إبراهيم المصري
&
&
صباحاً وفي بداية اليوم أشرب قهوة سريعة الذوبان، كوني مثل غيري من العرب غير قادر على وقتٍ لإنضاج الحياة، وأدخن أيضاً عدداً من السجائر على.. الريق.. لا يهم، فقد جف ريقنا من كل أمل.
غير أن لي صديقة قادرة على محو التعاسة.. وصديقتي هذه ترتدي قميصاً أبيض تحت الجينز الأزرق، وألتقي بها كل صباح رغم أنف الكارهين للحب في حياتنا.
ويا الله لو قطع الإنترنت بيني وبين موعدها الصباحي.. أشعر كأن غياباً جارحاً قد حط بجناحيه على عيني التي تعبت ومنذ زمن بعيد من متابعة صحف ووسائل إعلام الخيبة التي تكتظ بها أيامنا.
هل كانت صديقتي هذه سبَّاحة ماهرة.. حتى تفرد ذارعيها الطليقين هكذا وتسبح ضد التيار وتشاكس وتحاول أنَّ تشق بصخب فتاة في العشرين رتابة شارع يصطف على جانبيه المتقاعدون من الضوء والحرية.
أسألها أحياناً.. لماذا أنتِ حلوة هكذا، فتغمز بطرف عينها إلى اليسار حيث نساء فاتنات يقدمن الحلم لكتابة القصائد خاصة منهن.. عارضات الأزياء.. وأتمنى لو كن ماشيات في شوارعنا بدلاً من نسائنا اللاتي لا هَمَّ لعمرو خالد غير تحجيبهن.. وحتى نتآلف والجمال، فلا تصبح رؤية امرأة جميلة طليقة الشعر جريمة يعاقب عليها الضمير.
صديقتي تحب الجمال وتربطه بالحرية، ولهذا تفتح نوافذ للضوء وإن كان على حذر أحياناً وبثقة دائماً في أن يكون طريق مختلف نمشي فيه إلى حظنا من المستقبل.
ولهذا السبب بالذات ترتدي صديقتي الجينز الأزرق حتى تواشج بين الروح والبحر وحتى تكون خفيفة الحركة وعصرية وقادرة على أن تؤانس الجميع بدون إحساس بالحرج أو بالذنب.
وكي تفعل هذا تحتاج بالطبع إلى قدر كبير من الثقة بالنفس وإلى المهارة المهنية وهما ما يتوافر لها حين تتابع الأخبار أولا بأول وتضعها في المنتصف تماما من قميصها الأبيض، فلا تضللنا النساء الجميلات عن رؤية ما يحدث على الأرض من أحداث يهمنا الكثير منها.
وإن أسندت رأسي على يدي اليمني كي أفكر في كل هذه الأحداث تقع عيني على هؤلاء الذين جندوا أنفسهم لمهمةٍ صعبة، وإلا بماذا نصف من يعمل في نزع الألغام بجرأة أحياناً وبحذر أحياناً، لكنه معرض في العالم العربي لتهم قد تبدأ بالتكفير وتنتهي بالقتل.
ومن لا يصدقني فليذهب إلى صديقتي ويطلب منها كشفاً بالقضايا التي تثيرها على يمين قميصها الأبيض.
صديقتي تحب أيضاً الشعر والموسيقى والفن التشكيلي ولا تعتبر الإبداع والثقافة رجساً من عمل الشيطان وإنما ضوءاً من عمل الإنسان.. وتعطي الإبداع مساحته التي يمكن كما تقول صديقتي أن تدخلها إن ضاقت بك السياسية.
صديقتي هذه ترافقني منذ ثلاثة أعوام وقد قدمت لي الكثير من المعرفة إن اعتبرنا المعرفة حواراً وجرأة في نقض السائد وقدمت لي الثقة أيضاً في أن أقول رأيي بدون خوف من رقيب أقل ما يمكن أن يفعله أن يضع رأسي في سلة مهملاته حتى لا أصدع رأسه بأفكاري.
وصديقتي تنتسب إلى الألفة.. تلك القيمة التي تعني أن نكون هادئين وواثقين وقادرين على لمس ضمائرنا تجاه ما نقول وما نفعل وما نراه صحيحاً أو خاطئاً.
هل مدحت صديقتي كثيراً.. وماذا في ذلك.. أليس من الأخلاق أن نمدح من نحب وأن نمدح من يعطينا الفرصة لرؤية مختلفة غير هذا الضلال الذي يخيم على حياتنا.
صديقتي تحتفل بعيد ميلادها الثالث...
ويا صديقتي.. في الجينز الأزرق.. عيد ميلاد سعيد.. وعقبال مائة عام ومائة شمعة.