أجرى الحوار د. إسماعيل الربيعي
و د. سمر ماضي
و د. سمر ماضي
&
&
سيار الجميل خلطة سحرية من المؤرخ الفيلسوف، والفيلسوف المؤرخ، حيث التماهي في أقصاه. متهاديا يسير في عالم المخطوطات والمجلدات والموسوعات والأبحاث والمؤلفات، من دون سكون ولا اضطراب، يعانق السؤال الذي ملأ عليه حواسه، حيث الرجوع الى غريزة التفكير، تلك التي ما انفكت تؤسر عليه لبه.& ولد سيار الجميل في الموصل&/ العراق العام 1952. ونال دكتوراه الفلسفة (التاريخ الحديث) في جامعة |
سانت اندروس الاسكتلندية العام 1982. عمل محاضرا واستاذا في جامعات: وهران وتونس الاولى والموصل واليرموك وآل البيت والامارات .. استاذ زائر في جامعة كيل بالمانيا الغربية منذ العام 1987. شارك في عشرات المؤتمرات الدولية والندوات العلمية. حصل على عدة جوائز علمية منها شومان (1991) وبراءة تقدير (1992) وقلادة الابداع للعلماء المتميزين (1995). تخّرج على يديه العديد من حملة الماجستير والدكتوراه. وهو عضو مزامل ومشارك في العديد من المؤسسات الاكاديمية والجمعيات الثقافية وهيئات التحرير واللجان الاستشارية والمراكز العلمية والمنتديات الفكرية والسياسية في العالم. من كتبه "العثمانيون وتكوين العرب الحديث"، "تكوين العرب الحديث"، "العرب والاتراك: الانبعاث والتحديث من العثمنة الى العلمنة"، "المجايلة التاريخية: فلسفة التكوين التاريخي" "انتلجينسيا العراق" وغيرها. هنا الحلقة الثانية من هذا اللقاء النقدي والشيق:
&
&
&
توقف الفكر العربي بطريقة تثير الإملال والجزع، عند موضوعة الانتكاس والخذلان والوهن والهزيمة، وراح المتخصصون يندرجون في دوامة الترقيع والتبرير حول ثيمة (الأسباب) التي راحت تقدم في انعكاسية وصفية، ترى هل يمكن القول بأن مسار الفكر العربي، قد توقف عند هذا التطلع، أم أن هناك نقطة ضوء؟
&سؤال يتهادى من عتمة زمن كئيب وهو يبحث عن شيىء مفقود.. نقطة الضوء او كما نسميها بصيص الامل بعيدة جدا عّنا اليوم.. ليس من السهولة الوصول اليها اذا ما استمر التفكير (لا الفكر كوني لا اؤمن بأن لدينا اليوم اي فكر) على ما هو عليه اليوم! تفكير العرب سواء على مستوى القيادات والزعامات ام النخب العليا ام فئات المثقفين ام على مستوى عموم الجماهير.. لا يرقى الى الحد الادنى من فهم ما تتطلبه الحياة المعاصرة. ولن اقول هذا من باب انكار وجودنا كعرب في هذا النظام الاجتماعي العالمي، بل هناك شعوب عدة من العالم الاسلامي تشاركنا هذا الاغتراب! الموضوع ليس انتكاسة وخذلانا ووهنا وهزيمة.. حتى يتراكض الاغبياء من اجل تبريرات وتسويغات وترقيعات كما وصفتها عزيزي او لايجاد ثيمات وكأن العرب كانوا قد وصلوا الى القمة هكذا بسرعة في التي اسموها بـ " النهضة " ثم ارتكست بهم الحال! ابدا ابدا.. انهم خرجوا على العالم في العصر الحديث وهم بعقليات قديمة جدا ولم ينفضوا عنهم غبار القرون والجهل والتخلف.. صحيح انهم تعلموا وخلقوا لهم نخبا ومثقفين وكتبوا ابداعات وفنون واشعار.. لكن نظام تفكيرهم لم يتغّير ابدا.. لم يغيّروا ولم يتغّيروا من اجل خلق مركزية جديدة لهم.. بعد ان كانت لهم مركزيتهم قبل الف سنة! لم يشاركوا حتى اليوم عالم اليوم مركزيته ويجعلوا من انفسهم مشاركين فعالين اسوة بغيرهم من شعوب نهضت من بعدهم في اقاصي آسيا مثلا وتجد اليوم قوة انتاجهم.. نحن لسنا بحاجة الى اشعار وشعارات وخطابات واغاني وكتابات واجترار تراثات وترديد مقولات وسرد حكايات وقراءة روايات وتهويل ومبالغات ومسلسلات تلفزيونية وضياع زمن وكلام فارغ.. العرب بحاجة الى نظام تفكير جديد وقوة علاقات ومشاركات في ابداعات عالمية ومنتجات نوعية واختراق اسواق دولية وانتاج ثقافات جديدة وتطور نوعي في الخدمات.. باختصار انهم بحاجة الى انسان جديد لا يلوك المقولات ولا يتغنى بالامجاد ولا يفاخر بالسلالات ولا يجتر التراث ولا يعرف الا الفوضى وذبح الحناجر.. الخ العرب عليهم بفلسفة جديدة للحياة والتفكير عليهم ان لا يصدقوا بما يقوله هذا وذاك.. عليهم ان يكونوا واقعيين بدل ان يبقوا يعيشون خياليين طوباويين.. عليهم ان يخرجوا من كنف الاساطير.. عليهم ان يخرجوا من عالم السحرة.. عليهم بالحكمة وعليهم بالمعلومات المؤكدة لا بوجهات النظر القاصرة.. عليهم باحترام الزمن وتقديسه عليهم ان لا ينخدعوا بكتابات الكتاب العرب من صحفيين.. عليهم بالتوقف عن المبالغة في وصف الاشياء عليهم بمشروع تكاتف ومحبة في ما بينهم.. عليهم بالتوقف عن اي نزعة شوفينية تجعلهم فوق البشر.. عليهم برؤية الاخر لا من نوافذ سياسية او تعفنات ايديولوجية.. عليهم وعليهم الكثير.. فهزيمتهم سوف لا تتوقف عند اجيال القرنين التاسع عشر والعشرين.. الهزيمة ستطال اجيال القرن الواحد والعشرين اذا ما استمر الحال على ما هو عليه!
&سؤال يتهادى من عتمة زمن كئيب وهو يبحث عن شيىء مفقود.. نقطة الضوء او كما نسميها بصيص الامل بعيدة جدا عّنا اليوم.. ليس من السهولة الوصول اليها اذا ما استمر التفكير (لا الفكر كوني لا اؤمن بأن لدينا اليوم اي فكر) على ما هو عليه اليوم! تفكير العرب سواء على مستوى القيادات والزعامات ام النخب العليا ام فئات المثقفين ام على مستوى عموم الجماهير.. لا يرقى الى الحد الادنى من فهم ما تتطلبه الحياة المعاصرة. ولن اقول هذا من باب انكار وجودنا كعرب في هذا النظام الاجتماعي العالمي، بل هناك شعوب عدة من العالم الاسلامي تشاركنا هذا الاغتراب! الموضوع ليس انتكاسة وخذلانا ووهنا وهزيمة.. حتى يتراكض الاغبياء من اجل تبريرات وتسويغات وترقيعات كما وصفتها عزيزي او لايجاد ثيمات وكأن العرب كانوا قد وصلوا الى القمة هكذا بسرعة في التي اسموها بـ " النهضة " ثم ارتكست بهم الحال! ابدا ابدا.. انهم خرجوا على العالم في العصر الحديث وهم بعقليات قديمة جدا ولم ينفضوا عنهم غبار القرون والجهل والتخلف.. صحيح انهم تعلموا وخلقوا لهم نخبا ومثقفين وكتبوا ابداعات وفنون واشعار.. لكن نظام تفكيرهم لم يتغّير ابدا.. لم يغيّروا ولم يتغّيروا من اجل خلق مركزية جديدة لهم.. بعد ان كانت لهم مركزيتهم قبل الف سنة! لم يشاركوا حتى اليوم عالم اليوم مركزيته ويجعلوا من انفسهم مشاركين فعالين اسوة بغيرهم من شعوب نهضت من بعدهم في اقاصي آسيا مثلا وتجد اليوم قوة انتاجهم.. نحن لسنا بحاجة الى اشعار وشعارات وخطابات واغاني وكتابات واجترار تراثات وترديد مقولات وسرد حكايات وقراءة روايات وتهويل ومبالغات ومسلسلات تلفزيونية وضياع زمن وكلام فارغ.. العرب بحاجة الى نظام تفكير جديد وقوة علاقات ومشاركات في ابداعات عالمية ومنتجات نوعية واختراق اسواق دولية وانتاج ثقافات جديدة وتطور نوعي في الخدمات.. باختصار انهم بحاجة الى انسان جديد لا يلوك المقولات ولا يتغنى بالامجاد ولا يفاخر بالسلالات ولا يجتر التراث ولا يعرف الا الفوضى وذبح الحناجر.. الخ العرب عليهم بفلسفة جديدة للحياة والتفكير عليهم ان لا يصدقوا بما يقوله هذا وذاك.. عليهم ان يكونوا واقعيين بدل ان يبقوا يعيشون خياليين طوباويين.. عليهم ان يخرجوا من كنف الاساطير.. عليهم ان يخرجوا من عالم السحرة.. عليهم بالحكمة وعليهم بالمعلومات المؤكدة لا بوجهات النظر القاصرة.. عليهم باحترام الزمن وتقديسه عليهم ان لا ينخدعوا بكتابات الكتاب العرب من صحفيين.. عليهم بالتوقف عن المبالغة في وصف الاشياء عليهم بمشروع تكاتف ومحبة في ما بينهم.. عليهم بالتوقف عن اي نزعة شوفينية تجعلهم فوق البشر.. عليهم برؤية الاخر لا من نوافذ سياسية او تعفنات ايديولوجية.. عليهم وعليهم الكثير.. فهزيمتهم سوف لا تتوقف عند اجيال القرنين التاسع عشر والعشرين.. الهزيمة ستطال اجيال القرن الواحد والعشرين اذا ما استمر الحال على ما هو عليه!
