لو بحثنا عن السبب الرئيسي لإندلاع الثورة في إيران وسقوط النظام الملکي، لوجدنا إنه يکمن في غياب الحرية، إذ کان الشعب الإيراني يواجه نظاماً دکتاتورياً قمعياً، حيث کان الجهاز الامني التابع للنظام والمسمى "السافاك" معروفاً بشدة أساليبه القمعية، ولا سيَّما لناحية تعذيب المعتقلين في السجون، حيث کانت تروى حکايات مرعبة عن ذلك. لکن بعد انتصار الثورة، وعد مٶسس النظام الجديد، الخميني، الشعب الإيراني بحياة مرفهة وبتوزيع عادل لثروة البلد.
لم تمر فترة طويلة على قيام النظام الجديد في إيران، حتى بدأ الشعب الإيراني يدرك أن الحرية التي ثار لأجلها لم تتوفر له في العهد الجديد، بل ظل الأمر سيان، إذ أن النظام الجديد شرع في الممارسات القمعية وبأساليب موغلة في القسوة، بل تمادى في ذلك عندما بدأ بتنفيذ الإعدامات في الساحات العامة وأمام الناس، إلى جانب فرض قوانين مغالية في صرامتها وتشددها، لا سيما من حيث تعرضها للحريات العامة والخاصة.
هذه الممارسات القمعية المغالية في قسوتها ودمويتها، لم يخفف من وطأتها ما کان وعد به الخميني من حياة مرفهة. فإلى جانب أن أي تغيير لم يحدث في معيشة الناس، ساءت الأمور أکثر من أيام العهد الملکي، والملفت للنظر أن الممارسات القمعية والأجواء البوليسية التي أشاعها النظام الجديد من أجل تشديد قبضته على الحکم، قد تزامنت مع تراجع ملفت في الأوضاع المعيشية، حتى بدأ الفقر يفرض نفسه رويداً رويداً على أعداد کبيرة من أبناء الشعب الإيراني.
مع مرور الأعوام، وبسبب تفشي الفقر، تراجعت الأوضاع المعيشية لأعداد کبيرة من الشعب الإيراني، وصارت المؤسسات التابعة للنظام نفسها تعترف بأن أکثر من 70 بالمئة من الإيرانيين يرزحون تحت خط الفقر، أي يعانون کثيراً من أجل توفير مستلزمات ومقومات الحياة في مستواها العادي. لکن الملفت للنظر کثيراً هو اعتراف موقع اقتصادي إيراني بأن "نصف سكان إيران يعيشون تحت خط الفقر المطلق". ويختلف خط الفقر المطلق اختلافاً كبيراً عن خط الفقر العادي، حيث يشير الأول إلى الحالة التي يصبح فيها الفرد أو الأسرة غير قادرة على توفير قوت يومه.
أشار تقرير اقتصادي حديث إلى "الهاوية الطبقية الشاسعة" في إيران، وأكد أن "نصف سكان إيران يعيشون تحت خط الفقر المطلق". وقال التقرير إنَّه "على مر العقود، اختفت الطبقة الوسطى تدريجياً وانتقلت القيود المالية في البلاد إلى أشخاص ذوي مداخل أقل”. ولا بدَّ من ملاحظة أن معدل التضخم يبلغ، حالياً، حوالى 45 بالمئة، فيما لا تقل تكلفة المعيشة الشهرية عن 25 مليون تومان، وفقاً للمنظمات العمالية التابعة للحكومة.
بعد مرور 45 عاماً على تأسيس النظام الايراني، أصبح نصف الشعب الذي عانى الأمرين من جراء الممارسات القمعية والأجواء البوليسية السائدة في إيران يواجه الفقر المطلق، وهو ما يمکن أن نعتبره حصاداً مراً لهذا الشعب الذي ثار من أجل حريته، لكنه حصد الحرية المسلوبة والخيبة المعيشية والمستقبل المجهول لأجياله القادمة، وفي ضوء کل هذا، هل يمکن التعجب من ازدياد الانتفاضات المندلعة بوجه هذا النظام والمطالبة بإسقاطه؟!
التعليقات