الاستقلال والإرادة السياسية ركيزتان أساسيتان للحرية والتنمية، وبالتالي القيم الديمقراطية. وتلك المفاهيم والقيم ليست مادة أو سلعة جاهزة للاستهلاك، ولا يمكن أن تُخلق بين عشية وضحاها أو تتم استعارتها لتنفيذها كسيناريوهات، وإنما هي فكر يولد لدى النخبة وتتبناه ليتنامى في المجتمع ويصبح جزءاً من نهضته الفكرية والثقافية، وبالتالي يُصبح تنفيذه على أرض الواقع كمشاريع أمراً ممكناً وقابلاً للاستمرار بنجاح، وقد يكون الاستقلال أمراً حاصلاً، وتكون الحرية موجودةً كفكر وثوابت أصيلة عميقة الجذور في المجتمع، لكنها توارت عن الممارسة قسراً بسبب عوامل الطغيان والاستبداد والطمع بالسلطة وزخارف الدنيا أو الموالاة للمستعمر والمحتل.

لا يوجد أسمى من الحرية التي أوجدها الإسلام، لكنها غابت قهراً بفعل فساد الحكام، ومن يفتي لهم بالباطل من أفاعي الظلام من نوع تلك التي تحكم إيران اليوم وتتسلط على دول وشعوب المنطقة، وبتعاقب الأجيال والأزمنة غابت تلك الحرية وبات الطغيان والقمع وسيلة للحكم، ومع انتشار فكر الباطل الذي عزز من الجهل في المجتمعات، باتت الأنظار تتجه نحو الغرب لاستيراد الحرية والديمقراطية منه، فلما طلبناها بجهل ومن خلال السفهاء لم يعطونا منها سوى ثوبها الذي سرعان ما يبلى ونتفاجأ بعرينا وضياعنا، وتستمر مسرحية ثياب الحرية التي يعدنا بها السفهاء من منزوعي الإرادة في كل عرض انتخابي، ونعيد الكرة بارتكاب الخطايا، وتستمر المأساة حقبة بعد حقبة حتى يتأصل الدخيل وتموت الأصالة، وكل ذلك بسبب عدم الاستقلال وفقدان الارادة المنتقل من نقطة إلى نقطة ومن مرحلة إلى أخرى، والاستقلال الاقتصادي والمالي يؤديان إلى استقلال سياسي ونشوء الفكر والممارسة الديمقراطيين بفعل تواجد عنصر الحرية بطابعه الصحيح الأصيل وليس الطارئ أو الهجين كما هو الحال في بلدان كإيران وتوابعها العراق وسوريا واليمن ولبنان.

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

الاستقلال... مفردة لطالما رافقت مسيرة حياة الشعوب المظلومة، وتأتي مفردة الاستقلال في مقدمة كل الاعتبارات التي تهتم لها الشعوب ونخبها، ومن ثم تأتي مفردة الحرية ضمنية مؤكدة مع كل استقلال حقيقي قابل للوجود والاستمرار، ولا يمكن للاستقلال الحقيقي أن يحدث إلا من خلال قوى وطنية، ولا يمكن لهذه القوى الوطنية أن تستمر وتصون مكتسبات الاستقلال إلا بدعم شعبي وبرامج تنموية تخرج البلاد من دائرة الحاجة القهرية والارتهان إلى دائرة الاكتفاء والقدرة على التواجد كرقم قادر على السير بموازاة الآخرين من دون تعثر، وفي عالم اليوم لم يعد الاستعمار كما كان بالأمس، وقد يكون حكم بلد ما تصدح فيه أبواق الحرية والديمقراطية بيد أشخاص من البلد ذاته، لكنه في ذات الوقت مستعمر ومحتل، ذلك لأنه منزوع الإرادة وفقد استقلاله الحقيقي وبات استمراره وكرامته والحياة فيه أمراً مرهوناً بقوى خارجية يتبعها ذلك الحاكم الذي لا يمكن تسميته بالمواطن لانعدام قيم المواطنة لديه.

تنشأ حركات تحرر هنا وهناك وتنهار، وتفلح إحداها وتفشل العشرات، وتقوم ثورة وتحقق مطالبها، وتفشل عشرات الثورات وتذهب كرمادٍ تذروه الرياح على يد القوى الرجعية والمتسلقة الطفيلية من البشر، وحافلٌ التاريخ بهكذا أحداث في الشرق الأوسط والعالم... والفيصل هنا هو المسميات والحقائق، بمعنى أن تكون المسميات موافقة للحقائق والثوابت حيث لا تسعى قوى التحرر إلى التحرر في جانب وترهن مصيرها في جانب آخر.

إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟

خصمان في نضال حركات التحرر، الأول السلطات الاستبدادية الرجعية، وهذه لا بد من التخلص التام منها بمواصلة الكفاح الدؤوب من أجل الاستقلال ومن ثم الحرية ولأجل الاستقلال وهذه الحرية يجب التحرر من قبضة الخصم الثاني حلو اللسان سيئ الإحسان الذي لا يريد سوى الهيمنة على قوى التحرر من أجل إدامة المخططات الاستعمارية التي لا يمكن أن تتحقق دون وجود قوى رجعية وعميلة على الأرض، ولا ترى القوى الرأسمالية العالمية في قوى التحرر الوطنية سوى خطر يهدد مصالحها وتعتبره على هذا الأساس عدواً لها، لكنها لا تعلنه وتستمر في احتوائه وإحباط محاولاته وأفضل الطرق إلى ذلك هو جعل قوى التحرر هذه ترتكز عليها في مصادر تمويلها، وبالتالي إن لم تتمكن من مصادرة إرادتها وقرارها حجمت فعاليتها وحرفتها في مسارات جانبية بعيدة عن خطها الوطني التحرري، وعطلت مسيرتها، وكلما خطت خطوة للأمام باتت مرهونة بما تقدمه لها من مال، تارة مشروط بشروط مهينة وتارة أخرى تُقدم لهم تكاليف مهامٍ خارج الأُطر، وقد يتمكن هذا التمويل في نهاية المطاف من نزع الإرادة وتحويلها من حركة وطنية إلى سرية تنفيذ مهام... هذا إن لم يتم شقها وتفتيتها وتحويلها لمجرد جماعات وذكرى نضال، وكان مصير الحركات الأفضل حظاً على هذا المسير التلاشي سريعاً وبهدوء من مشهد الأحداث لعدم القدرة المالية المستقلة.

نماذج لقوى التحرر المستقلة بالعالم والشرق الأوسط
إنَّ اجتماع مفردتي التحرر والمستقلة معاً تعبيرٌ ينطبق على قوى التحرر التي لا قيود مالية ولا سياسية ولا فرضيات فكرية عليها في ثورتها ونضالها وبالتالي أصبحت مستقلة عندما حكمت واستلمت السلطة بحكم الشعب، ومن نماذج قوى التحرر المستقلة في العالم حركات التحرر في دول أميركا اللاتينية، والتي تمكنت من الاستقلال والتحرر الفعلي، ومن قوى التحرر في الشرق الأوسط التي تتمتع بعنصر الاستقلال المالي والفكري المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وقد عزز هذا الاستقلال المالي والفكري إرادتهما واستقلالهما السياسي واستمرارهما على خط المواجهة مع طغيان الملالي بكل قدراتهم وجبروتهم في معركة حامية الوطيس حتى اليوم، في حين اندثرت أو تضاءلت العديد من القوى الوطنية لفقدانها الاستقلالية المالية، وبالتالي فقدان إرادتها وتلاشيها رويداً رويداً أو تعرضها للانشقاق والتفتت والتحول إلى ركن الذكريات لدى البعض ممن عملوا معها أو عاصروها، بينما الاعتماد على الذات والاستقلال المالي لدى مجاهدي خلق وسياساتها الإدارية والمالية الصارمة ووجود مشاريع اقتصادية لديها يعمل فيها الجميع كمنتجين، وقد كانت مدينة أشرف في العراق قلعة سياسية وإنتاجية لهم تنتج احتياجها من الغذاء والملابس وأعمالها الإعلامية والأدبية، وقد شهدت السوق العراقية على صناعاتهم من الأثاث المنزلي والمكتبي إلى الكرفانات والصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات الأخرى.

إقرأ أيضاً: "القوات الوكيلة": أداة النظام الإيراني لترويج الحرب وخلق الأزمات!

على الجانب الآخر على سبيل المثال للمقارنة... كان هناك من يحسب نفسه على التحرر وهو دخيل عليها وقد عاش كالأقزام مسلوب الكرامة منزوع الإرادة لا دور ولا قدر له، شأنه أقل من مرتزقة الجُند، ومنهم من كان مرهوناً تابعاً مسلماً لملالي إيران، فلما جاء بهم الغرب المتعاون مع أفاعي البغي ملالي إيران وأنزلهم بعقول وأنفس خاوية في غير موقعهم وأجلسهم مجلس الحكام لم يفلحوا وبقيت أماكنهم فارغة رغم وجودهم فيها وتسلطهم بغير الحق وبات بلدهم مستعمراً محتلاً من خلالهم بالرغم من أن ظاهر الأمر يبين أنهم يحكمون دولة مستقلة... وسؤالنا هنا ماذا لو سُحِقت رأس الأفعى في إيران هل تبقى لهذه الأقزام باقية؟