&
المسألة الثقافية في الواقع العربي، بقيت حبيسة الاندراج المباشر في الأدلجة والمذاهب والتيارات،حتى بات من العسير الخروج من المعطف الجاهز، الذي لا تفتأ المزيد من التيارات من التلويح به، ترغيبا وترهيبا.أين تكمن مساحة المثقف والحرية؟
- اعتقد ان المسألة الثقافية هي نتاج واقعين اثنين اولاهما اجتماعي وثانيهما سياسي.. وكل منهما يشكلان سلطة من نوع ما على اي مثقف عربي نبت في خضمهما ولكن المشكلة تكمن في سؤال حيوي: من هو المثقف؟ هل هو هذا النموذج الذي نراه اليوم في محيطنا؟ ام هو غيره؟ واذا كان غيره؟ فأين هو؟ المثقف عملة صعبة في حياتنا! ما دام كل من واقعينا الاجتماعي والسياسي هما هذا الذي تفرزه لنا حياتنا العربية عند مطلع القرن الواحد والعشرين! فالمسألة الثقافية لها مشكلاتها المأزومة قبل ان يدخل العرب في طور الادلجة والتناقضات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا. ربما وجدنا عند الاجيال السابقة نوعا من الحرية ومساحة من ثقافة متنوعة.. ولكنها لم تتطور كانت مأسورة في اطر اجتماعية مغلقة كالتي وجدناها في معارك الازهر مثلا ضد المثقفين الاحرار او في معارك ادبية وفكرية عند جيل الاستنارة في فترة ما بين الحربين! اما في الجيل الذي اعقب الحرب الثانية، فلقد بدأت كل من السلطات والايديولوجيات والاحزاب الراديكالية والشوفينية خصوصا تفرض اجندتها على المثقف وتحاصره وتقمعه وتأسره وتكبل حرياته وخلقت طوائف من تابعي السلطة او اولئك الذين اسموهم بـ " مثقفي سلطة " وكان هناك سباق على كسب من يسمونهم بالمثقفين والمبدعين ليس لكسب ولائهم بل للسيطرة على ابداعاتهم وامكاناتهم وتوظيفها لصالح انظمة وايديولوجيات وافكار وسياسات واتجاهات معينة! واستمرت المسألة الثقافية العربية تنتقل من ازمة معقدة الى اخرى اكثر تعقيدا عندما وصل الامر الى اغتيال مثقفين وتغييب آخرين وانتحار بعض آخر وهجرة نخب بعينها.. اما الجيل الذي جاء متبلورا بعد العام 1979، فلقد دخلت المسألة الثقافية والمثقفين العرب نفقا مظلما وخصوصا بعد ارتخاء الايديولوجيات السياسية والراديكالية والشوفينية القومية على حساب التحزبات الدينية والطائفية والمذهبية والتقليدية التي تشكل ضحالتها السياسية والاعلامية حصارا رهيبا لا تكمن سلطاته في الدولة الدينية او الحزب الديني بل تنزع سلطاته في التسّيد الاجتماعي بحيث وقع المثقف الحقيقي رهين الاسر وكبلت حرياته كاملة بل ودفع البعض حياتهم وزيجاتهم ثمنا للحرية واصبح الفارق في مساحة الحرية واسع جدا بين بدايات القرن العشرين عندما كان يصّدر اسماعيل مظهر مثلا مجلتيه العصور والدهور بكل ما فيها من مقالات وترجمات عربية منها مثلا نظرية اصل الانواع لداروين وبين نهايات القرن العشرين عندما يحاكم ويحبس مثقف كسعد الدين ابراهيم مثلا -!!.. السؤال الان: هل ستبقى ازمة المثقف والمسألة الثقافية العربية مستمرة ام انها ستتوقف على حين غفلة؟ الجواب ليس سهلا، اتوقّع انفراجا في الازمة بعد العام 2009، ولكن ليس لصالح الحريات وليس من السهولة ان الثقافة العربية ستعيش عصرا ذهبيا، بل اعتقد ان جيلا جديدا سيبدأ من حيث ينتهي جيل الاصوليين.. فالامر يحتاج الى سنوات تكوينية طويلة كي تجد الثقافة العربية انفاس الحرية بعيدا عن مأساة الدواخل بكل رهبتها وبعيدا عن الابتزازات الامريكية التي لا تعرف الا لغة المصالح من دون اي اعتناء بمسألة الحرية ولا حتى بالثقافة العربية.. فالاخر لا تعنيه همومنا ولا اوجاعنا! ان استعادة الحياة الطبيعية امر صعب جدا في ظل ما يتعلمه الجيل الجديد في مدارسنا وجامعاتنا المتهرئة.. او ما يتلقفوه عبر وسائل اعلامنا العربية المشّوهة.. الامر لا يقتصر على حشو معلومات او ترديد نصوص ومقولات من دون بناء قيمي او معرفي او تكوين ثقافي وتنمية تفكير ورعاية ملكات ومواهب..
- اعتقد ان المسألة الثقافية هي نتاج واقعين اثنين اولاهما اجتماعي وثانيهما سياسي.. وكل منهما يشكلان سلطة من نوع ما على اي مثقف عربي نبت في خضمهما ولكن المشكلة تكمن في سؤال حيوي: من هو المثقف؟ هل هو هذا النموذج الذي نراه اليوم في محيطنا؟ ام هو غيره؟ واذا كان غيره؟ فأين هو؟ المثقف عملة صعبة في حياتنا! ما دام كل من واقعينا الاجتماعي والسياسي هما هذا الذي تفرزه لنا حياتنا العربية عند مطلع القرن الواحد والعشرين! فالمسألة الثقافية لها مشكلاتها المأزومة قبل ان يدخل العرب في طور الادلجة والتناقضات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا. ربما وجدنا عند الاجيال السابقة نوعا من الحرية ومساحة من ثقافة متنوعة.. ولكنها لم تتطور كانت مأسورة في اطر اجتماعية مغلقة كالتي وجدناها في معارك الازهر مثلا ضد المثقفين الاحرار او في معارك ادبية وفكرية عند جيل الاستنارة في فترة ما بين الحربين! اما في الجيل الذي اعقب الحرب الثانية، فلقد بدأت كل من السلطات والايديولوجيات والاحزاب الراديكالية والشوفينية خصوصا تفرض اجندتها على المثقف وتحاصره وتقمعه وتأسره وتكبل حرياته وخلقت طوائف من تابعي السلطة او اولئك الذين اسموهم بـ " مثقفي سلطة " وكان هناك سباق على كسب من يسمونهم بالمثقفين والمبدعين ليس لكسب ولائهم بل للسيطرة على ابداعاتهم وامكاناتهم وتوظيفها لصالح انظمة وايديولوجيات وافكار وسياسات واتجاهات معينة! واستمرت المسألة الثقافية العربية تنتقل من ازمة معقدة الى اخرى اكثر تعقيدا عندما وصل الامر الى اغتيال مثقفين وتغييب آخرين وانتحار بعض آخر وهجرة نخب بعينها.. اما الجيل الذي جاء متبلورا بعد العام 1979، فلقد دخلت المسألة الثقافية والمثقفين العرب نفقا مظلما وخصوصا بعد ارتخاء الايديولوجيات السياسية والراديكالية والشوفينية القومية على حساب التحزبات الدينية والطائفية والمذهبية والتقليدية التي تشكل ضحالتها السياسية والاعلامية حصارا رهيبا لا تكمن سلطاته في الدولة الدينية او الحزب الديني بل تنزع سلطاته في التسّيد الاجتماعي بحيث وقع المثقف الحقيقي رهين الاسر وكبلت حرياته كاملة بل ودفع البعض حياتهم وزيجاتهم ثمنا للحرية واصبح الفارق في مساحة الحرية واسع جدا بين بدايات القرن العشرين عندما كان يصّدر اسماعيل مظهر مثلا مجلتيه العصور والدهور بكل ما فيها من مقالات وترجمات عربية منها مثلا نظرية اصل الانواع لداروين وبين نهايات القرن العشرين عندما يحاكم ويحبس مثقف كسعد الدين ابراهيم مثلا -!!.. السؤال الان: هل ستبقى ازمة المثقف والمسألة الثقافية العربية مستمرة ام انها ستتوقف على حين غفلة؟ الجواب ليس سهلا، اتوقّع انفراجا في الازمة بعد العام 2009، ولكن ليس لصالح الحريات وليس من السهولة ان الثقافة العربية ستعيش عصرا ذهبيا، بل اعتقد ان جيلا جديدا سيبدأ من حيث ينتهي جيل الاصوليين.. فالامر يحتاج الى سنوات تكوينية طويلة كي تجد الثقافة العربية انفاس الحرية بعيدا عن مأساة الدواخل بكل رهبتها وبعيدا عن الابتزازات الامريكية التي لا تعرف الا لغة المصالح من دون اي اعتناء بمسألة الحرية ولا حتى بالثقافة العربية.. فالاخر لا تعنيه همومنا ولا اوجاعنا! ان استعادة الحياة الطبيعية امر صعب جدا في ظل ما يتعلمه الجيل الجديد في مدارسنا وجامعاتنا المتهرئة.. او ما يتلقفوه عبر وسائل اعلامنا العربية المشّوهة.. الامر لا يقتصر على حشو معلومات او ترديد نصوص ومقولات من دون بناء قيمي او معرفي او تكوين ثقافي وتنمية تفكير ورعاية ملكات ومواهب..
