عندما يحدث تغيير، ولكي نفهم الموقف ونحلله، يجب أن نستخدم الحقائق والمعلومات المتوفرة كأساس، ومن ثم نتفحص الأحداث بعقل متفتح وندقق فيها. قد يقودنا هذا التحليل إلى استنتاج أن بعض الأساسيات خاطئة أو أن الظروف قد تغيرت. وفي هذه الحالة، يجب تحديد أسس جديدة. ليس من الممكن التحرك بشكل صحيح في المواقف التي تتعارض فيها أسس ومبادئ تحليلنا مع الحقائق القائمة. يمكن أن تسبب هذه القضية خللًا في التحليل السياسي والاجتماعي، لأن هذه المشاكل ليست معادلات بسيطة وتشارك فيها معلومات مختلفة. إن دراسة أحداث الأعوام الخمسة والأربعين الماضية، خاصة بعد قيام النظام الإيراني الحالي، مفيدة للغاية في هذا الصدد.

في كانون الثاني (يناير) عام 1979، عندما انتصرت ثورة الشعب الإيراني المناهضة للشاه، كان الخميني في ذروة شعبيته، وقيل إن لديه القدرة للقضاء علی أية حركة سیاسية او تیار سیاسي‌ بخطاب واحد. كان الوضع معقدًا للغاية. وبسبب دعم أميركا للشاه، وصلت المشاعر المعادية لأميركا في الشعب الإيراني إلى ذروتها. استغل الخميني هذا الوضع إلى أقصى حد وحاول إخراج القوى الثورية والديمقراطية من المشهد عن طريق أخذ رهائن في السفارة الأميركية. في ذلك الوقت، كانت ثمة حقيقة مهمة وأساسية هي: كان الخميني ممثلًا للرجعيين، أي الشريحة التقليدية الأكثر تخلفًا في المجتمع الإيراني، وكممثل للرجعية كان يعتبر التهديد الرئيسي للثورة المناهضة للشاه.

إن معرفة هذه الحقيقة تجعلنا نسير في الطريق الاستراتيجي الصحيح رغم أي ضعف أو نقص في التكتيكات، حتى لو لم نعرف التفاصيل. واليوم، ونحن نتابع التطورات ونحللها عن كثب، يجب علينا أولًا أن نحدد مبادئنا الثابتة.

ما هي المبادئ الأساسية؟ وإذا أردنا أن نقتصر على مبدأ واحد، فلا بد أن نقول إن نظام ولاية الفقيه غير قابل للتغيير وليس لديه القدرة على الإطلاق على تقبل التغيير الجذري من داخل نفسه، فبالتالي‌ يجب الإطاحة به. وقد تم إثبات هذا المبدأ في السنوات الـ45 الماضية، وأي تحليل وتفسير يشكك في هذا المبدأ مغالط للحقيقة والواقع وهو في حکم المرفوض، ما لم تثبت أدلة جديدة خلاف ذلك.

ولفهم القضية بشكل أفضل، يمكن الرجوع إلى رسائل مسعود رجوي، زعيم المقاومة الإيرانية، خلال انتفاضة عام 2022. وكان يؤكد في كل الرسائل على أن المسار في إيران يمر من خلال التوسع الكمي والنوعي للنيران ضد مراكز النظام والانتفاضة المناهضة له، وتحول هذا النظام من داخله لیس الاّ مجرد سراب. وذلك بالرغم من أن الكثير من الناس في العالم، وحتى بعض الذين تحدثوا على ما يبدو عن الإطاحة به، كانت كلماتهم مختلفة 180 درجة عن هذا التحليل. بعض وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية كانت تدعي أنها تؤيد الإطاحة بالنظام، لكن طريقها وهدفها كان في الواقع إصلاح النظام، أو على الأكثر كانوا ملتزمين بالثورة المخملية. وقصة جمعيات أحياء طهران خلال انتفاضة عام 2022 في إيران هي مثال جيد على فهم هذا الموضوع؛ على ما يبدو، كان هذا النشاط يهدف إلى إسقاط النظام، لكن في الواقع، كان يحمل رسالة مفادها أنه يبدو أن هناك إمكانية لنشاط مدني في البلاد، ولا يوجد هناك قمع في‌ أشده یطبق علی المجتمع ویعطل فیه جمیع امکانیات للنشاط والحراک السیاسي‌المدني.

