هناك فارق كبير بين شيطان الأمس وشيطان اليوم؛ شيطان الأمس كان مسكيناً، يحاول أن يقنع الناس بقبول الحرام ولو بشكل بسيط، يركض طوال الليل والنهار لعله يوقع أحدهم بشباكه ليزين له سوء عمله، وبمجرد أن يسمع قول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" يولي هارباً. أما شيطان اليوم فقد تطور كثيراً، ولم يعد يهتم لقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، لأنه عرف أن القول للمجاملة وليست حقيقة، وأن عالم الأقوال غير عالم الأفعال عند الجيل الجديد.
شيطان اليوم لا يحتاج أن يركض وراء هذا وذاك ويتعب نفسه ويتحمل اللعنات من ألسن الناس، فقد توصل إلى حقيقة مفادها أن الناس يتبعون كبراءهم وساداتهم وأربابهم في كل صغيرة وكبيرة، فقام بتحويل معاملاته وخدعه مع عقول الكبار ليدفع بهم للتلاعب بعقول الناس بما يريد ويشتهي، فهؤلاء الكبار عندهم محطات فضائية وقنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية ومناصب وأتباع وأموال وحتى قسم منهم يمتلكون جيوشاً ومليشيات، ولحسن حظ الشيطان أن هؤلاء الكبار جاهزون للطاعة، فقد توفرت فيهم شروط الطاعة، من المال الحرام وسفك الدماء التي أوصلتهم إلى عرش السيادة إلى الفساد والقسوة، وبإيحاء بسيط من الشيطان يجدهم مسرعين لتنفيذ الأوامر وسوق الناس كالأغنام إلى ما يرغب السيد الشيطان به، فهؤلاء الطائعون الخاضعون، منهم رجال سياسة ورجال أعمال وعلماء دين وأطباء وأكاديميون وإرهابيون يتنافسون فيما بينهم أيهم أسرع خدمةً لمرجعهم الشيطان.
إقرأ أيضاً: مقارنات حضارية للبحث عن الخلل!
حائط الشيطان لم يعد واطئاً أو "حائط نصيص" كما يسميه العراقيون، يتوسل الناس من أجل تذوق الحرام؛ الشيطان اليوم له مقام مبجل، جالس على عرشه، لا يكلف نفسه عناء تخريب عقول الناس، فهناك من ينوب عنه، بل ويجيد عمله بطريقة أفضل ألف مرة من الشيطان نفسه. وكذلك التعامل مع الأفراد فقد أصبح تجارة عقيمة لا تسد حاجة الشيطان، فسيادة الشيطان أصبحت تبحث عن جماعات وقطعان بالجملة يستجيبون لأوامره، لأن العرض والطلب لفعل السوء صار بالجملة، وهو يحقق اليوم مكاسب كبيرة على الأرض، وله اليد الطولى في تدمير المجتمعات وتدمير عقولها، وما انتشار الفساد وانتشار الفقر والتخلف وانتشار الكراهية بين الناس إلا مكاسب تحسب للشيطان، سواء أكان هذا الشيطان هو ذلك الكائن الذي وصفه الله في كتبه المقدسة، أو هو إنسان أو جهة استغلت هذا المفهوم القرآني لتحوله إلى واقع حال لكي تذهب أذهان الناس إلى الشيطان المفترض ويغضون الطرف عن الفاعل الحقيقي للشر المختبئ خلف الأضواء.
إقرأ أيضاً: حماس.. ما لها وما عليها
التلاعب بعقول الناس أكبر مكسب أكتشفه الشيطان عن طريق هؤلاء الوكلاء المخلصين، الإنسان الذي استطاع أن يشتري بماله شهادة الطب ليصبح طبيباً قاتلاً لمرضاه هو مكسب كبير للشيطان؛ الناس الذين يهربون من بلدانهم لأنهم لا يستطيعون تلويث أنفسهم بما تلوثت به نفوس الآخرين على طريقة الأقوام القديمة (أخرجوهم من قريتكم إنهم اناس يتطهرون) هذا مكسب كبير للشيطان؛ تقديس الرموز البشرية وحدها مكسب كبير للشيطان؛ فكل الموبقات حلت محل الطيبات عندما غير الشيطان طريقته الكلاسيكية بمطاردة هذا وذاك واكتفى بوكلائه لتنفيذ الأوامر.
إقرأ أيضاً: إيران: استراتيجية تفكيك المجتمعات العربية
وحتى اللعنات توجهت صوب الوكلاء ونسي الناس فاعلها الحقيقي. نحن في زمن الصراع مع الوكلاء، لذلك نقول للشيطان إننا على استعداد للعودة إلى ماضينا ولحياتنا البدائية المتخلفة إذا وافق سعادة الشيطان أن يعود هو الآخر إلى طريقته القديمة في التعامل مع الناس؛ فقد أتعبتنا طريقته الجديدة بالوكالة وجعلت مجتمعاتنا تخسر كل شيء.
التعليقات