&
تكشف المعضلة العراقية الراهنة، عن استئثار السياسي للحضور على حساب تهميش وإقصاء الثقافي، أين يكمن دور المثقف- الانتلجنسيا- النخبة المفكرة، وهل من مشروع رؤيوي يجتمع حوله نخبة من المثقفين العراقيين، يمكن أن يطلق عليه أية تسمية ممكنة، مجلس الحكماء أو الخبراء؟
- خذها قاعدة يا عزيزي دكتور اسماعيل ان السياسي دوما هو سيد الموقف في اي زمان واي مكان.. لم نجد على مر العصور لا في التاريخ الكلاسيكي القديم لا في موزيبوتيميا العراق ولا في مصر ولا في اثنيا ولا روما.. لا في دول العصور الوسطى ولا في دول العصر الحديث ان جاء السياسي بنخب المثقفين وجعل منهم حكماء يستشيرهم الا ما ندر!! يمكن ان يكون البعض مستشارا او خبيرا ولكن لم يكن هناك اي تجسير حقيقي في تاريخنا بطوله بين السياسي والمثقف، وبالرغم من الدعوات الى ذلك، فكل ذلك اضغاث احلام يوهم بها المثقفون انفسهم!! المثقف والمبدع مهما اراد الوصول الى اي نوع من السلطة السياسية فشل في مسعاه او فشل في تجربته او افشلوا طموحه وقتلوا فيه امله ومثال عندنا الامام علي وابن خلدون والمتنبي وابو فراس وغيرهم.. المعضلة العراقية اليوم يتزاحم بالاستثار على السلطة فيها كل من السياسي ورجل الدين! هناك مثقفون يعملون ولكنهم ليس من خلال منتجاتهم الثقافية بل من خلال اجندتهم السياسية ومحسوبياتهم الاجتماعية! كنت قبل سنوات قد طرحت افكارا على المستوى العربي من اجل تكوين برلمان نخبوي عربي لمثقفي الامة ولكنني وجدت بأن نزاهة الفكرة ومثاليتها لا تنسجم ابدا مع ما نجده من زبد الواقع واضغاث من يسمّون انفسهم بمثقفين! المشروع العراقي النهضوي والحضاري، سّمه ما شئت بحاجة الى ساسة اقوياء لهم ثقافتهم العليا وتخصصاتهم التكنوقراطية ومهاراتهم وبراغماتياتهم وتفكيرهم ونزاهتهم.. مشروع العراق في استعادة العراق ووضعه على سلم التاريخ بحاجة الى مثقفين حقيقيين وليس الى رجال دين! مع احترامي لرجال الدين ومواقفهم السياسية التي ربما تخدم في لحظات حاسمة من عمر المجتمع والبلاد ولكن لا يمكن بناء العراق ومجتمعه المدني ومؤسساته الاهلية وقوانينه المعاصرة على ايدي رجال الدين.., فكما للمثقف حياته واسلوبه وتفكيره وميادينه.. كذلك لرجال الدين اماكنهم واعمالهم وميادينهم.. يمكن لهذا او لذاك ابداء الرأي والمشورة، ولكن لا يمكن للمثقف ان تسلمّه بلد مثل العراق الا اذا غدا سياسيا صرفا.. ولا يمكن لرجل الدين ان تسلّمه بلد مثل العراق الا اذا غدا سياسيا صرفا! فالسياسة بصراحة شديدة عالم نسبي ومتلون فيه كل المفارقات والمداهنات وفيه كل المتغيرات والالوان والخفايا والدهاليز وفيه كل التناقضات التي لا يجيد العمل بها لا المثقفون الحقيقيون ولا رجال الدين.. واعتقد ان السياسي لابد ان يكون مثقفا ولكن ليس بالضرورة ان يكون رجل دين! ومن البديهي ان يغدو المثقف سياسيا، ولكن من الصعوبة ان يغدو رجل الدين بسياسي.. وخير مثل لدينا ايران وما جرى في بنيتها السياسية على مدى قرابة ربع قرن والتفكك الذي حصل في نهاية المطاف قبل ان تحل امريكا على جانبيهم في افغانستان والعراق .. وفي النهاية سينتصر الاصلاحيون على رجال الدين! ودعني اقول بأن هناك حكاما مثقفين حكموا العراق ولكن لم نجد في اي يوم من الايام ان رجل دين قد حكمه.. على امتداد التاريخ وانا اتحّدى من يأتيني باسم رجل دين واحد حكم العراق منذ سبعة الاف عام!! في حين شهد العراق حكم خلفاء وولاة مثقفين بدءا بحمورابي ومرورا بالمأمون ووصولا الى الواليين الوزيرين داؤد باشا ابو النهضة الادبية العراقية ومدحت باشا ابو النهضة الاصلاحية العراقية!
- خذها قاعدة يا عزيزي دكتور اسماعيل ان السياسي دوما هو سيد الموقف في اي زمان واي مكان.. لم نجد على مر العصور لا في التاريخ الكلاسيكي القديم لا في موزيبوتيميا العراق ولا في مصر ولا في اثنيا ولا روما.. لا في دول العصور الوسطى ولا في دول العصر الحديث ان جاء السياسي بنخب المثقفين وجعل منهم حكماء يستشيرهم الا ما ندر!! يمكن ان يكون البعض مستشارا او خبيرا ولكن لم يكن هناك اي تجسير حقيقي في تاريخنا بطوله بين السياسي والمثقف، وبالرغم من الدعوات الى ذلك، فكل ذلك اضغاث احلام يوهم بها المثقفون انفسهم!! المثقف والمبدع مهما اراد الوصول الى اي نوع من السلطة السياسية فشل في مسعاه او فشل في تجربته او افشلوا طموحه وقتلوا فيه امله ومثال عندنا الامام علي وابن خلدون والمتنبي وابو فراس وغيرهم.. المعضلة العراقية اليوم يتزاحم بالاستثار على السلطة فيها كل من السياسي ورجل الدين! هناك مثقفون يعملون ولكنهم ليس من خلال منتجاتهم الثقافية بل من خلال اجندتهم السياسية ومحسوبياتهم الاجتماعية! كنت قبل سنوات قد طرحت افكارا على المستوى العربي من اجل تكوين برلمان نخبوي عربي لمثقفي الامة ولكنني وجدت بأن نزاهة الفكرة ومثاليتها لا تنسجم ابدا مع ما نجده من زبد الواقع واضغاث من يسمّون انفسهم بمثقفين! المشروع العراقي النهضوي والحضاري، سّمه ما شئت بحاجة الى ساسة اقوياء لهم ثقافتهم العليا وتخصصاتهم التكنوقراطية ومهاراتهم وبراغماتياتهم وتفكيرهم ونزاهتهم.. مشروع العراق في استعادة العراق ووضعه على سلم التاريخ بحاجة الى مثقفين حقيقيين وليس الى رجال دين! مع احترامي لرجال الدين ومواقفهم السياسية التي ربما تخدم في لحظات حاسمة من عمر المجتمع والبلاد ولكن لا يمكن بناء العراق ومجتمعه المدني ومؤسساته الاهلية وقوانينه المعاصرة على ايدي رجال الدين.., فكما للمثقف حياته واسلوبه وتفكيره وميادينه.. كذلك لرجال الدين اماكنهم واعمالهم وميادينهم.. يمكن لهذا او لذاك ابداء الرأي والمشورة، ولكن لا يمكن للمثقف ان تسلمّه بلد مثل العراق الا اذا غدا سياسيا صرفا.. ولا يمكن لرجل الدين ان تسلّمه بلد مثل العراق الا اذا غدا سياسيا صرفا! فالسياسة بصراحة شديدة عالم نسبي ومتلون فيه كل المفارقات والمداهنات وفيه كل المتغيرات والالوان والخفايا والدهاليز وفيه كل التناقضات التي لا يجيد العمل بها لا المثقفون الحقيقيون ولا رجال الدين.. واعتقد ان السياسي لابد ان يكون مثقفا ولكن ليس بالضرورة ان يكون رجل دين! ومن البديهي ان يغدو المثقف سياسيا، ولكن من الصعوبة ان يغدو رجل الدين بسياسي.. وخير مثل لدينا ايران وما جرى في بنيتها السياسية على مدى قرابة ربع قرن والتفكك الذي حصل في نهاية المطاف قبل ان تحل امريكا على جانبيهم في افغانستان والعراق .. وفي النهاية سينتصر الاصلاحيون على رجال الدين! ودعني اقول بأن هناك حكاما مثقفين حكموا العراق ولكن لم نجد في اي يوم من الايام ان رجل دين قد حكمه.. على امتداد التاريخ وانا اتحّدى من يأتيني باسم رجل دين واحد حكم العراق منذ سبعة الاف عام!! في حين شهد العراق حكم خلفاء وولاة مثقفين بدءا بحمورابي ومرورا بالمأمون ووصولا الى الواليين الوزيرين داؤد باشا ابو النهضة الادبية العراقية ومدحت باشا ابو النهضة الاصلاحية العراقية!
