّ السعودية لم تنضم إلى اتفاقيات إبراهام الموقعة في 2020 برعاية أميركية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، بينما رعت أميركا الممر الهندي الإسرائيلي الأوروبي بشرط إقامة الدولة الفلسطينية، لكن السعودية انتقدت بأشد العبارات الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في بيانات رسمية، وكذلك فعل ولي العهد قبل استضافة قمة عربية إسلامية تمحورت حول الحرب في غزة وطالبت بوقف فوري للنار والسماح بإدخال المساعدات ووقف التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وبعض المزايدين لا يرون في تلك الجهود السعودية تأثيراً على وقف الحرب في غزة، بل يرون الحوثي الذي يهدد أمن الممرات البحرية في البحر الأحمر، بحجة أنه يستهدف السفن التجارية الذاهبة إلى إسرائيل، ولا ينظرون إلى أهدافه وغاياته الحقيقية.

جولة بلينكن هي الرابعة في المنطقة والسعودية منذ اندلاع حرب غزة التي دخلت شهرها الرابع، وقد أكد فيها أن هناك توافقاً واسعاً بين قادة الدول التي زارها على ضمان أمن إسرائيل وتوحيد القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وغزة وقيام دولة فلسطينية، بالرغم من أن بلينكن في حديث صحفي من العلا اعترف بصعوبة تحقيق هذه الشروط، لكنه أكَّد أنَّ ثمَّة توافقاً على العمل معاً وعلى تنسيق الجهود لمساعدة غزة في تحقيق الاستقرار والتعافي ورسم مسار سياسي على تحقيق السلام والأمن والاستقرار على المدى الطويل.

كما ناقش بلينكن مع ولي العهد الهجمات الحوثية التي تعكر صفو التجارة العالمية، وسط جهود للحد من التوترات الإقليمية بما في ذلك ردع هجمات الحوثيين على الملاحة التجارية من قبل التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة. ومن الواضح أن أميركا، التي ما زالت في مرحلة الصبر الاستراتيجي، قد دخلت في الحقيقة مرحلة الإنهاك الاستراتيجي. ويبدو أن الحوثي أحدث تغييراً نوعياً وكمياً في أهدافه العسكرية. ففي العاشر من الشهر الجاري، أطلق 20 طائرة مسيرة أسقطت أميركا 18 طائرة منها، ما يعني أن طائرتين مسيرتين سقطتا في الأراضي اليمنية، وتقوم الولايات المتحدة بالدفاع عن نفسها بإسقاط الطائرات المسيرة التي تستهدفها، وليس عبر الحشد العسكري الدولي، لكنها تثبت للمجتمع الدولي خطر الحوثي وأن هناك ابتزازات حوثية وإيرانية في البحر الأحمر، خصوصاً أن الحوثي يمتلك 1450 صاروخاً وطائرة مسيرة، كما أنَّ عسكرة المنطقة لن تتضرر منها إسرائيل وأميركا، لأن معظم التبادلات التجارية الإسرائيلية تتم عبر البحر المتوسط ورأس الرجاء الصالح، في حين أن المتضرر الأول هو اليمن ومصر والسعودية ودول عربية أخرى، فضلاً عن الدول المتشاطئة في المنطقة، وأيضاً التجارة الدولية البالغة تريليون دولار سنوياً.

إقرأ أيضاً: الشباب اللبناني بين الطموح والتحديات

بعد زيارة بلينكن لرام الله أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن ثمة حاجة لضمان سلام دائم ومستدام لإسرائيل والمنطقة، بما في ذلك تحقيق الدولة الفلسطينية، وشدد على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمر أساسي لاستقرار المنطقة على المدى الطويل، وبعد اجتماعه مع أعضاء كابينت إدارة الحرب أطلعهم على المحادثات التي أجراها مع ولي العهد السعودي في العلا، ومع بقية القادة في المنطقة، وشدد على ضرورة تكثيف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة على الفور، وبلورة آلية لإعادة السكان الفلسطينيين إلى منازلهم في شمال القطاع، وهي الزيارة الخامسة إلى إسرائيل منذ اندلاع الحرب.

وعرض بلينكن التزام القادة العرب بالمسار السياسي، ودفع إسرائيل إلى المرحلة التالية من الحرب التي تقوم على عمليات مستهدفة وليست مكثفة على نطاق واسع في كل قطاع غزة، والسماح للفلسطينيين بالعودة إلى شمال القطاع ووضع موعد محدد لنهاية الحرب، وخطة واضحة لليوم التالي، وكلها ملفات محل خلاف.

وأكدت مصادر إسرائيلية أن نتنياهو أبلغ بلينكن أن بلاده تنتقل تدريجياً بالفعل للمرحلة الثالثة، وأنها سحبت آلافاً من قواتها في غزة في إطار انسحاب كبير من شمال غزة، وستقلص العمليات في المرحلة المقبلة، لكنها لن تسمح بعودة النازحين إلى شمال القطاع، وهي مسألة مشروطة بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في غزة، أي ستكون مرتبطة بعقد صفقة جديدة، وفي نفس الوقت يرفض الفلسطينيون الحديث عن اليوم التالي إلا إذا كان الحديث مرتبطاً بوقف الحرب أولاً، وتمكين السلطة من الحكم في الضفة وغزة في سياق حل سياسي لا يستبعد أحداً.

إقرأ أيضاً: تذكرة ذهبية للمستقبل

هناك جهود تسير في نفس المسار، حيث عقدت قمة بين الرئيس محمود عباس والملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي في العقبة بحضور بلينكن لبحث سبل وقف الحرب في غزة والأفق السياسي المطلوب لفترة ما بعد الحرب، وفي القاهرة هناك حراك دبلوماسي يستهدف تعزيز الوساطة لإنهاء الحرب التي تعثرت بعد اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية بحماية حزب الله، التي وسعت من دائرة الصراع للضغط على إيران لوقف الحوثي عن استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

كما أنَّ هناك ضغطاً سعودياً لوقف الاستفزازات الصادرة من المستوطنين. وعند لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيف بوريل في المخيم الشتوي في العلا، أكد أنَّ دول الاتحاد تدرس فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يستخدمون العنف ضد الفلسطينيين، وأنه طرح هذا المقترح على الدول الأعضاء في الاتحاد، وقال هناك 85 بالمئة من سكان غزة أجبروا على النزوح وأكثر من مليون شخص دون مأوى، فيما هناك أكثر من 200 ألف في خطر حقيقي نتيجة الجوع، مع التشديد على ضرورة العمل بكل الوسائل لوقف الحرب في غزة، خشية توسع الصراع إلى الحدود اللبنانية والبحر الأحمر، ليصبح عندها أكثر خطورة.