يشار إلى المنظر الاستراتيجي والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين إعلامياً، في العادة، بصفته عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومدبر مخططات الدولة الروسية في نسختها البوتينية، نظراً لما يشغله من حيزٍ واسعٍ في الاعلام والسياسة الدولية والسجالات الفكرية في قضايا الحرب والاستراتيجية الروسية. وقد تصاعد هذا الدور في الحرب التي شنتها روسيا ضد أوكرانيا في شتاء 2021، بما أظهر من آراء بدت متطرفة تمثل خط القوميين الروس، وتسعى إلى إعادة روسيا إلى المشهد العالمي كدولة مهمة تناهض النظام العالمي بصيغته الغربية. والرجل لا يكتفي بدوره كمفكر الظَّل للدولة الروسية، ولكن من موقعه الاكاديمي كأستاذ للعلاقات الدولية ولكتاباته وكتبه في النظرية السياسية (النظرية السياسية الرابعة) والاستراتيجية والجيوبوليتكا (أسس الجغرافيا السياسية: المستقبل الجيوسياسي لروسيا) والفلسفة (مارتن هيدغر، فلسفة بداية أخرى) وكتابه (نظرية عالم متعدد الأقطاب)، وغيرها من مؤلفات كلها تدور حول إثبات أنَّ ثمة حضارات ونظم سياسية غير تلك التي تسود العالم من ديمقراطية الغرب وأنماطها الثقافية في السياسة الليبرالية، وبتركيز أكثر على دحض نظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتنغتون، ونهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما، وما مثلته أطروحاتهما التي تعكس الهيمنة والسيادة العالمية للحضارة الغربية، وموقع روسيا كقوة تبحث عن موقعٍ على أسس استراتيجية كما ينظر لها في مفهوم الأوراسيا الجديدة.

مفسراً العالم وحضاراته التأريخية ونظمه السياسية بناءً على تصورات نظرياته وقراءاته من منظور الجيوبولتيكيا لروسيا (أوراسيا) لإمكانية قيام عالم تتعدد أقطابه (Multipolarism) السياسية والاقتصادية على أسس التنوع، يقدم دوغين تصوراً لعالم متعدد الأقطاب يكون محوره قارات وحضارات وثقافات ودول تقع خارج منظومة النطاق الغربي، تمثل برأيه تكتلات حضارية واقتصادية صاعدة كالصين والهند والبرازيل. ويطَّوف دعماً لنظريته حول مفهوم التاريخ والحضارة والعلاقات الدولية بمرجعيات وأبحاث غربية في الأساس على نحو ما تأسست في منشئها الغربي في حزمة العلوم السياسية والفلسفية وعلوم الاجتماع والتاريخ. وبهذا التداخل المنهجي الكثيف المتباين في مساراته النظرية والتطبيقية، يطرح دوغين نظرياته في تعدد الأقطاب كما لو كانت طريقاً للشعوب للخلاص مما يسميه بالهيمنة الحضارية الغربية، مستشهداً بالتناقضات وربما الاختلافات ببعدها الإنساني في الثقافات والحضارات البشرية في قدرتها على بناء عالم يخصَّها بعيداً عن الهيمنة الغربية؛ وهي هيمنة بالمعايير العالمية لا تعني غير الديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام الاقتصادي العالمي الرأسمالي والمؤسسات الدولية المهيمن عليها من قبل الدول الغربية. بمعنى من القول التخلي عن منجزات الحضارة الإنسانية، واستبدالها بقيِّم ينافح عنها دوغين ممثلة في قيم الديانات الأرثوذكسية والبوذية والإسلام، وكل ما يدخل في تعريفات من منظور الثقافة الأنثروبولوجية في العالم خارج نطاق نيوتن، كما أطلق عليها منظر السياسة والدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر. وتشكل بدورها تمييزاً لها عن العالم الأوروبي كما يروج لها في القرون الثلاث الأخيرة من عمر الحضارة الإنسانية.