&
المعرفة التاريخية، بقيت بمثابة المسعى البعيد عن المنال بالنسبة الى الباحث والدارس العربي، حيث الاختلاط في المقولات والتداخل في التصورات، هل من الممكن الخروج من نفق الوصف والولوج في المعرفة القائمة على الممارسة؟
- ليس بهذه السهولة التي نتواخاها ما دام هناك انعدام في التكافؤ بين الدراسات الانسانية وبين الدراسات الطبيعية مثلا.. وما دام هناك خلل في المناهج واساليب التكوين ليس في دراسة التاريخ حسب، بل في كل العلوم الانسانية الاخرى بحيث نجد الخلل على مستوى الثقافة التاريخية العامة التي لابد ان يتحّلى بها اي مثقف عربي، فاذا كان هناك خلط واخطاء في المعلومات التاريخية على مستوى كبار الكتاب العرب.. فكيف تريد ان يكون المثقفون العرب العاديون؟؟ اما بالنسبة للمختصين العرب في حقول تاريخ العرب والمسلمين فلم يخرج في غالبيته العظمى كما وصفته من نفق الوصف والسرد من مراجع عادية او ترجمات من كتب ومراجع اجنبية ونقل الاحداث من كتب ومصادر من دون اي معالجات معرفية وتحليلات تقوم على اسس منهاجية معمقة ولا على ركائز فلسفية ابداعية.. ثمة مناهج متطورة اليوم في العلوم التاريخية تجهلها اقسام التاريخ في جامعاتنا العربية، ومنها المنهج الكمي (الذي يعتمد اليوم الحاسب الالكتروني) والمنهج الوظيفي والمنهج التفكيكي.. بحيث يمكننا ان نشارك فعلا في ما يسمّى حقيقة بـ " المعرفة التاريخية ".. هناك ايضا لدينا نقص في تخصصات نادرة ومعقّدة وهذا يشكل نقص فاضح في معرفتنا بتواريخ شعوب ومجتمعات اخرى مثل تواريخ آسيوية واسعة ومتنوعة وتواريخ اوروبا الوسيطة والحديثة وتواريخ الامريكيتين وتواريخ العلاقات المتوسطية وتواريخ المدن والمحليات.. هناك عقم في الجغرافيا التاريخية والتواريخ الاجتماعية والاقتصادية والثقافية..
- ليس بهذه السهولة التي نتواخاها ما دام هناك انعدام في التكافؤ بين الدراسات الانسانية وبين الدراسات الطبيعية مثلا.. وما دام هناك خلل في المناهج واساليب التكوين ليس في دراسة التاريخ حسب، بل في كل العلوم الانسانية الاخرى بحيث نجد الخلل على مستوى الثقافة التاريخية العامة التي لابد ان يتحّلى بها اي مثقف عربي، فاذا كان هناك خلط واخطاء في المعلومات التاريخية على مستوى كبار الكتاب العرب.. فكيف تريد ان يكون المثقفون العرب العاديون؟؟ اما بالنسبة للمختصين العرب في حقول تاريخ العرب والمسلمين فلم يخرج في غالبيته العظمى كما وصفته من نفق الوصف والسرد من مراجع عادية او ترجمات من كتب ومراجع اجنبية ونقل الاحداث من كتب ومصادر من دون اي معالجات معرفية وتحليلات تقوم على اسس منهاجية معمقة ولا على ركائز فلسفية ابداعية.. ثمة مناهج متطورة اليوم في العلوم التاريخية تجهلها اقسام التاريخ في جامعاتنا العربية، ومنها المنهج الكمي (الذي يعتمد اليوم الحاسب الالكتروني) والمنهج الوظيفي والمنهج التفكيكي.. بحيث يمكننا ان نشارك فعلا في ما يسمّى حقيقة بـ " المعرفة التاريخية ".. هناك ايضا لدينا نقص في تخصصات نادرة ومعقّدة وهذا يشكل نقص فاضح في معرفتنا بتواريخ شعوب ومجتمعات اخرى مثل تواريخ آسيوية واسعة ومتنوعة وتواريخ اوروبا الوسيطة والحديثة وتواريخ الامريكيتين وتواريخ العلاقات المتوسطية وتواريخ المدن والمحليات.. هناك عقم في الجغرافيا التاريخية والتواريخ الاجتماعية والاقتصادية والثقافية..
&
الطريق الى بناء المعنى يبدأ من بوابة الكشف عن الغايات والمقاصد، الى أي حد قيض للوعي العربي أن يقترب من موضوعة الحركة التاريخية؟
- لقد استخدم مصطلح (الوعي العربي) منذ خمسين سنة عند العرب زورا وبهتانا.. فاذا كان العرب لم يصلوا على امتداد قرن كامل لوظيفة الادراك والادراك المتبادل.. فكيف تريدهم الوصول الى مرحلة الوعي.. لقد كتب جملة كبيرة من الكتاب العرب منذ الخمسينيات والستينيات عن "الوعي" وصنوفه "وعي طبقي" و"وعي وطني" و"وعي قومي" و"وعي سياسي" و"وعي مرحلي" و"وعي ثقافي".. الخ ولكن من دون ان يدرك اولئك الكتاب او من كان منهم يترجم المصطلحات وينشر بالعربية او ذاك الذي كان يؤدلج الافكار الاوربية ويكتبها باسلوب عادي بالعربية.. دون ان يدركوا بأن "الوعي" مصطلحا ومفهوما لا يقصد به ما يشعر به البعض من المثقفين النخبويين او اولئك الساسة المؤدلجون العرب.. الوعي كما تقرره اغلب المعاجم والقواميس العالمية هو حالة تتفوق على حالة الادراك بالاشياء والمعاني لدى جميع ابناء الامة بعد ان يكونوا قد وصلوا شأوا من الاقتناع بها قناعة تامة والعمل بها على المستوى العام. وانها ليست مسألة (وعي مغّيب) بل استطيع وصفها بحالات " اللاوعي ".. واذا كانت ابسط الامور العادية يجهلها ابناء المجتمع العربي، فكيف تريد منهم امتلاك وعي عربي يقترب من موضوعة الحركة التاريخية؟ كنت اتمنى ان يستفيد العرب والامم المجاورة من منجزات القرن العشرين وهي بالغة الاهمية وقد استطاعت شعوبا اخرى ان تتجاوز هذه " الموضوعة " بأن تخلق لنفسها " حركة تاريخية تشارك العالم كله بها.. في حين لم يزل العرب ومن يجاورهم من الشعوب يدورون دورتهم ولا يحركون الا دولابهم المتهرىء دورته العادية! فعن اي وعي تتحدث اذا ما سمعت من يقول عبر القرن العشرين ويلوك مصطلحات ومفاهيم من دون دراية بما يقول: "النهضة العربية" و"الثورة العربية " و"الصراع الطبقي" و"الوعي القومي" و"المشروع الحضاري" و"الصحوة الاسلامية ".. الخ واتساءل: اين ولت وذهبت مثل هذه المصطلحات التي زاولها المثقفون والسياسيون العرب على امتداد قرن كامل؟ وهل ثمة مفهوم واحد صدق في رؤيته وتوظيفه من اجل بناء المجتمع العربي وتقّدمه؟؟ ان "الوعي" حالة لا يمكن فرزها ومعرفتها الا عندما تدرك قدرة المجتمع على تصنيف نفسه ضمن مجموعات الرأي.. او تدركها من خلال حجم قناعات المجتمع باختيار حكامها وممثليها! ويمكن ادراكها من قدرة الطبقة العاملة في فرض مطاليبها على الحكومة ان كان هناك طبقة عمالية حقيقية عند العرب؟! ويمكن ادراكها من قوة صناعة القوى البشرية في المجتمع! ويمكن ادراكها من عدد ما يوزع من كتاب معين! ويمكن ادراكها كم حصل العرب على براءات اختراع في العالم! ويمكن ادراكها من صراحة نواب في البرلمان في محاسبة وزير! ويمكن ادراكها من قوة اعلام نظيف محايد من مسألة معينة! ويمكن ادراكها من عملية او طريقة فرز الاصوات! ويمكن ادراكها من قوة النظام الاجتماعي.. الخ عند ذاك يمكننا ان نتحدث عن دورنا في وعي العرب ودورهم في الحركة التاريخية.
- لقد استخدم مصطلح (الوعي العربي) منذ خمسين سنة عند العرب زورا وبهتانا.. فاذا كان العرب لم يصلوا على امتداد قرن كامل لوظيفة الادراك والادراك المتبادل.. فكيف تريدهم الوصول الى مرحلة الوعي.. لقد كتب جملة كبيرة من الكتاب العرب منذ الخمسينيات والستينيات عن "الوعي" وصنوفه "وعي طبقي" و"وعي وطني" و"وعي قومي" و"وعي سياسي" و"وعي مرحلي" و"وعي ثقافي".. الخ ولكن من دون ان يدرك اولئك الكتاب او من كان منهم يترجم المصطلحات وينشر بالعربية او ذاك الذي كان يؤدلج الافكار الاوربية ويكتبها باسلوب عادي بالعربية.. دون ان يدركوا بأن "الوعي" مصطلحا ومفهوما لا يقصد به ما يشعر به البعض من المثقفين النخبويين او اولئك الساسة المؤدلجون العرب.. الوعي كما تقرره اغلب المعاجم والقواميس العالمية هو حالة تتفوق على حالة الادراك بالاشياء والمعاني لدى جميع ابناء الامة بعد ان يكونوا قد وصلوا شأوا من الاقتناع بها قناعة تامة والعمل بها على المستوى العام. وانها ليست مسألة (وعي مغّيب) بل استطيع وصفها بحالات " اللاوعي ".. واذا كانت ابسط الامور العادية يجهلها ابناء المجتمع العربي، فكيف تريد منهم امتلاك وعي عربي يقترب من موضوعة الحركة التاريخية؟ كنت اتمنى ان يستفيد العرب والامم المجاورة من منجزات القرن العشرين وهي بالغة الاهمية وقد استطاعت شعوبا اخرى ان تتجاوز هذه " الموضوعة " بأن تخلق لنفسها " حركة تاريخية تشارك العالم كله بها.. في حين لم يزل العرب ومن يجاورهم من الشعوب يدورون دورتهم ولا يحركون الا دولابهم المتهرىء دورته العادية! فعن اي وعي تتحدث اذا ما سمعت من يقول عبر القرن العشرين ويلوك مصطلحات ومفاهيم من دون دراية بما يقول: "النهضة العربية" و"الثورة العربية " و"الصراع الطبقي" و"الوعي القومي" و"المشروع الحضاري" و"الصحوة الاسلامية ".. الخ واتساءل: اين ولت وذهبت مثل هذه المصطلحات التي زاولها المثقفون والسياسيون العرب على امتداد قرن كامل؟ وهل ثمة مفهوم واحد صدق في رؤيته وتوظيفه من اجل بناء المجتمع العربي وتقّدمه؟؟ ان "الوعي" حالة لا يمكن فرزها ومعرفتها الا عندما تدرك قدرة المجتمع على تصنيف نفسه ضمن مجموعات الرأي.. او تدركها من خلال حجم قناعات المجتمع باختيار حكامها وممثليها! ويمكن ادراكها من قدرة الطبقة العاملة في فرض مطاليبها على الحكومة ان كان هناك طبقة عمالية حقيقية عند العرب؟! ويمكن ادراكها من قوة صناعة القوى البشرية في المجتمع! ويمكن ادراكها من عدد ما يوزع من كتاب معين! ويمكن ادراكها كم حصل العرب على براءات اختراع في العالم! ويمكن ادراكها من صراحة نواب في البرلمان في محاسبة وزير! ويمكن ادراكها من قوة اعلام نظيف محايد من مسألة معينة! ويمكن ادراكها من عملية او طريقة فرز الاصوات! ويمكن ادراكها من قوة النظام الاجتماعي.. الخ عند ذاك يمكننا ان نتحدث عن دورنا في وعي العرب ودورهم في الحركة التاريخية.
