تسليم الرهائن وملف الهدنة إلى مصر، كان هو الأفضل وفي مصلحة أهالي غزة، لأن مصر تستطيع إدارة هذا الملف بعناية فائقة، بما يضمن إيقاف الحرب، وإنقاذ المدنيين الفلسطينيين في غزة من الكارثة المستمرة بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، غير أنَّ صراع المصالح الدائر بين حماس (جناح الأنفاق) وحماس (جناح الفنادق) لا يزال نقطة مفصلية، وعليه يتوقف مصير أكثر من مليوني فلسطيني عالقين بين الحرب وأوزارها، وهي أوزار قد تستمر لجيل كامل.

بالنسبة إلى حماس جناح الفنادق، فهي جاهزة لأي صفقة محتملة شريطة سلامتها من المساءلة الدولية بعد سجدة الشكر الشهيرة التي صنعها قادتها على الهواء مباشرة، خصوصاً أنَّ دولاً تتجاوز العشرين لها رعايا قتلوا أو تعرضوا للانتهاك يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وهو الملف الذي لم يفتح بعد أمام المحكمة الجنائية الدولية. بينما حماس جناح الأنفاق تبحث عن النجاة من القضية برمتها، ولهذا بقيت تنظر الى وجود الرهائن بين أيديها بأنه يطيل من عمرها، وهكذا بقيت معاناة من هم فوق الأرض من المدنيين جوهر المأساة، وأما من تحتها فهم يلعبون بالوقت، وينتظرون عامل الزمن لعل المعادلة السياسية تتبدل في صالحهم.

لذلك، لا تزال المفاوضات بشأن الهدنة عالقة، بالرغم من الجهود الدولية والعربية، وستبقى القضية عالقة جزئياً حتى في حال اتفاق على هدنة مؤقتة خلال رمضان، لأن جناح الأنفاق في حماس، والذي كان يفاوض طوال الأسابيع الماضية على اتفاق دولي يضمن بقاءه في غزة وعدم اغتيال قادته، بات يدرك أن هذه المعادلة غير ممكنة، فمع خروج آخر رهينة بين يديه، تكون حماس قد وصلت الى الجدار الأخير، فلا معادلات سياسية بعد ذلك، وستكون في الميزان الدولي والعربي منظمة إرهابية خارجة على القانون.

المخطط الحالي لجناح الأنفاق هو التباطؤ في المفاوضات حتى دخول شهر رمضان، حيث يتوقع هذا الجناح قيام حركة شعبية عالمية تساعد في تحقيق مطالب حماس في البقاء ووقف الحرب معاً، وهو الخيار الأول، وأما الثاني، فهناك رهان على تكرار مشهد كانون الثاني (يناير) 2008، عندما اجتاز مئات الآلاف من أهالي غزة الحدود المصرية ونجحوا في دخول سيناء، وفي حال تكرار هذا المشهد من جديد، ستكون حماس قد ألقت بالثقل الكبير على مصر، حيث تفترض حماس في حال حدوث ذلك، أن مصر ستواجه أزمة سياسية وإنسانية، وسوف تضطر مصر للتعامل معها، مما سيشكل ذلك طوقاً للنجاة لقيادتها، والتي تبحث الآن عن عامل الوقت فقط بغية إيجاد الوسائل التي تمكن القيادة العسكرية في غزة من تحقيق معادلة سياسية، أو أنها قد تستغل الفوضى وتتمكن من الفرار من غزة، في حال يأسها من الحصول على عنصري السلامة والبقاء.

بالنسبة إلى حماس جناح الفنادق، أو جناح الأنفاق، يبقى الجانب الإنساني غير موجود مطلقاً في المعادلة القائمة في غزة، ويرجع ذلك إلى بنية الحركة، والأصول التي تجذرت ونشأت عليها، لأنَّ ظاهرة الولاء للحزب هي أهم من العنصر الإنساني، وهي ذات المعادلة التي ارتكزت عليها الحركات الإسلامية على مدار العقود الماضية، والتي تسطرت من خلال ما صرح به موسى أبو مرزوق، وهو كلام مسجل في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة روسيا اليوم، إذ اعتبر أنَّ "المدنيين هم مسؤولية الأمم المتحدة والاحتلال، وأن الأنفاق بنتها حركته من أجل مقاتلي القسام"، وهو الذي ترجمته حماس فعلاً وقولاً، عندما تجنبت بناء ملجأ واحد يحمي المدنيين في غزة.

أخيراً، المطلوب اليوم من حماس جناح الفنادق أن تتحمل المسؤوليات، وتبحث عن الحل الذي ينقذ غزة من ميليشيا الأنفاق، لأنَّ الجميع مسؤول عن الجريمة، ومسألة سلامة حماس الفنادق أو هجرتهم الى سرداب حسن نصر الله ليس بالضرورة أن تكون آمنة، ومسألة إعادة تكوين جيش حمساوي في لبنان يتكون من اللاجئين الفلسطينيين من لبنان وسوريا هي مسألة لن تعيد التاريخ إلى ما قبل عام 1982.

حماس جناح الأنفاق، تضع أمن الدولة المصرية في خطر من خلال بوابة سيناء.