فتحت الثورة في ليبيا و قبلها في تونس و مصر ملفات الفساد في كرة القدم و ملايين الدولارات التي أهدرت من قبل المسؤولين عن هذا القطاع من اتحادات وطنية و لجان اولمبية ومن يدور في فلكهما من مدربين ولاعبين ورؤساء أندية متسترين تحت مظلة الأنظمة السياسية الفاسدة التي ظلت تحميهم. وتجدد فيهم الثقة رغم علمها بتلك الملفات في إطار المنفعة المتبادلة المال مقابل خدمة السلطة.


ربما كان هذا الفساد من قبل أهل الكرة في هذه البلدان الثلاث و في غيرها بالتأكيد احد أهم الأسباب التي جعلت كرة القدم تستمر في تخلفها و ترفض ولوج عالم الاحتراف الذي بقي مجرد شعارات جوفاء و ظل المسئولين عن القطاع متمسكين بالهواية التي تتيح لهم سن التشريعات على مزاج جيوبهم.

و الأمثلة التي كشفتها الثورات الثلاث في أيامها الأولى كثيرة و تدل على أن الفاسدين كانوا من المقربين من الأجهزة الحكومية .

و إذا كان الفساد في ليبيا قد اختزل في شخص ابن الطاغية الساعدي ألقذافي الذي انفرد بقطاع كرة القدم يعيث فيه فسادا دون معارضة من أي جهة كانت من اجل البقاء في الصورة فلهث وراء مجده الشخصي على حساب الكرة الليبية التي بقيت تعاني رغم الإمكانيات البشرية و المادية الكبيرة التي رصدت لتطويرها و التي استغلها ألساعدي لحسابه الشخصي بدليل دفعه الملايين للجلوس على دكة بدلاء الأندية الايطالية المفلسة بيروجيا و سمبدوريا و لو بحثت له عن صورة بقميص احد الفريقين لما وجدناها لأنه لم يلعب أصلا.

و منح أموالا طائلة للاتحاد الايطالي لتحتضن ليبيا مباراة السوبر الايطالي قبل سنوات و ترأس اتحاد بلاده بالقوة وبلغت درجة وقاحته حد تزوير عمره من اجل اللعب في المنتخب .

وعلى عكس ذلك فان الاتهامات بالفساد في مصر طالت العديد من الهيئات الرياضية والمسئولين عنها بداية برئيس اتحاد كرة القدم سمير زاهر و بعض أعضاء مجلسه و أفراد من الجهاز الفني للمنتخب الوطني المصري على غرار مدرب الحراس احمد سليمان وصولا إلى رئيس المجلس القومي للرياضة المهندس حسن صقر و بعض مسئولي قطبيّ الكرة المصرية الأهلي و الزمالك.

و لم تكن هذه الاتهامات مجرد تصفية حسابات شخصية بل أنها تحمل الكثير من الحقيقة في انتظار الكشف عن حيثياتها بالكامل من قبل الأجهزة القانونية الخاصة ذلك أن هؤلاء المتهمين جمعوا ثروات مالية و عينية طائلة من جهة و من جهة أخرى كانوا قريبين جدا من السلطة بل أن بعضهم كان جزءا منها فلا يعقل أن يكون النظام السياسي كله فاسد و هؤلاء يتمتعون بنظافة الذمة.

و في تونس كشفت الثورة عن الوجه الحقيقي لسليم شيبوب الذي كان بمثابة الكل في الكل في كرة القدم التونسية منذ بداية التسعينات رغم انه لم يكن يمتلك سوى مقهى في بداية حياته و الذي شغل مناصب عديدة على مستوى الرياضة آخرها رئيس اللجنة الاولمبية و قبلها كان عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي و بقي فترة طويلة رئيسا بلا منازع لنادي الترجي التونسي الذي حوله إلى دولة داخل الدولة مستخدما أموال الشعب المغلوب على أمره لانتداب أحسن اللاعبين ليكون النادي الأفضل في تونس و في إفريقيا .

و سعا بكل ما أوتي من قوة و نفوذ إلى الفوز بدوري أبطال إفريقيا لكنه فشل رغم بلوغه النهائي مرتين متتاليتين منها نهائي عام 1999 ضد الرجاء البيضاوي المغربي الذي تمكن من العودة بالتاج الإفريقي من قلب تونس رغم تواطؤ التحكيم في تلك المباراة غريبة الأطوار والذي طرد لاعبين من الرجاء و منح الترجي ركلة جزاء غير شرعية فشل لاعبه آنذاك وليد عزايز في ترجمتها إلى هدف كان كافيا للفوز باللقب وعندما صعد لاعبو و مسئولي الرجاء إلى المنصة لتتويجهم بالكأس التي فازوا بها بالركلات الترجيحية وجدوا المنصة خالية من المسئولين عن الكاف باستثناء رئيسه الكاميروني عيسى حياتو.

و استخدم شيبوب الذي استغل قرابته بالرئيس المخلوع أموال الشعب لتحقيق مجده الشخصي أيضا حيث تلاعب في انتخابات تنفيذية الفيفا عام 2004 مستغلا إقامتها في تونس بمناسبة أمم إفريقيا و من وقتها و بسبب شيبوب تقرر إقامتها في السنوات التي تلي أمم إفريقيا.

و أكثر من ذلك فانه و بشهادة المدرب المعروف فوزي البنزرتي فان شيبوب هو الذي كان يشرف على الجمعيات الانتخابية للأندية التونسية و يختار الشخص الذي يوافق أهوائه ليكون رئيس لهذا النادي أو ذلك و بالتأكيد فان ذلك ما كان ليتم لولا السيولة المالية الطائلة التي كان تحت تصرفه و حتى عندما انتهت صلاحيته في ميدان كرة القدم أسندت له رئاسة اللجنة الاولمبية التونسية.

و رغم قوة الترجي وعراقته إلا أن الجميع في تونس يجزم بأنه ما كان لهذا الفريق أن يحتكر بطولة الدوري المحلي لولا أموال و نفوذ شيبوب و لم تتمكن الأندية الأخرى من مقارعته إلا بعد انسحابه من الترجي.

و حتى صفقات انتقال اللاعبين في خاصة في الأندية الكبرى شابها الكثير من الغموض و ارجع البعض ارتفاع أسعار اللاعبين رغم الأزمة المالية إلى مساهمة رجال الأعمال الفاسدين في هذه الصفقات من اجل تبييض أموالهم القذرة.

أما الانضمام إلى المنتخب و المشاركة في بطولة دولية مثل كاس العالم فمعاييره معروفة تتلخص في مدى ولاء اللاعب لهؤلاء الفاسدين.