&
في كتابك (المجايلة التاريخية-فلسفة التكوين التاريخي)، يلحظ القارئ المزيد من الاجتهادات، لعل الأبرز فيها؛ فكرة المجايلة ذاتها، طريقة استخدام الحاسب الالكتروني، المنهج التاريخي الكمي، المعرفة التطبيقية.هذا التنوع والانفتاح هل يقوم فقط على(الانتقال من متاهات الفلسفة المعقدة ومشاكلها الى سوسيولوجيا المعرفة)، أم أنه تأسيس، أو لنقل تأصيل منهجي يسعى الى ترسيخ خصوصية رؤيوية؟
- انه الاستنتاج الثاني.. لا اقول انه تأسيس بل دعني اقول انه محاولة في التأسيس لفلسفة تاريخ جديدة تتخذ من التحقيب التاريخي ميدانا لها خصوصا وان العالم يهتم منذ عشر سنوات بمسألة التحقيب Per iodizationولعل اهم من يهتم بها اليوم البعض من المؤرخين وفلاسفة التاريخ الامريكان امثال (جيري بنتلي واندرو فرانك وروس ي. دن وبيتر ستيرنز ووليم كرين وفيليب غورتن وجين شنايدر وغيرهم ). علما بأن التحقيب ميدان حقيقي في التاريخ اهتم به العرب القدماء كثيرا.. لقد وجدت ان من ابرز اسباب ترسيخ منهج الرؤيوية التي تقوم على استبطان التاريخ لتأسيس تفكير من نوع جديد لابد ان تخدمه جدا مسألة التحقيب.. اي باختصار كما وصفتها (تأصيل منهجي) ولكن النظرية هي التي يستوجب فهمها وادراكها.. اتمنى ان يعتني المؤرخون العرب بمسألة التحقيب التاريخي.. فليس لدينا الان محقبون ولا فلاسفة للتاريخ ابدا.. سيكون لنظرية سلاسل الاجيال في التاريخ كما اعتقد شأن في المستقبل عندما يستوعبها الوعي التاريخي وخصوصا عند اجيال القرن الواحد والعشرين.. وستكون علاجا للعديد من المشكلات التاريخية التي يعاني منها الزمن العربي المعاصر وما ستعاني منه الاجيال القادمة من ترسّبات ماضويات القرن العشرين.
- انه الاستنتاج الثاني.. لا اقول انه تأسيس بل دعني اقول انه محاولة في التأسيس لفلسفة تاريخ جديدة تتخذ من التحقيب التاريخي ميدانا لها خصوصا وان العالم يهتم منذ عشر سنوات بمسألة التحقيب Per iodizationولعل اهم من يهتم بها اليوم البعض من المؤرخين وفلاسفة التاريخ الامريكان امثال (جيري بنتلي واندرو فرانك وروس ي. دن وبيتر ستيرنز ووليم كرين وفيليب غورتن وجين شنايدر وغيرهم ). علما بأن التحقيب ميدان حقيقي في التاريخ اهتم به العرب القدماء كثيرا.. لقد وجدت ان من ابرز اسباب ترسيخ منهج الرؤيوية التي تقوم على استبطان التاريخ لتأسيس تفكير من نوع جديد لابد ان تخدمه جدا مسألة التحقيب.. اي باختصار كما وصفتها (تأصيل منهجي) ولكن النظرية هي التي يستوجب فهمها وادراكها.. اتمنى ان يعتني المؤرخون العرب بمسألة التحقيب التاريخي.. فليس لدينا الان محقبون ولا فلاسفة للتاريخ ابدا.. سيكون لنظرية سلاسل الاجيال في التاريخ كما اعتقد شأن في المستقبل عندما يستوعبها الوعي التاريخي وخصوصا عند اجيال القرن الواحد والعشرين.. وستكون علاجا للعديد من المشكلات التاريخية التي يعاني منها الزمن العربي المعاصر وما ستعاني منه الاجيال القادمة من ترسّبات ماضويات القرن العشرين.
&
من أين يبدأ الترميم؟ أم التجذير، لاسيما وأن العالم بات يعيش وطيس صراع الحضارات أم حوارها، الشرعية الدولية، حقوق الإنسان،الإرهاب، العولمة، الديمقراطية، الشفافية، سقوط الأيديولوجيا. هل يمكن الوقوف على إضاءات قوامها التكيف والتفكير، من دون الوقوع في دوامة استبدال الطغيان المحلي بآخر عالمي.
- ما دامت هناك شعوبا ضعيفة ومجتمعات منهكة في هذا العالم الذي حّلت فيه مركزية القطب الواحد.. فليس هناك من خيار امامها الا ان تستجيب للتحديات التي يفرضها عليها هذا العصر. ان ثمة مراجعات نقدية لما كان قد حصل قبل خمسين سنة من حياة الحرب الباردة وصراع الشرق والغرب او ما سمي بالشيوعية العالمية والامبريالية الغربية ستخلص منها ان انقسام العالم كان قويا ويعيش على هوامشه العالم الثالث بكل ابتساراته وخوره وضعفه.. ولم تعد كل تلك الشعارات التي زيّنت دول العالم الثالث شوارعها وجدرانها الا محض هراء! لم يكن اي حياد ايجابي ولا عدم انحياز.. كلها اكذوبات مررت على شعوب كاملة نحرت نفسها من اجل الاستقلالات الوطنية والحريات والديمقراطيات.. في حين كانت الحقائق التاريخية قد زيفها الحكام والحكومات وحتى الاحزاب.. وأوهمت الشعوب كثيرا في حين كانت هناك علاقات وارتباطات سياسية ودسائس مخابراتية اثمرت عن حركات وجماعات وانقلابات ومؤامرات على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين!!! ما نحتاجه اليوم هو الوعي بالذي كان وبالذي يحصل وبالذي سيكون.. المسألة ليست مجرد طغيان محلي او عالمي.. وكأن الجميع ابرياء من عفن التاريخ! هل مشكلات واشكاليات مثل الوعي والادراك المتبادل والشفافية والاصلاحية والديمقراطية والفيدرالية والعولمة والغات وحقوق الانسان.. الخ يدركها الساسيون والمثقفون العرب ويعملون بها قبل ان نجعلها شعارات جماهيرية او دكاكين سياسية للمتاجرة بها.. السؤال القوي الان: هل نحن ومن يشابهنا من الشعوب بحاجة الى تفكير ووعي جديدين بالمصائر وبالايام القادمة ام لا؟
- ما دامت هناك شعوبا ضعيفة ومجتمعات منهكة في هذا العالم الذي حّلت فيه مركزية القطب الواحد.. فليس هناك من خيار امامها الا ان تستجيب للتحديات التي يفرضها عليها هذا العصر. ان ثمة مراجعات نقدية لما كان قد حصل قبل خمسين سنة من حياة الحرب الباردة وصراع الشرق والغرب او ما سمي بالشيوعية العالمية والامبريالية الغربية ستخلص منها ان انقسام العالم كان قويا ويعيش على هوامشه العالم الثالث بكل ابتساراته وخوره وضعفه.. ولم تعد كل تلك الشعارات التي زيّنت دول العالم الثالث شوارعها وجدرانها الا محض هراء! لم يكن اي حياد ايجابي ولا عدم انحياز.. كلها اكذوبات مررت على شعوب كاملة نحرت نفسها من اجل الاستقلالات الوطنية والحريات والديمقراطيات.. في حين كانت الحقائق التاريخية قد زيفها الحكام والحكومات وحتى الاحزاب.. وأوهمت الشعوب كثيرا في حين كانت هناك علاقات وارتباطات سياسية ودسائس مخابراتية اثمرت عن حركات وجماعات وانقلابات ومؤامرات على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين!!! ما نحتاجه اليوم هو الوعي بالذي كان وبالذي يحصل وبالذي سيكون.. المسألة ليست مجرد طغيان محلي او عالمي.. وكأن الجميع ابرياء من عفن التاريخ! هل مشكلات واشكاليات مثل الوعي والادراك المتبادل والشفافية والاصلاحية والديمقراطية والفيدرالية والعولمة والغات وحقوق الانسان.. الخ يدركها الساسيون والمثقفون العرب ويعملون بها قبل ان نجعلها شعارات جماهيرية او دكاكين سياسية للمتاجرة بها.. السؤال القوي الان: هل نحن ومن يشابهنا من الشعوب بحاجة الى تفكير ووعي جديدين بالمصائر وبالايام القادمة ام لا؟
&
المفترق التاريخي الذي يعيش في كنفه العراقيون، حيث المزدوجات المقلقة حول ؛الاحتلال والتحرير، والإرهاب، الحرية والفوضى. ثنائيات من المفاهيم التي تثقل على الواقع العراقي،الى الحد الذي يكون فيه من الصعب الخروج بتصور واضح، أين بتقديركم تكمن مساحة الفرز والفصل؟
