الحب كالسياسة والدين والرياضة.. جميع الناس يتكلمون عنه ويُنظرون له، ويصدرون الاحكام، ولعل أكبر خراب أصاب الحب حدث على يد الشعراء الذين أطلقوا العنان لمخيلتهم في وصف مشاعر من إبتداعهم نسبوها الى الحب، وصارت فيما بعد مفاهيم وقوانين أثرت في الناس وشكلت وعيهم وأبعدتهم عن إدراك حقيقة هذه المشاعر.

على سبيل المثال: يردد غالبية الناس : (( الحب عطاء وليس تملكاً )) وهذا الكلام المثالي يصلح للشعر والأغاني فقط وليس له علاقة بمشاعر الحب التي تربط الرجل والمرأة، وقبل المضي في الحديث لدحض هذا الإعتقاد الخاطيء لابد من الإشارة الى ان مشاعر الحب التلقائية العفوية نحو المحبوب، هذه المشاعر غامضة، وقد وقيل حول تفسيرها الكثير على مدى عمر البشرية، انا شخصيا مؤمن بتفسير عقيدة تناسخ الأرواح التي ترجع سبب حصول الإنجذاب والحب من أول نظرة بين البشر عموما، والمرأة والرجل خصوصا، الى انهما سبق لهما ان عاشا علاقة حب في حياة ماضية وحينما التقيا مجددا حصل التعارف بشكل حدسي روحي بينهما، لاحظ كيف يخاطب العشاق بعضهم البعض : (( كأني أعرفك من زمان ))، وتفسير تناسخ الأرواح هذا ينطبق ايضا على مشاعر النفور والكراهية من أول نظرة من دون سبب، فالخصوم في الحياة السابقة حينما يلتقوا مرة أخرى في حياة جديدة تعاودهم مشاعر الكراهية والأحقاد بشكل حدسي منذ اللحظة الأولى للقاء!

كل واحد منا يبحث عن محبوبه.. ليس من اجل يفتح جمعية خيرية للعطاء بلا حدود مثلما يقول دعاة ان الحب عطاء وليس تملكاً، بل نحن نبحث عن المحبوب كي نجتمع به ونضمه الى عالمنا ونحتويه بكل كيانه، ونلتحم به فكريا وروحيا وجسديا... نذوب فيه ونريد منه ان يذوب فينا، حيث تتلاشى الإرادتين وتضمحل إستقلالية الذات وتزول الحواجز، ويصبح المحبوب أغلى مانملك، تأمل تعبير العشاق : (( حبيبي.. أو حبيبتي، أغلى ماأملك ))، أين العطاء هنا ؟.. ثم ان العطاء فعل واع ينطلق من إرادة حرة، وفي حالة الحب لاتوجد إرادة مستقلة حرة، بل يوجد براكين من المشاعر التي تكتسح العقل والمشاعروالإرادة وتسلب كل شيء وتحتجز العاشق تحت سطيرتها.

أكبر دليل على ان الحب في جوهره تملك هو حالة الغيرة الجنونية التي تصيب المحب على محبوبه، فالغيرة هي تعبير عن إرادة التملك، ولايوجد عاشق مهما كان يحب معشوقه ويتمنى له الخير، يقبل عن طيب خاطر بالإنفصال عنه وذهابه الى شخص آخر.

الحب الحقيقي لايوجد فيه طرف يتمتع بالحرية، كلا العاشقين منقاد بصورة قهرية رغما عن إرادتهما لمشاعره التي تستعبده وتجذبه بعنف وجنون نحو محبوبه للإجتماع الأبدي معه، وكل واحد يريد تملك الآخر، والحب يتملك الإثنين معا، ممكن في علاقات الصداقة والإعجاب يحتفظ كل طرف بإستقلاله وحواجز ومسافة بينه وبين الآخر فلايوجد تملك في هذا النوع من العلاقات، أما الحب فأهم شروطه : تحطيم المسافات والحواجز، والإستقلالية، وإقتحام فكر ومشاعر وإرادة المحبين وإلقائهم صرعى يترنحون على شواطيء الأحلام، محلقين عاليا في سماوات الأوهام والجنون، حيث تتوحد الأرواح والأجساد والأنفاس والهمهمات، وتسدل جفون العشاق على لحن الغطس في بحار اللذة الفردوسية و يصبح الجسد ممرا للسعادة الكبرى.


[email protected]