ليس من المبالغة وصف المواقف المتشددة تجاه النساء بالعقيدة لان اصحابها يؤصلون توجهاتهم بالعودة الى فكر السلف المقترن بهالة من القدسية بما ادعاه من ثبوتية احاديث معينة أو تفسيرات قطعية لآيات محددة. ولنتامل في بعض المقولات القديمة بشأن المرأة lsquo; فهذا ابن جرير الطبري يقدم تفسيرا للخطيئة الاولى بأن ينسبها الى حواء lsquo; فهو يعتقد ان الله قال لها : quot;انت غررت عبديquot; وعاقبها فابتلاها بالمرض الشهري quot; وجعلها سفيهة بعد ان خلقها حليمة lsquo; وجعلها تحمل كرها وتضع كرها quot;. ويقول ابن المسيب: quot;ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقلlsquo; ولكن حواء سقته الخمر وقادته اليها بعد ان سكر.quot;. وفي تفسير ابن كثير lsquo; يشكو آدم حواء ويقول انها التي امرته فاخطأ. كل ذلك والقرآن أكد صراحة على مسؤولية آدم { ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما *.. فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجرة الخلد وملك لايبلى * فاكلا منها فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى * }[ طه 115-120-121 ]. ولدى صاحب كتاب إحياء علوم الدين، ابو حامد الغزالي الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي، رأي غريب في مايجب ان تتبعه المرأة من انماط السلوك، فيقول : quot; القول الجامع ان تكون المرأة قاعدة في قعر دارها، لازمة لمغزلها، لايكثر صعودها واطلاعها..لاتخرج الا بإذن زوجها وإن خرجت فبهيئة رثة.. تتنكر على من تظنه يعرفها أو تعرفه.. متنظفة في نفسها، مستعدة في الاحوال كلها للتمتع بها إن شاء زوجها..quot; ولتعزيز آرائه ينسب حديثا الى الرسول (ص) مفاده ان quot; للمرأة عشر عورات، فإن تزوجت سترالزوج عورة واحدة، فإن ماتت ستر القبر العشر عورات quot; ولانعرف من اين جاء الغزالي بهذه العورات مع ان القرآن الكريم اشار الى ان السوءة (العورة) واحدة، كما اوضحت الآيات السابقة.
وهناك الكثير من الاحاديث التي يمكن ان نجزم بأن رسول الله لم يقلها وإنما وضعها فقهاء لتنسجم مع احكامهم على المرأة، ذلك لتعارضها مع القرآن، ومنها : quot;لولا حواء لم تخن انثى زوجها الدهرquot; [ رواه مسلم ] وروى ايضا: quot;اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن اول فتنة بني اسرائيل كانت النساءquot;، quot;ان المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان quot;.
ويروي المنذري quot;ان النساء حبائل الشيطانquot;. اما البيهقي فينسب الى النبي انه قال: quot; النكاح رق فلينظر احدكم اين يضع كريمته quot; وانسجاما مع هذا الحديث يأتي الترمذي بحديث آخر: quot; لو كنت آمرا احدا ان يسجد لغير الله، لأمرت الزوجة ان تسجد لزوجها quot;. وهنا لابد من ان نتوقف وننظر فيما اذا كانت هذه الروايات تتفق مع الآية القرآنية التي تقدم وصفا جميلا للزواج بأنه السكن المتبادل الذي تظلله المودة والرحمة، وسنعرف بعقولنا انها تتعارض مع القرآن كليا.
نعود الى الشيخ الغزالي وهو مرجع معتبر لدى الكثير من الدعاة، ليخبرنا عن من هي قدوة النساء، إنها التي : quot; إذا تزوج زوجها عليها ثلاثا، اطعمته الطيبات وقالت : إذهب بنشاطك وقوتك الى ازواجك quot;. تلك المرأة فاقدة للاحساس والكرامة، مكتفية بقوت يومها وبسقف دارها، ادركت اسراف زوجها وتحكم نزواته فلم تجد بدا من التظاهر بالرضا وكتمان سخطها، وليس كما يصورها الغزالي مسرورة بتطلعاته ونزعته للتغيير.
إن المرأة الباحثة عن حقوقها تقف في حيرة من امرها بين جمهرة من الفقهاء لايرون فيها الا كل ما هو سلبي وباعث على النقمة، بينما يحدثها القرآن بأنها صنو الرجل، فهي المؤمنة المبايعة المهاجرة المكلفة بسائر العبادات، ذات الذمة المستقلة، المثابة والمعاقبة. وإذا كان معظم فقهاء السلف يكتفون بإهمال شأن المرأة وإبعادها عن شؤون الحياة العامة والتركيز على استغلالها جسديا، فإن منظومة التطرف والتشدد المعاصرة تعيد انتاج فقه التضييق على النساء بأقصى ما تستطيع وتزيد عليه، مستفيدة من التطور المعلوماتي، وتراكم الاموال لدى بعض قياداتها، والاخطر من ذلك انها تمكنت من استقطاب مجموعات كبيرة من النساء، واقنعتهن بأن التطرف هو الدين الحق، ودربت الطامحات منهن ليتولين شؤون الافتاء في محيطهن النسائي، ليسهمن لاحقا في خنق اي تحرك يستهدف تخفيف القيود المضروبة على النساء.