&- تقديم الاهم على المهم حسب ما يريده الناس.. هل لدى العراقيين اليوم اهم من الوازع الامني والاستقرار السياسي من اجل اعادة ترتيب اوضاع البيت العراقي الذي خرج من حرب قاسية اعقبت نظام حكم جائر سحق الوجود العراقي في الصميم وغّير حتى عادات العراقيين واخلاقياتهم وسلوكياتهم بشكل لا يمكن تصديقه! انني ادرك ان هناك دوامتين داخليتين يعيشها العراقيون ازاء معضلتين اثنيتن اولاهما المعضلة الامنية وافتقاد الحد الادنى من الاستقرار ثم هناك هيمنة المحتل وسيطرة قوى التحالف على الاوضاع. اولى الدوامتين: تعدد الاجندة السياسية العراقية وتصادمها بين مختلف الفصائل الدينية والمذهبية والعرقية.. وثاني الدوامتين: احساس الكل بالسعي لنيل منصب او تقلد مسؤولية وما يجري وسيجري لاحقا واستخدام المحسوبيات والمنسوبيات والطائفيات وكل ما يخدم المصالح الفردية والفئوية كالتي اعتاد عليها العراقيون منذ ازمان طويلة.. وان الرجل المناسب في المكان المناسب مجرد اكذوبة لا تصلح في العراق!! ارجع فأقول: ان هناك هما عراقيا واحدا لدى جميع العراقيين يكمن في الورقة الامنية والخلاص من عمليات التفجير والقتل واخذ الثارات وتفخيخ السيارات والعمليات الانتحارية التي تبعد العراق عن مسيرته والعراقيين عن مصالحهم وفرص تقدمهم وابقاء المحتل الى اجل غير محدود! فهل باستطاعة العراقيين حماية العراق وهل يمكنهم اجتثاث كل المخربين والمتعصبين؟ هل من ادانات عربية صريحة لما يجري في العراق من عمليات ارهابية تستهدف العراقيين قبل غيرهم؟؟
&- تقديم الاهم على المهم حسب ما يريده الناس.. هل لدى العراقيين اليوم اهم من الوازع الامني والاستقرار السياسي من اجل اعادة ترتيب اوضاع البيت العراقي الذي خرج من حرب قاسية اعقبت نظام حكم جائر سحق الوجود العراقي في الصميم وغّير حتى عادات العراقيين واخلاقياتهم وسلوكياتهم بشكل لا يمكن تصديقه! انني ادرك ان هناك دوامتين داخليتين يعيشها العراقيون ازاء معضلتين اثنيتن اولاهما المعضلة الامنية وافتقاد الحد الادنى من الاستقرار ثم هناك هيمنة المحتل وسيطرة قوى التحالف على الاوضاع. اولى الدوامتين: تعدد الاجندة السياسية العراقية وتصادمها بين مختلف الفصائل الدينية والمذهبية والعرقية.. وثاني الدوامتين: احساس الكل بالسعي لنيل منصب او تقلد مسؤولية وما يجري وسيجري لاحقا واستخدام المحسوبيات والمنسوبيات والطائفيات وكل ما يخدم المصالح الفردية والفئوية كالتي اعتاد عليها العراقيون منذ ازمان طويلة.. وان الرجل المناسب في المكان المناسب مجرد اكذوبة لا تصلح في العراق!! ارجع فأقول: ان هناك هما عراقيا واحدا لدى جميع العراقيين يكمن في الورقة الامنية والخلاص من عمليات التفجير والقتل واخذ الثارات وتفخيخ السيارات والعمليات الانتحارية التي تبعد العراق عن مسيرته والعراقيين عن مصالحهم وفرص تقدمهم وابقاء المحتل الى اجل غير محدود! فهل باستطاعة العراقيين حماية العراق وهل يمكنهم اجتثاث كل المخربين والمتعصبين؟ هل من ادانات عربية صريحة لما يجري في العراق من عمليات ارهابية تستهدف العراقيين قبل غيرهم؟؟
&
عاش العراق مخاضا عسيرا من الأحداث والتحولات، تجعل من العالم طرا، يوجه أنظاره بتركيز وعمق، منتظرا النتاج المعرفي الذي يليق بمثل هذه أوجاع ومخاضات، على مدى مجال التخصص، ألا يمكن النهوض بمشروع معرفي تاريخي، يقف عليه مجموعة من الباحثين والأكاديميين العراقيين الذين عاشوا وتفاعلوا مع هذه الأحداث الجسام، والتي تجعل من هذا الوطن ((العراق)) على المحك،مشروع يكون على شكل جمعية تاريخية، أو لنقل اتجاه معرفي تاريخي، يطلق عليه مسمى((مدرسة بغداد التاريخية الجديدة)).
- هكذا مشروعات معرفية اعمارها طويلة وهي لا تنعكس بايجابياتها على العراق والعراقيين بسرعة كما هو حال المشروعات السياسية والاقتصادية والاعمارية التي يحتاجها العراق اليوم. ان مشروع قبول العراق قبل ايام عضوا في منظمة التجارة العالمية (الغات) عضوا مراقبا، ثم قبوله عضوا فعالا مشاركا بعد تأسيس حكومته الوطنية سبق غيره من البلدان التي تنتظر دورها منذ عشر سنوات مثل ايران. ان هكذا مشروع مثلا سيتقّدم بالعراق خطوات اقتصادية هائلة نحو الامام. وهناك مشروعات اكثر حيوية وفاعلية من مشروعات معرفية ربما ستنبثق ولكن بعد استعادة الاكاديميون العراقيون في الداخل مكانتهم العلمية من خلال ما ينتجوه من الاعمال التي لها تأثير دولي.. انني آمل ان تتشكل في العراق جمعيات علمية ورابطات فكرية ونسوية ونقابات مهنية وكل ما يأخذ بيد المجتمع العراقي نحو الامام.. ولكن يبدو لي ان احداث بدايات القرن الواحد والعشرين التي انطلقت من العراق في العام 2003 ستشّكل علامات تاريخية فارقة في حياة العراقيين وتفكيرهم.. انها صدمة قوية صاعقة ستجعلهم يفكرون مليا في كل تلك المشروعات البائسة التي نالت منهم في القرن العشرين.. وهذا ما ستبصره الاجيال القادمة في العراق. اما اجيال القرن العشرين فمن تبّقى منها سيرحل عاجلا ام آجلا ويترك كل تجاربه المريرة لمن يخلفه من اجيال عراقية اعتقد انها ستمتلك وعيا تاريخيا بكل ما حصل تحت مسميات وشعارات ومؤامرات وبيانات وخطب سياسية.. الخ اضرت العراق ومستقبله! واستطيع القول ان ليس من السهولة تأسيس مدرسة تاريخية عراقية.. لأن لا يوجد حتى اليوم اي مدرسة تاريخية عربية في اي بلد عربي، ولكن اتأمل ان تكون للعراقيين مدرستهم المعرفية ولكن بعد عشرات السنين! فالمشكلات التي تعاني منها بلداننا لا يمكن ان تحل في يوم وليلة.. فهي قد ورثت تركة ثقيلة جدا عبر قرون سالفة وان التخلّص من تبعاتها وآثارها وسوالبها سيستغرق زمنا طويلا.. انني لست متشائما جدا، ولكن ربما ستغدو الاجيال الثلاثة القادمة في القرن الواحد والعشرين افضل من اجيال القرن العشرين وهذا ما يدعوني قليلا بالتفاؤل.
- هكذا مشروعات معرفية اعمارها طويلة وهي لا تنعكس بايجابياتها على العراق والعراقيين بسرعة كما هو حال المشروعات السياسية والاقتصادية والاعمارية التي يحتاجها العراق اليوم. ان مشروع قبول العراق قبل ايام عضوا في منظمة التجارة العالمية (الغات) عضوا مراقبا، ثم قبوله عضوا فعالا مشاركا بعد تأسيس حكومته الوطنية سبق غيره من البلدان التي تنتظر دورها منذ عشر سنوات مثل ايران. ان هكذا مشروع مثلا سيتقّدم بالعراق خطوات اقتصادية هائلة نحو الامام. وهناك مشروعات اكثر حيوية وفاعلية من مشروعات معرفية ربما ستنبثق ولكن بعد استعادة الاكاديميون العراقيون في الداخل مكانتهم العلمية من خلال ما ينتجوه من الاعمال التي لها تأثير دولي.. انني آمل ان تتشكل في العراق جمعيات علمية ورابطات فكرية ونسوية ونقابات مهنية وكل ما يأخذ بيد المجتمع العراقي نحو الامام.. ولكن يبدو لي ان احداث بدايات القرن الواحد والعشرين التي انطلقت من العراق في العام 2003 ستشّكل علامات تاريخية فارقة في حياة العراقيين وتفكيرهم.. انها صدمة قوية صاعقة ستجعلهم يفكرون مليا في كل تلك المشروعات البائسة التي نالت منهم في القرن العشرين.. وهذا ما ستبصره الاجيال القادمة في العراق. اما اجيال القرن العشرين فمن تبّقى منها سيرحل عاجلا ام آجلا ويترك كل تجاربه المريرة لمن يخلفه من اجيال عراقية اعتقد انها ستمتلك وعيا تاريخيا بكل ما حصل تحت مسميات وشعارات ومؤامرات وبيانات وخطب سياسية.. الخ اضرت العراق ومستقبله! واستطيع القول ان ليس من السهولة تأسيس مدرسة تاريخية عراقية.. لأن لا يوجد حتى اليوم اي مدرسة تاريخية عربية في اي بلد عربي، ولكن اتأمل ان تكون للعراقيين مدرستهم المعرفية ولكن بعد عشرات السنين! فالمشكلات التي تعاني منها بلداننا لا يمكن ان تحل في يوم وليلة.. فهي قد ورثت تركة ثقيلة جدا عبر قرون سالفة وان التخلّص من تبعاتها وآثارها وسوالبها سيستغرق زمنا طويلا.. انني لست متشائما جدا، ولكن ربما ستغدو الاجيال الثلاثة القادمة في القرن الواحد والعشرين افضل من اجيال القرن العشرين وهذا ما يدعوني قليلا بالتفاؤل.
