تبدو الأزمة السورية في جوانب منها أزمة بين تركيا وإيران على أرضية التنافس الإقليمي والصراع التاريخي بينهما على المنطقة، لاسيما ان إيران وتركيا تشكلان أعمدة التوازن الإقليمي للأزمة السورية والمشرق العربي عموما، وعليه فان اختلاف مواقف الدولتين من هذه الأزمة وبغض النظر عن الدوافع والأسباب جعلت منهما محددين لها، سلبا أو إيجابا، نظرا لأن الجيوسياسة السورية هي على تماس مباشر مع سياسة البلدين ومعظم الملفات الساخنة في المنطقة،من العراق إلى لبنان مرورا بفلسطين وصولا إلى أفغانستان، وعليه فان من شأن بقاء النظام السوري أو رحيله تحديد قواعد اللعبة في إدارة هذه الملفات إقليميا وسط تنافس إيراني تركي على رسم المشهد الإقليمي في المنطقة.

منذ بداية الأزمة السورية أعلنت طهران عن دعمها الكامل للنظام السوري، وهذا طبيعي ومفهوم في ظل التحالف القائم بين البلدين والذي يمتد من طهران إلى دمشق ويصل إلى بيروت، وقد كان موقف طهران هذا خلافا لموقفها من ثورتي مصر وتونس عندما أعلنت ان هذه الثورات تصب في استراتيجية الثورة الإسلامية ضد القوى الغربية، فيما في الحالة السورية وضعت طهران الاحتجاجات الجارية والمطالبة بالتغيير في خانة المؤامرة الخارجية.وانطلاقا من هذه الرؤية تحركت طهران على مستويين:

الأول : تقديم الدعم المباشر للنظام السوري، وقد برز هذا الدعم من خلال المواقف السياسية والتغطية الإعلامية والدعم المالي والاقتصادي. الثاني: التحرك لمواجهة الضغوط الدبلوماسية والسياسية على النظام السوري ، وقد برز هذا الأمر جليا من خلال التحرك على محور أنقرة، حيث مزجت طهران بين سياسة التهديد المباشر والحوار، فهي من جهة تهدد تركيا إذا انخرطت في عمل عسكري ضد دمشق ومن جهة ثانية تحرص على الحوار معها، وفي الحالتين ثمة رسالة إيرانية تقول لن نسمح بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وهذه رسالة تلخص السياسة الإيرانية، ومفادها : ان إيران ترى ان انهيار النظام السوري هو انهيار لاستراتيجيتها في المنطقة وانتقال المعركة إلى داخل أسوارها. خلافا للسياسة الإيرانية فان تركيا حزب العدالة والتنمية والتي وصلت علاقاتها مع سوريا إلى مستوى القمة قبل تفجر الاحتجاجات في سوريا اتبعت سياسة مختلفة فاجأت النظام السوري، فبعد فترة من النصح وإرسال مبعوثين أمنيين وسياسيين إلى دمشق للمطالبة بإصلاحات سريعة انتقل التعامل التركي مع الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة، دشنها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بلهجة غير مسبوقة عندما أعلن بأن أنقرة لن تسمح بتكرار ما جرى في حماه، وصلت اليوم إلى العمل على إسقاط النظام والقول ان مرحلة الحلول السياسية والدبلوماسية انتهت.

في الواقع، من الواضح ان كل طرف يرى ان ما يجري في سوريا يمس أمنه القومي والوطني بل ويعتبره شـأنا داخليا بشكل أو أخر، وعند هذه النقطة تختلف الأسباب والتطلعات انطلاقا من الاستراتيجيات حيث تمثل سوريا قلب التعارضات بين السياستين التركية والإيرانية تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط. فتركيا ترى ان تغيير المشهد السوري سيكون في مصلحة استراتيجية حزب العدالة والتنمية تجاه منطقة الشرق الأوسط خاصة في ظل احساسه بأهميه نموذجه في الحكم كنموذج معتدل حقق التوافق بين الإسلام والعلمانية والاقتصاد ويحظى بدعم غربي وقبول من الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية، بمعنى أدق تأمل أنقرة في ان يكون تغيير المشهد السوري مدخلا لفك التحالف السوري الإيراني، ويؤدي إلى إقامة ( هلال سني ) محل ( الهلال الشيعي ) إذ ان من شأن ذلك قلب التوازنات في المنطقة لمصلحتها ونفوذها الإقليمي.

في المقابل ترى طهران وانطلاقا من الأرضية التاريخية للتنافس التركي - الإيراني منذ ان كان صفويا ndash; عثمانيا،ان ثمة نزعة كامنة لدى تركيا حزب العدالة والتنمية، وترى ان هذه النزعة المعروفة بالعثمانية الجديدة تحركت بقوة مع الثورات العربية التي انطلقت من تونس ومصر، وفي الحالة السورية تقاطعت مع حركة الاخوان المسلمين في العالم العربي، وباتت ترى ان هذا التقاطع أصبح مغريا لاسقاط النظام السوري ورسم سياسة جديدة يكون فيها لتركيا الدور الأبرز. وعليه فان إيران أعلنت وقوفها إلى جانب النظام السوري ومده بأسباب القوة لتجاوز أزمته على أمل تكرار تجربة ما حصل مع النظام الإيراني عقب الاحتجاجات الضخمة التي نشبت احتجاجا على اعلان فوز احمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية الاخيرة. انطلاقا من ما سبق، فان اختلاف الدورين التركي والإيراني إزاء المشهد السوري أدى إلى ما يشبه فرز جديد في الاصطفاف الدولي، لعل أبرز مظاهرها، التحسن الكبير في العلاقات التركية ndash; الأمريكية، فعلى الأقل لم نعد نسمع بتصريحات أمريكية تعرب عن خشيتها من السياسة التركية وتوجهاتها الإسلامية في حين على المقلب الأخر برز ما يشبه تحالف روسي ndash; إيراني داعم لسورية، ولعل ما عزز مثل هذا التوجه بين موسكو وطهران هو موافقة أنقرة على نشر الدروع الصاروخية الاطلسية على أراضيها وهو ما أعتبره البلدان تهديدا مباشرا لهما.

دون شك، لكل طرف مبرراته تجاه الأزمة السورية، فالطرفان منخرطان في الأزمة ويتابعانه بدقة وقلق، وتتنازعهما في الوقت نفسه تحليلات متناقضة لما سيؤول إليه الأمور، وتدركان في الوقت نفسه أيضا أن ثمة مصالح واستراتيجيات لهما باتت تتوقف على كيفية انتهاء هذه الأزمة.