هذه المقاربات النظرية بدت وكأنها محاولة أخرى لاستعادة أو استمرار لجزء من تاريخ العالم في فترة الحرب الباردة، حيث سادت ثنائية قطبية إحداها مثلتها روسيا الاتحاد السوفييتي السابق، وما مثله من قوة مناوئة للغرب ومشروعه الاستعماري. وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية لخلَّل بنيوي لم تستجب فيها العقيدة الاشتراكية التي منحت نسخة تبشيرية عالمية، تشكل النظام العالمي بقطبية أحادية (الغرب والولايات المتحدة الأميركية). فإذا كانت روسيا قد عادت بعد مرحلة الاتحاد السوفيتي مفككة الأوصال إلى مواجهة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عسكرياً، يضع دوغين رؤية تعبر عن شكل هذه المواجهة، أو ما يطلق عليها الإمبراطورية الأميركية وموقف روسيا إما أن تكون السيادة الروسية، وأو الإمبراطورية العالمية، وهو دور يصعب على الطرفين القيام به لعدم الحاجة إليه. فمفهوم مشروع الإمبراطورية لا يفهم منه – في سياقه الروسي - إلا تعبيراً عن "أوراسيا" كنتيجة تأريخية حتمية للوجود الروسي، إلا أن الموقع الجيوبولتيكي وحده لا يحدد وحده مواقع القوة في موازين القوة والنظام العالمي. وينطبق الأمر على مشروع القرن الأميركي الذي بشر به الليبراليون الجديد وبدا تطبيقه عملياً بعيد المنال.

ثمة تحديات يفرضها نموذج العولمة التي سطحت العالم بوصف الصحفي الأميركي توماس فردمان وفق مراحلها الأولـى، التي تنحصر في الفترة من 1492 عندما أبحر كولمبس غرباً فاتحاً طـرق التجارة بين العالمين القديم والجديد، حتى العام 1800 وفيها تقلص حجم العالم مـن الحجم الأكبر إلى المتوسط، وكانت عوامل التغيير فيها العضلات وقوى الحصان، وصـولاً إلى عصـر البخار. لقد كان أهم ما يحرك الدول في هـذه المرحلة هو الدين والاستعمار، أو الاثنين معاً، لهدم الأسـوار العالية العازلة ورتق العالم اقتصادياً وقيادة التكامل الاقتصادي. وبالرغم من الثمن الباهـظ الذي تكلفته هذه المرحلـة التاريخية مـن عبودية وإخضاع للشعـوب بأسـرها وإبادتها كما حدث لزنوج أفريقيا وهنود أميركا، وإلى الآن لم تختلف أوضاعهم في ظل العولمة الجديدة، فمحركات الاستعمار استبدلت نسبياً بأدوات أخرى أكثر عنفاً وتدميراً.

المخاوف من روسيا البوتينية كانت دائماً محل اهتمام في الدوائر الغربية، وهي بنظرهم في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي لم تشكل استقراراً سياسياً مأمولاً به ينتهي إلى بلد ديمقراطي على نمط ليبرالية الغرب، وذلك لأسباب عدة يجملها الساسة الغربيون في أنَّ روسيا لا تستطيع الفكاك من إرثها التاريخي كقوة إمبريالية لا تتخلـى عن طموحاتها الدولية. والسبب الثاني الذي يجعل الكثيرين يتشككون في روسيا أكثر من الصين أن الأولـى لديها أجندة خارجية واضحة. النخب الروسية تشعر بالحنق إزاء حقبة التسعينيَّات، فقد رأوا في فترة الديمقراطية أنَّ روسيا ضعيفة ومهانة. ويعتقدون أن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو لا تريد نشر الديمقراطية، بل إضعاف روسيا، وتحقيق أي مزايا اقتصادية وسياسية تحصل عليها بينما روسيا تستنزف. فالغرب لا يكتفي بضم أعضاء حلف وارسو السابق كبولندا والمجر وغيرهما، بل يستخدم الديمقراطية للتدخل في مجال تأثير روسيا التاريخي، وفي القلب منه أوكرانيا. روسيا الآن تعود قوية مرة أخرى والغرب غير راض؛ ولكن من خلال القوة والمواجهة فقط يمكن للغرب حماية مصالحه. وربما يفسر هذا الدعم الغربي المحموم لأوكرانيا، دعماً لوجستياً من دون تدخل مباشر خشية المواجهة النووية.