&
الى أي حد يمكن تقبل النقد المعرفي في الفضاء العربي، خصوصا وأنك خضت مجال النقد المعرفي، كما في كتابك: ((تفكيك هيكل))؟
- هذه اضحوكة.. بل قل عنها يا عزيزي انها نكتة ثقيلة في ان يتّقبل الفضاء العربي النقد الادبي وتكون لهم فيه مشاربهم واساليبهم حتى يتقبل ذلك الفضاء النقد المعرفي! فضاؤك اخي العربي هو رهين مؤدلجات وشعارات ومعلومات خاطئة وانشائيات وتعابير وعواطف وسياسات وخطب رنانة ومواعظ دينية وقصائد شعرية شعبية في اغلبها واغاني معظمها واطئة.. فضاؤك العربي يا اخي تستهويه الاكاذيب الصحفية والمفبركات والحيل ليس هناك مصداقية واضحة الا لدى البعض النادر من هنا وهناك.. ربما يعترفون بأن هناك نقدا معرفيا، ولكن ما دامت المعرفة نقيض الايديولوجية وان الادلجة تخرم كل التفكير العربي، فليس هناك اي اهتمام بالنقد المعرفي، بل قل ان العرب لا يعرفون معنى النقد المعرفي وتصحيح المعلومات.. ان عواطفهم مع الاخطاء وتداول المعلومات المزوّرة والكاذبة والعنعنات والتهويلات والمدائح وايات التبجيل والتفخيم.. الخ انها مشكلة تفكير لا اكثر ولا اقل! اتمنى ان تتطور نزعة النقد المعرفي عند العرب.. اتمنى ان تدرك الاجيال الجديدة بأن لا حياة لهم في المستقبل من دون ممارسة النقد المعرفي وان يصحح كل شخص مواد الاول وهكذا وان اي تقدم سوف لا يسجل لصالح الامة من دون تطوير اساليب النقد المعرفي فيها.
- هذه اضحوكة.. بل قل عنها يا عزيزي انها نكتة ثقيلة في ان يتّقبل الفضاء العربي النقد الادبي وتكون لهم فيه مشاربهم واساليبهم حتى يتقبل ذلك الفضاء النقد المعرفي! فضاؤك اخي العربي هو رهين مؤدلجات وشعارات ومعلومات خاطئة وانشائيات وتعابير وعواطف وسياسات وخطب رنانة ومواعظ دينية وقصائد شعرية شعبية في اغلبها واغاني معظمها واطئة.. فضاؤك العربي يا اخي تستهويه الاكاذيب الصحفية والمفبركات والحيل ليس هناك مصداقية واضحة الا لدى البعض النادر من هنا وهناك.. ربما يعترفون بأن هناك نقدا معرفيا، ولكن ما دامت المعرفة نقيض الايديولوجية وان الادلجة تخرم كل التفكير العربي، فليس هناك اي اهتمام بالنقد المعرفي، بل قل ان العرب لا يعرفون معنى النقد المعرفي وتصحيح المعلومات.. ان عواطفهم مع الاخطاء وتداول المعلومات المزوّرة والكاذبة والعنعنات والتهويلات والمدائح وايات التبجيل والتفخيم.. الخ انها مشكلة تفكير لا اكثر ولا اقل! اتمنى ان تتطور نزعة النقد المعرفي عند العرب.. اتمنى ان تدرك الاجيال الجديدة بأن لا حياة لهم في المستقبل من دون ممارسة النقد المعرفي وان يصحح كل شخص مواد الاول وهكذا وان اي تقدم سوف لا يسجل لصالح الامة من دون تطوير اساليب النقد المعرفي فيها.
&
دكتور سيار دعني اسألك واسترسل مع جرأتك اذ يقال الكثير عن " رجل التاريخ " في تعيين موقفه ومواصفات عمله: يجب أن يكون موضوعيا.. ومحايدا.. أن ينقل الواقع.. وأن يحرص على تدوين ما حدث (بوصف عمله عملا متصلا اتصالا عضويا بالماضي). في حين أن عملية التحليل " التي يقوم بها رجل فكر ونقد معرفي من طرازك لا يمكن أن تتم بمعزل عن رأيك ووجهة نظرك، وفرض محددات وعيك ومواقفك أيضا. فماذا تقول؟
ـ لابد أن أقول الكثير، ولكنني سأختزل كلمتي علما بأنني لا أريد أن أتحدث عن نفسي أبدا ولا اريد أن أقيم أعمالي العلمية والفكرية، فربما سيأتي من بعدنا ناس من غير هذا الزمان في المستقبل ليقولوا كلمتهم في ما يكتبه المؤرخون والمفكرون العرب اليوم. هناك العشرات من المؤرخين العرب الذين ازداد عددهم في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد كتبوا في تواريخنا الاسلامية والعربية والحديثة والمعاصرة، ولكن هناك القليل منهم من قام بمهمة توظيف تلك التواريخ وهي من اشق المهام وأصعبها.. هناك فرق بين من يكتب التاريخ وبين من يؤرخ الماضي! هناك فرق بين من يسرد الاحداث ويركب الوقائع وبين من يحلل التاريخ ويفلسف الاطوار! هناك فرق بين من يتشرنق في اطار الماضي ويعيش في طياته وبين من يعيش حياة العصر من خلال فهمه لانساق الماضي! كنت أتمنى ان يجد العدد الغفير من مؤرخينا العرب المعاصرين وسيلة اخرى للعيش والتكسب والتوظف بدل ان يكتبوا التاريخ! كنت أتمنى أن تعتني مؤسساتنا العلمية بصناعة المؤرخ الجاد الذي باستطاعته امتلاك الاداة والوسيلة ومن قبلهما الوعي والمقدرة على الفهم! وكنت أتمنى على عدد كبيرمن مؤرخينا أن لا يوظفوا بعض اعمالهم لاغراض ايديولوجية وسياسية وعقائدية ومذهبية ويبقوا في قنوات ضيقة بعيدا عن المنهج العلمي والتفكير العلمي واشتراطاتهما من موضوعية وحيادية ودقة وعدم انحياز!
ـ لابد أن أقول الكثير، ولكنني سأختزل كلمتي علما بأنني لا أريد أن أتحدث عن نفسي أبدا ولا اريد أن أقيم أعمالي العلمية والفكرية، فربما سيأتي من بعدنا ناس من غير هذا الزمان في المستقبل ليقولوا كلمتهم في ما يكتبه المؤرخون والمفكرون العرب اليوم. هناك العشرات من المؤرخين العرب الذين ازداد عددهم في النصف الثاني من القرن العشرين، وقد كتبوا في تواريخنا الاسلامية والعربية والحديثة والمعاصرة، ولكن هناك القليل منهم من قام بمهمة توظيف تلك التواريخ وهي من اشق المهام وأصعبها.. هناك فرق بين من يكتب التاريخ وبين من يؤرخ الماضي! هناك فرق بين من يسرد الاحداث ويركب الوقائع وبين من يحلل التاريخ ويفلسف الاطوار! هناك فرق بين من يتشرنق في اطار الماضي ويعيش في طياته وبين من يعيش حياة العصر من خلال فهمه لانساق الماضي! كنت أتمنى ان يجد العدد الغفير من مؤرخينا العرب المعاصرين وسيلة اخرى للعيش والتكسب والتوظف بدل ان يكتبوا التاريخ! كنت أتمنى أن تعتني مؤسساتنا العلمية بصناعة المؤرخ الجاد الذي باستطاعته امتلاك الاداة والوسيلة ومن قبلهما الوعي والمقدرة على الفهم! وكنت أتمنى على عدد كبيرمن مؤرخينا أن لا يوظفوا بعض اعمالهم لاغراض ايديولوجية وسياسية وعقائدية ومذهبية ويبقوا في قنوات ضيقة بعيدا عن المنهج العلمي والتفكير العلمي واشتراطاتهما من موضوعية وحيادية ودقة وعدم انحياز!
