التصعيد الذي شهده قطاع في غزة، بعد تصفية إسرائيل لقائد لجان المقاومة الشعبية، زهير القيسي، هل هو حدث محلي، أم أن له أبعادا إقليمية؟
بالنظر إلى العقلية الأمنية الإسرائيلية فإنه لا يُستبعد أن الدوافع (الأمنية) هي السبب في تلك الغارة، وما تبعها، من رد على الردود الفلسطينية التي شنتها فصائل المقاومة عليها.
وبعد أن بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين 21 شخصا، لا تَستبعد حكومة نتنياهو أن توسع العمليات إلى عدوان بري، إذا استدعت التطورات ذلك.
إسرائيل، بصفة عامة، والحكومة الحالية اليمينية، بصفة خاصة، تقدم الاعتبارات الأمنية، والداخلية، على سواها من عوامل إقليمية، أو دولية. ونتنياهو الذي حقق تأييدا أكبر في أوساط الإسرائيليين اليهود، بعد مواقفه الأخيرة من إيران ومشروعها النووي، وبعد أن حقق- بفضل الوضع التي تعيشه حماس في غزة، وبسبب التزام السلطة في الضفة الغربية التنسيقَ الأمني- تقدما ملحوظا في (الأمن) ومستمرا نسبيا، نتنياهو هذا لا يُرضيه أن يُظهر تراجعا، أو تراخيا، في تعقب المنظمات الفلسطينية المسلحة في غزة، والتي تتهمها إسرائيل بالتعاون مع إيران، وتلقي الدعم العسكري منها؛ ما يشكل تهديدا قريبا، ونفوذا إيرانيا على ما تعتبره حدودها.
ويركز الجيش الإسرائيلي هجومَه على تلك الفصائل الفلسطينية التي لا تنضوي تحت حكومة حماس، ولا تلتزم بـــــlaquo; التهدئةraquo; مثل لجان المقاومة الشعبية، والجهاد الإسلامي. وهي تفرق في خطابها الرسمي بين حماس وحكومتها التي لا تراها تسهم في الهجمات في الفترة الحالية، وبين الجهاد الأكثر قربا من إيران.
فقد اتهم الجنرال يواف موردخاي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، حركة الجهاد الإسلامي بتخزين أسلحة في الطابق الأرضي من أحد المباني، وقال:laquo; كميات الأسلحة ومصدرها إيران، خصوصا، كانت أكبر مما كنا نظن.raquo;.
وأضاف:laquo;إن حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة quot;لا تطلق النار لكنها تغض الطرفquot; عن أنشطة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية raquo;
فالتصعيد على غزة قد يكون محليا في دوافعه، و(أمنيا) فما يتعلق بحكومة نتنياهو، ولكن هذا لا يمنع أن يكون له ارتباطات وتداعيات على الأوضاع في المنطقة العربية والإقليم.
ولا سيما أننا لحظنا استدارة حماس عن نظام الأسد، وبالتالي تراجع علاقتها بإيران، ولا سيما بعد أن أعلنت حماس أنها لن تتدخل في حال هاجمت إسرائيل إيران، على خلفية مشروعها النووي، فللأسد، ولنظام الملالي في ظهران مصلحة في تصعيد الوضع في غزة؛ لأن هذا يُحرج الدول العربية، في هذا الوقت بالذات التي تتعالى فيه الأصوات العربية المنادية بتسليح المعارضة في سورية؛ للدفاع عن نفسها، وعن المتظاهرين السلميين من آلة القتل الأسدية.
وفي هذا السياق قد يُفهم تصريح، القيادي في الجهاد الإسلامي، خالد البطش الذي طالب الدول العربية بتسليح المقاومة في غزة؛ للدفاع عن الشعب الفلسطيني الأعزل.
فمن المتوقع أن تحاول إيران وسورية تعزيز علاقتهما بالجهاد والفصائل التي لا تنضوي تحت جناح حماس، بل وتنتقدها ونهجَها، وتحرجها، عندما تصعِّد نضالها.
وثمة أخبار عن تنامي قوة هذه الجماعات في القطاع على حساب قوة حماس، ومن هنا لا تملك حماس في حال استعرت حلقة النار والحرب إلا أن تسهم فيها، ولو كان ذلك يهدد بقاء سلطتها، أو يضعفها، إلى حد بعيد.
بالرغم من أنه قد لا يكون في صالح إسرائيل في الوقت الراهن، وكهدف تكتيكي، مرحلي، القضاءُ على حكومة حماس، ما دامت الأخيرة حريصةً على (ضبط الأوضاع في غزة، وعدم توفير مزيد من الذرائع لحكومة نتنياهو لشن عدوان بري شامل، أو هجوم أوسع هناك).
وواضح أن نظام الأسد يَفِيد من هذا التصعيد؛ لصرف الأنظار، أو تخفيف حدة الانتباه الإعلامي على مجازره بحق أبناء شعبه.
ولحكومة نتنياهو دور حاسم في توسيع دائرة العمليات الحربية، وإن كانت هي الأخرى محكومة بردات الفعل الفلسطينية؛ إذ لا يمكنها الظهور بمظهر من يتلقى الضربات، ويعطل حياة مواطنيه في المناطق القريبة من غزة.
وأيا ما كان فإن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة يؤكد حراجة الموقف الفلسطيني سواء لحكومة حماس في غزة، أو حكومة عباس في الضفة، فالأولى حريصة على كبح الفصائل المقاومة؛ مما يضعها في غير موضعها المفترض، ويخالف، إذا طال، رسالتَها المقاومة، ومسوغ وجودها. والثانية في رام الله، تراوح مكانها؛ بسبب انسداد أفق التفاوض، وزيادة حركة الاستيطان؛ فتلمح إلى خطوات، قد لا تقوى على المُضي فيها، من قبيل وقف التنسيق الأمني.
وأما الربيع العربي فلا يتوفر بعد على آليات ناضجة للالتفات العملي نحو الوضع الفلسطيني المستعصي، منذ عقود.
[email protected].