إنَّ عودة روسيا التأريخية قيصرية كانت أم أممية (الاتحاد السوفيتي) يستحيل حتى ضمن حدود الدولة الأكبر مساحة في العالم، ولا تملك غير النموذج الاشتراكي الذي لا يرقى إلى التطبيقي ولو نظرياً في أي بقعة أو نظام، وهو نظام وايدولوجيا كما يقر دوغين عفا عليهما الزمن. ولم يكن نظام روسيا السابق يحمل ما يمكن وصفه بقابلية التطبيق، ويشمل هذا النظم السياسية والتكنولوجيا والإدارة والسياسية. فإذا عادت روسيا في عهد بوتين متدرعة بقوة نووية موروثة وموارد طبيعية تستخدمها كسلاح، مثل الغاز، ومقعد دائم في مجلس الأمن (يعطيها حق الفيتو)، فإنَّ كل هذا لا يتيح لها دوراً عالمياً إلا في نطاق محدود يتعلق بالصناعات العسكرية وبعض من المواقف المناهضة للدول الغربية. ومع ذلك، لم تتفاد الهيمنة الغربية الوقوف إلى جانب أوكرانيا، بل وأصدرت محكمة الجنايات الدولية (نظام روما) مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي مثله ومجرمي حرب دول العالم الثالث.

إنَّ أفكار دوغين أو رؤيته في مواجهة هيمنة الغرب تقوم على النقد والترويج لأفكار أقرب ما تكون إلى التفكير الرغبوي على ما تحمله من قراءات على خارطة العالم الجغرافية والسياسية تحتمل الطرح الأكاديمي كفرضيات أكثر منها وقائع عملية. فما بين رؤية فلسفية أيدولوجية لتخطي أيدولوجيات راسِّخة والتيارات الكامنة والمتفرعة عنها كالرأسمالية والليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان؛ وما بين تخطيط استراتيجية يأخذ بالجغرافيا السياسية (جيوبولتيكا) لدور بلده روسيا في خارطة العالم الذي لم تعد ضمن قواه الفاعلة والنافذة فيه؛ هذا التركيب الهجيِّن يكاد يعيد اغتراب الإنسان (Alienation) بالمفهوم الماركسي بين جدِّل فلسفي في أفق التحدي الذي تفرضه الحضارة المهيمنة (الغربية)، ويصعد هذا الموقف الايدولوجي عداء نظرياً لا يماثله إلا مواقف ما يعرف بالفلاسفة الراديكاليين ممن اشتهروا بمواقفهم في نقد نموذج الرأسمالية والعولمة والليبرالية والديمقراطية الغربية أمثال المعاصرين سلافوي جيجك وشانتال موف واحمد اعجاز وغيرهم. ويمضي إلى أن نظريته (نظرية عالم متعدد الأقطاب) ليست معادية للديمقراطية، ولكنها ليست ديمقراطية معيارية، وبهذا التعريف الموارب لا يقدم تعريفاً لنموذج الديمقراطية خلافاً لما استقر من تعريفاتها منذ تاريخ أثينا.