&
وهناك من ينادي باعادة كتابة التاريخ؟
- أرجع لاقول بأن كتابة التاريخ ليس عملية اعتباطية وساذجة وتركيب سرديات دون أي تمايزات ودون أي اشتراطات. انها عملية ذكية ومعقدة وخصوصا في عمليات التحليل في كشف الاسباب والمسببات.. العلل والمعلولات من اجل التوصل الى الاستنتاجات. مع الاسف على امتداد خمسين سنة لم يدخل اقسام التاريخ في جامعاتنا الا اصحاب المعدلات الواطئة واغلبهم من دون رغبة جامحة في علم التاريخ ومن دون موهبة او قدرة في صقل موهبة ولا حتى ذاكرة.. والمؤرخ هو الوحيد بين العلماء الذين بحاجة الى ذاكرة حادة وبحاجة ماسة الى اختراق انساق الماضي لاستحضارها وتوظيفها بسرعة سواء باسلوب شفاهي ام تحريري. وأخيرا، دعني اخبرك سيدي بأن المؤرخ بحاجة الى كل هذا وذاك.. فكيف يمكن للمؤرخ أن ينتقل من طوره التحليلي الى تفكيره الفلسفي اذ ان هناك فرق كبير بين المؤرخ وبين فيلسوف التاريخ. هذا الاخير لا يمكن ان يصل الى مكانته الا من تفوق بتفكيره كي ينتقل من العمل في تحليل الاحداث والوقائع التاريخية الى التفكير والكتابة في الاطوار والظواهر التاريخية. القاعدة في أي مكان من الدنيا في الماضي والحاضر قد يبقى المؤرخ ممتازا وجادا وموضوعيا عمره كله، ولكن ليست لديه القدرة في ان يغدو فيلسوفا في التاريخ.. ومن الصعوبة بمكان أن تجد في دنيانا العربية اليوم هذا الاستثناء، وحتى ان وجد فاما أن يحارب من قبل اقرانه وأما ان يهاجر نحو الشتات واما ان يموت مبكرا في عز الشباب وأما ان تغبن حقوقه ولا تعرف مكانته الا بعد ازمان.. وما ابن خلدون وتجربته الا أحد الامثلة على ما اقول! باختصار اود القول بأن التفكير في التاريخ هو الاصل، ولا يمكنني أن أكتب تاريخا من دون أن تكون لي وجهة نظر فيه ولكن بعد الوعي به.. ومن خلال ذلك تتحدد مواقفي بعيدا عن السرد اوالتشرنق او العزلة او التخندق.. وعن كل ما يبعد المؤرخ عن فهم الماضي والتعامل معه على هذا الاساس.
- أرجع لاقول بأن كتابة التاريخ ليس عملية اعتباطية وساذجة وتركيب سرديات دون أي تمايزات ودون أي اشتراطات. انها عملية ذكية ومعقدة وخصوصا في عمليات التحليل في كشف الاسباب والمسببات.. العلل والمعلولات من اجل التوصل الى الاستنتاجات. مع الاسف على امتداد خمسين سنة لم يدخل اقسام التاريخ في جامعاتنا الا اصحاب المعدلات الواطئة واغلبهم من دون رغبة جامحة في علم التاريخ ومن دون موهبة او قدرة في صقل موهبة ولا حتى ذاكرة.. والمؤرخ هو الوحيد بين العلماء الذين بحاجة الى ذاكرة حادة وبحاجة ماسة الى اختراق انساق الماضي لاستحضارها وتوظيفها بسرعة سواء باسلوب شفاهي ام تحريري. وأخيرا، دعني اخبرك سيدي بأن المؤرخ بحاجة الى كل هذا وذاك.. فكيف يمكن للمؤرخ أن ينتقل من طوره التحليلي الى تفكيره الفلسفي اذ ان هناك فرق كبير بين المؤرخ وبين فيلسوف التاريخ. هذا الاخير لا يمكن ان يصل الى مكانته الا من تفوق بتفكيره كي ينتقل من العمل في تحليل الاحداث والوقائع التاريخية الى التفكير والكتابة في الاطوار والظواهر التاريخية. القاعدة في أي مكان من الدنيا في الماضي والحاضر قد يبقى المؤرخ ممتازا وجادا وموضوعيا عمره كله، ولكن ليست لديه القدرة في ان يغدو فيلسوفا في التاريخ.. ومن الصعوبة بمكان أن تجد في دنيانا العربية اليوم هذا الاستثناء، وحتى ان وجد فاما أن يحارب من قبل اقرانه وأما ان يهاجر نحو الشتات واما ان يموت مبكرا في عز الشباب وأما ان تغبن حقوقه ولا تعرف مكانته الا بعد ازمان.. وما ابن خلدون وتجربته الا أحد الامثلة على ما اقول! باختصار اود القول بأن التفكير في التاريخ هو الاصل، ولا يمكنني أن أكتب تاريخا من دون أن تكون لي وجهة نظر فيه ولكن بعد الوعي به.. ومن خلال ذلك تتحدد مواقفي بعيدا عن السرد اوالتشرنق او العزلة او التخندق.. وعن كل ما يبعد المؤرخ عن فهم الماضي والتعامل معه على هذا الاساس.
&
ولكنك، في هذا كله، قد لا تعزل نفسك في ما ترى وتقول عن "خبرات الماضي". أريد أن أعرف: كيف تتعامل مع تلك "الخبرات"؟
- لا يمكن لأي مؤرخ جاد ان يؤرخ او بالاحرى أي مفكر حقيقي أن يكتب بمعزل عن خبرات الماضي، بكل تراكماتها وتنوعاتها وخصب مجالاتها.. ولابد من استدعاء براهينها ومعانيها قبل استحضار نصوصها وشخوصها كونها بقايا ومواريث أزمان مضت وانقضت، ولا يمكن حتى اعادة تشكيلها من جديد كما كانت.. المهم كما قلت خبرات الماضي وليس عناصر الماضي. والتعامل هنا صعب ومتنوع اذا كان المؤرخ والباحث يدقق في الجزئيات ولا يكتفي كما جرت العادة بالعموميات، وهنا اقول: لابد ان يحمل المؤرخ أي مؤرخ وباحث اي باحث قاعدة عريضة من الثقافة العميقة وان يمتلك الافق الواسع وليس كما درجت عليها الساحة في ما يتعارف عليه بـ "التخصص". نعم "التخصص" مفيد في المنهج والاولويات.. ولكنه غدا نقمة على ثقافتنا العربية مع غياب المؤهلات الاخرى. وقد تسألني عن المؤهلات التي يفترض ان يتسلح بها أي مؤرخ ومفكر عربي معاصر (علما بأنني لا أستسيغ مصطلح "المفكر" التي غدت تطلق جزافا على كل من هب ودب وليس هناك من يستخدم المصطلح في ثقافات امم اخرى )، فاقول انها كثيرة لابد ان تكتشف عند الشباب الطموحين لنيل الدرجات العلمية منذ بداياتهم كي يعرف هل بمقدور هؤلاء ان يتحملوا المسؤولية وحمل الامانة في المستقبل، ومنها: القدرة على فهم الماضي والثقافة الموسوعية والدقة في القراءة والكتابة، والتمكن من اللغة، والتفكير النقدي والوعي بتحقيب العصور من اجل اكتشاف التمايزات بين عصر وآخر.. الخ وعليّ القول بأن فهم خبرات الماضي في التاريخ الحديث والمعاصر هي عملية معقدة أكثر من فهم خبرات الماضي في التواريخ القديمة والوسيطة.. ومع كل هذا وذاك فلابد أن افضي لك بقناعتي التي تقول بأن أي مؤرخ او مفكر سوف لن يستطيع البتة التعامل مع أية "خبرات الماضي" ما لم يستطع التعامل مع "خبرات الحاضر". وهنا تكمن مشكلة أغلب مؤرخينا ومفكرينا وكتابنا العرب المحدثين.
- لا يمكن لأي مؤرخ جاد ان يؤرخ او بالاحرى أي مفكر حقيقي أن يكتب بمعزل عن خبرات الماضي، بكل تراكماتها وتنوعاتها وخصب مجالاتها.. ولابد من استدعاء براهينها ومعانيها قبل استحضار نصوصها وشخوصها كونها بقايا ومواريث أزمان مضت وانقضت، ولا يمكن حتى اعادة تشكيلها من جديد كما كانت.. المهم كما قلت خبرات الماضي وليس عناصر الماضي. والتعامل هنا صعب ومتنوع اذا كان المؤرخ والباحث يدقق في الجزئيات ولا يكتفي كما جرت العادة بالعموميات، وهنا اقول: لابد ان يحمل المؤرخ أي مؤرخ وباحث اي باحث قاعدة عريضة من الثقافة العميقة وان يمتلك الافق الواسع وليس كما درجت عليها الساحة في ما يتعارف عليه بـ "التخصص". نعم "التخصص" مفيد في المنهج والاولويات.. ولكنه غدا نقمة على ثقافتنا العربية مع غياب المؤهلات الاخرى. وقد تسألني عن المؤهلات التي يفترض ان يتسلح بها أي مؤرخ ومفكر عربي معاصر (علما بأنني لا أستسيغ مصطلح "المفكر" التي غدت تطلق جزافا على كل من هب ودب وليس هناك من يستخدم المصطلح في ثقافات امم اخرى )، فاقول انها كثيرة لابد ان تكتشف عند الشباب الطموحين لنيل الدرجات العلمية منذ بداياتهم كي يعرف هل بمقدور هؤلاء ان يتحملوا المسؤولية وحمل الامانة في المستقبل، ومنها: القدرة على فهم الماضي والثقافة الموسوعية والدقة في القراءة والكتابة، والتمكن من اللغة، والتفكير النقدي والوعي بتحقيب العصور من اجل اكتشاف التمايزات بين عصر وآخر.. الخ وعليّ القول بأن فهم خبرات الماضي في التاريخ الحديث والمعاصر هي عملية معقدة أكثر من فهم خبرات الماضي في التواريخ القديمة والوسيطة.. ومع كل هذا وذاك فلابد أن افضي لك بقناعتي التي تقول بأن أي مؤرخ او مفكر سوف لن يستطيع البتة التعامل مع أية "خبرات الماضي" ما لم يستطع التعامل مع "خبرات الحاضر". وهنا تكمن مشكلة أغلب مؤرخينا ومفكرينا وكتابنا العرب المحدثين.
يتبع
التعليقات