أهمية المبادئ الأساسية في التحليل السياسي
وبدون مبادئ ثابتة وواضحة، يقع المحلل في كثير من الأخطاء والالتباسات. وإذا فقدنا أسسنا التحليلية، فسوف نخضع حتمًا لهياكل الحكم. ولهذا السبب، لا يزال البعض من مختلف التيارات السياسية يصرون على الحفاظ على النظام، حتى بالرغم من الخلافات العميقة معه. وهذا يدل على أنه بالرغم من استبعادهم الآن من السلطة، إلا أنهم ما زالوا يعتبرون بقاءهم ومستقبلهم مرهونًا بالحفاظ على هذا النظام، ولهذا الغرض يبنون تحليلاتهم على مبادئهم الثابتة التي لا تتغير.

التطور السياسي وأسئلة بلا إجابة
هناك تطرح عدة نظريات وتحليلات بشأن التساؤلات المطروحة حول وجود الرئيس مسعود بزشكيان والهندسة السياسية لخامنئي. ويزعم البعض أن وجود بزشكيان كان مخططًا له منذ البداية، وبحسب التقارير فقد توصل خامنئي إلى نتيجة مفادها أن أقل من 13 بالمئة من الشعب سيشارك في الانتخابات المقبلة. وتشير هذه التقارير إلى أن بعض العناصر داخل النظام ربما نشروا هذه المعلومات عمدًا لتجنب العواقب المحتملة. ومع ذلك، فإن هذا التحليل لا يشير إلى تغييرات كبيرة في البنية السياسية الإيرانية.

إقرأ أيضاً: ماذا عن معارضة خامنئي للهدنة في حرب غزة

هناك أسئلة كثيرة في هذا السياق: هل فعلاً لم يتمكن خامنئي من استبعادبزشكيان؟ وإذا كان يستطيع فلماذا لم يفعل ذلك؟ هل كان هدف خامنئي منذ البداية انتخاب بزشكيان رئيسًا؟ وإذا قبلنا أن ذلك كان هندسة سياسية قام بها خامنئي، فهل يعني ذلك تغييراً في اتجاه النظام نحو الإصلاحيين والعودة إلى اللعبة السياسية الإصلاحية والأصولية؟

وفي غياب معلومات صحيحة ودقيقة، يمكن أن تؤدي هذه الأسئلة إلى الارتباك والتحليلات غير الدقيقة. ولكن بالرغم من كل هذه الشكوك، هناك مبدأ أساسي واحد غير قابل للتغيير وهو: لا يمكن تغيير النظام الإيراني، والحل الوحيد هو الإطاحة به.

استخراج النتيجة
ومما سبق نستنتج أن ما دام نظام ولاية الفقيه في السلطة، فلن يتمكن بزشكيان ولا أي شخص أو حركة أخرى من تغيير هذا النظام إلى ما يسمى بالنظام المعتدل الذي يلتزم بمعايير الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

إقرأ أيضاً: تحدي خلافة خامنئي: هل يشكل مسعود پزشكيان حلاً أم تهديداً جديداً للنظام؟

ونتيجة لذلك، فإن وجود بزشكيان في رئاسة نظام ولاية الفقيه هو السبب الوحيد لمزيد من الانقسامات داخل الحكومة وعلى رأس السلطة، والتي سيكون لها بلا شك تأثير واسع النطاق على المجتمع كما تشتد الأزمات.

وبالنظر إلى الطبيعة التفجيرية للمجتمع الإيراني - بعد سلسلة من الانتفاضات منذ عام 2017 حتى الآن، وخاصة الانتفاضة الضخمة للشعب الإيراني في عام 2022، فإنَّ اشتداد الأزمة يوفر أرضية لانتفاضة زلزالية مستقبلية للإطاحة بهذا النظام.