ومما يجادل به حول بنية الدولة القومية في نسختها الوستفالية (صلح وستفاليا) باعتبارها بنية الحضارة والتأسيسات السياسية الحديثة التي يرى أنها يجب أن تكون وفق الاختلافات الانثروبولوجية المؤسسة لها يكون الفرد معبراً عن ثقافته المندمجة في البيئة الاجتماعية. وهذا التصور للدولة القومية لا يماثله إلا نموذج الدولة الحضارية على ما كتب الباحث الصيني البروفيسور جانج وي وي في تعريفه لصعود التنين الأصفر الصيني في كتابه (موجة الصين... صعود الدولة الحضارية) وكيف أنَّ الدولة الصينية وخططها في التنمية والسياسيات الاقتصادية تختلف عن النموذج الغربي. والدولة هنا ليست دولة سلالة مينغ، وإنما الصين الاشتراكية ذات ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهذا النفوذ حققته القوة المتبقية الناجية من انهيار المنظومة الاشتراكية، بعدما أفلتت من مصير اشتراكيات القرن العشرين بما خرجت به من قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية تبحث عن نفوذ عبر قارات العالم بما يعنيه النفوذ في السياق الجيوبوليتيكي.

يغيب النموذج الذي يمكن أن تنتجه كتابات دوغين ونظرياته السياسية المتصورة في بعدها الاستراتيجي والتاريخي مما يرشحها لخلق نموذج (Paradigm) على نحو ما شكله فيلسوف العلوم توماس كون في بنية الثورات العلمية في التحول الذي تحدثه المتغيرات الجديدة. ولأن مباحثه تقدم أطروحات تكون فرضياتها أقرب إلى التأويل وليست حلولاً مستنبطة، موظفاً مداخل بحثية موسوعية على قاعدة تناول كفاءة النظرية حيث قاربتها المناهج المتداخلة؛ منبثقة عن ميتودولوجيا تؤصل لنظرية قيد البحث عن بنية إطارية تعريفية. فالتعارض بين أوراسيا في البر الروسي كما نظر لها من منظوره الجيوبولتيكي، ومن ثم الدعوة لعالم متعدد الأقطاب خروجاً على نظام دولي آحادي واستبداله بنموذج دولي آخر، لا يعني إلا الهيمنة بمفهوم دولي آخر.

إنَّ النقد الذي واجه الحضارة الغربية من عمقها التاريخي والفلسفي انبثق عن نطاقها المعرفي نفسه، فمنذ كتابه عن انهيار الغرب في أطروحته فصل اشبلنجر اوسالد انهيار الغرب بين التاريخ والطبيعة على خلفية إرادة مصممة على تفكيك العالم وجمعه تحت منظومة نتشوية في سطوتها قوة إنسانها السوبرمان. وقبله نظريات رصدت الصعود والانهيار الحضاري الذي أصاب الحضارات في ثنائية أرنولد توينبي التاريخية بين التحدي والاستجابة، أو عوامل انهيار الملك والسلطان (دولاً وامبراطوريات) لدى مؤسس علم الاجتماع التاريخي ابن خلدون، بما يجعل من استمرار عامل الدافع الحيوي (Élan vital) بتعبير هنري برغسون حاسماً لاستمرار الحضارات بينما يجادل دوغين مستخدماً التعريفات التي أنجزتها الكتابات الغربية والحضارات الأخرى.

نظرية عالم متعدد الأقطاب يكون فضاؤها الفضاء الكبير كما يفترض دوغين منظراً حيث يرى أن العالم المتعدد هو فضاء التأريخ من صنع الإنسان يتمتع عملياَ بحرية تاريخية غير محددة وحرية الشعوب والمجتمعات في وضع تاريخها الخاص، ويربط ذلك منهجياً بتعريفه هذا الفضاء داخل العالم متعدد الأقطاب أو إيجاد فضاء كبير افتراضياً، مستعيراً تعريف الفقيه الألماني القانوني كارل شميدت كفضاءات كبرى مقسمة إلى الفضاءات الأوروبية والآسيوية وبالطبع الأوراسية. والفكرة تنطوي على تصور روسيا للعالم على نموذج Lebensraum الفضاء الحيوي، وهو في جوهره استعادة لما تدعيه الدول من تمدد مشروع في أراضي الغير؛ مفهوم طوره الجغرافي الألماني فريدرك رتزل، ومهد بالتالي لتحول في مفهوم الجغرافيا السياسية والبيئة، ملهماً فكرة التمدد النازي في الحرب العالمية الثانية على نحو ما طبقته النازية من اجتياح وضم لأراضي دول أوروبا، وهو ما طبقته روسيا في أوكرانيا وضم القرم وبقية الأراضي المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي سابقاً. وبدا أنَّ نظرية عالم متعدد الأقطاب ربما أنتجت هيمنة مشابهة لتلك التي يفرضها الغرب بحكم التاريخ أو المنجزات. فدول هذا العالم المفترض لا تتكافأ دوله من حيث القوة الاقتصادية أو التنمية البشرية وهما قوتان يتحدد بهما موقع الدول في سياق النظام العالمي وموازين قوته بمعايير السياسة وليس الثقافات المتنوعة في بعدها الإنساني والأخلاقي! والمجال الحيوي لا زال يذكر بنظريات أخرجت وحش أوروبا من نظرية الفلسفة السياسة كاللفياثان للإنكليزي توماس هوبز إلى السوبر مان للفيلسوف الألماني نيتشه إلى نازية هتلر العدمية.

والتمدد الروسي بالتواجد الجيوبولتيكي والبحري على مياه يشكل جزءاً من المستقبل الذي تجد روسيا في رسم سياساته الجيوستراتيجية. والمعلوم أن لهذا البلد القاري مصالح إن لم تكن مطامع تدعمها نظريات وتفسيرات مزعومة عن تصور لوزنها الدولي ووضعها في موازين القوة والجغرافيا الدولية، وذلك بتطبيق مفاهيم القوة الاوراسية مشحونة بنزعة قومية متشددة يُنظِّر لها دوغين وتصوراته لروسيا كقوة برية في مواجهة القوة الأطلسية البحرية الأميركية، وتكوِّن أرضها الواسعة بحدود برية مع أربعة عشر دولة محوراً جغرافيا للتاريخ Heartland وترتبط بعقيدة عسكرية انطلاقاً من أفق تاريخي وجغرافي. ولكن للتواجد الروسي تدخلاً وانقاذاً لنظم غير مرغوب فيها كسوريا يؤكد نزعة الهيمنة أكثر من التفاعل الذي يراعي حقوق الشعوب.

قدَّم دوغين في "نظرية عالم متعدد الأقطاب" خطاباً احتجاجاً ضد هيمنة لا مفر من التعامل معها دون امتلاك القوة لتحييدها إن لم يكن تدميرها. فالأسس النظرية لعالمه المتعدد الأقطاب من خلال سجال الحضارات عبر مناقشة الايدولوجيات الرأسمالية والماركسية في الاتجاه التاريخي في مسارات العلاقات الدولية ومدارسها النظرية والكلاسيكية منها والحداثية. ومشروعه أو حلمه لا يحده التطور المهيمن للحضارة الغربية، بل يتوسل إليه النماذج المناهضة للغرب حيثما تبدت نماذجها كرهانات تملك مشروعات مضادة كمفهوم الإمبراطورية والخلافة الإسلامية في تصور مشروع الإسلام السياسي برؤيته الفقهية لما يجب أن يكون عليه العالم. ويرغب أن تصب جميعها في صالح نظرية عالم متعدد الأقطاب التي برأينا لا تعبر إلا عن مشروع كما يجادل روسي جيوسياسي لديه وجود فيزيقي في أوراسيا الجديدة. وإذا كان النظام العالمي بين الدول تفرضه السياسة الواقعية أو سياسة الأمر الواقع التي تدخل القوة العسكرية في تعريفه والتعامل معه، فإن عالم اليوم بما يشهده من تحديات في التغير المناخي والكوارث البيئية وشبح الأسلحة النووية وانتشار جماعات مسلحة خارج حدود مظلة الدولة؛ يدخل منعطفاً خطيراً في مسار حرج قد لا تكون العودة إلى نسخته القديمة ممكنة.