من الاحاديث التي كان لها دور مهم في تهميش المرأة وتأخير الاعتراف بمكانتها الاجتماعية، حديث نقصان العقل والدين الشهير، الذي اعتبره القدماء حجر الاساس في التعامل مع المرأة، فقد نقل عن صحابي يدعى ابو سعيد الخدري : quot; خرج رسول الله في أضحى أو فطر، الى المصلى فمر على النساء، فقال: يامعشر النساء ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُب الحازم من احداكن، قلن : و ما نقصان ديننا وعقلنا يارسول الله؟ قال اليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة رجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، اليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن : بلى، قال : فذلك من نقصان دينها quot;. وبدون التطرق الى صاحب الرواية، لأن العبرة في قبول الحديث ليس سنده فقط وإنما توافقه مع مبادئ الاسلام وآيات القرآن الواضحة واساسيات العقل، لابد من مناقشة هذا الحديث وبيان اوجه صحته من عدمها : اولا، ان الله يؤكد على انه خلق الانسان في احسن تقويم، وانه ليس من حكمته ان يجعل المرأة في تكوين معين ثم يعيرها بخلقها الذي هو من صنعه،ولايمكن ان تتحول امكاناتها الطبيعية في الحمل والولادة والإرضاع وبالتالي دورها في بقاء البشر الى سبب لازدرائها، وهي الاحرى ان تكرم لذلك، كما انها لم تمتنع عن الصلاة والصيام في فترة حيضها أو نفاسها بإرادتها وإنما بترخيص من الله، ولها ان تعوض ايام إفطارها فتستكمل ما نقص quot; فعدة من ايام أخرquot;، كما هو حال المسافر أو المريض، فهل نقول عنهما انهما ناقصا دين لانهما أفطرا أوقصرا صلاتهما؟ ثم ماذا سيقول اصحاب الرواية عندما تنتهي فترة الانجاب لدى المرأة أو تنقطع عنها الدورة الشهرية؟ هل سيتراجعون، أم تراهم سيبحثون عن حديث جديد، يحطون به من قدر النساء؟ ويرى بعض العلماء ان هذا الحديث ورد على سبيل المزاح، ومنهم القرضاوي وسليم العوا. ويلاحظ الباحث محمد عمارة على الحديث انه quot; ليس من المعقول ان تكون المناسبة عيد ويكون التبكيت والغم هو المقصود..فعندما يقول الرسول: { إنا أمة أمية لانكتب ولانحسب }، هل نفهم انه يطلب من أمته أن لاتتعلم؟ وإنما القول إقرار بواقع معين quot; وبعد فإنه لايتوافق مع ما عرف عن النبي من خلق كريم، ان يؤذي النساء بذلك القول في يوم عيد، الا إذا كان من باب المزاح. يضاف الى ذلك إن صاحب الرواية غير متأكد من زمن الحديث (فطر أو أضحى)، ما يعني عدم دقته في النقل.
نأتي الى الجانب الآخر من الحديث وهو نقصان العقل، من اين جاءت هذه الشبهة، إن موضوعها باختصار المنهج الذي اعتمده المفسرون في تفسيرآية الدين وعدم مراعاتهم لظروف التنزيل وحكمته وتوقفهم عند حرفية النصوص وأكثر من ذلك تعميم الواقعة الخاصة بالدين، على القضايا كافة، تقول الآية: {يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل...واستشهدوا شاهدين من رجالكم فإن لم يكونا فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى..} [البقرة 282 ]. لاشك بأن هذه الآية تتحدث عن حال النساء في الماضي السحيق وما كن عليه من جهل هو ادنى من جهل الرجال، في مجتمع تعود الثقافة الشفاهية وندر فيه من يقرأون ويكتبون، وهي تجاري عرفا سائدا آنذاك، كانت النساء بعيدات عن الشؤون العامة ومنها التجارة والمال والعقود على اختلافها، وكان من العرف ايضا التفرقة بين شهادة الرجل البدوي ونظيره الحضري وبين العبد والحر، فبعض الفقهاء ما كانوا يقبلون شهادة البدوي، لعدم احترامهم له ويروى عن مالك والشافعي وابي حنيفة انهم رفضوا شهادة العبد. ولإنصاف المرأة من فقهاء انكروا عليها عقلها وجعلوا من تفسيرهم القاصر للآية الكريمة حجة عليها ولم يراعوا سياقها التاريخي، اورد بعض النقاط التي توضح بطلان ما ذهبوا اليه:
وردت آيات كثيرة تفيد معنى المساواة بين المرأة والرجل في قضايا أساسية، ومن ذلك الآية الحادية والستين من سورة آل عمران،التي تدعوا الى محاججة الذين شككوا بالإسلام: {..فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكافرين }، { المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.. } [ التوبة71]، {فاستجاب لهم ربهم اني لااضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} [ آل عمران195 ]، { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء..} [ النساء 1] .
كثير من الاحاديث النبوية التي ثبتت صحتها لدى غالبية الفقهاء، روتها مئات من النساء (سبعمائة راوية ndash; كتاب الطبقات) ولم نسمع من الفقهاء المشككين بذاكرة المرأة، إنهم طعنوا بروايات النساء أو اشترطوا لصحة الحديث أن ترويه امرأتان ورجل، ونعلم ان الاحاديث بشكل عام هي من اهم مصادر الاحكام لديهم وهي فوق ذلك شهادة في حق النبي.
الاسلام اعترف بالاهلية القانونية الكاملة للمرأة وكفل لها حرية التعاقد، والشهادة على اهميتها ما هي الا تكليف يترتب على تمتع الانسان بالاهلية.
الى جانب ما نعرفه عن جهل معظم النساء في صدر الاسلام، فإن المرأة كانت محكومة بإرادة الرجل وقد تسول له نفسه ان يمنعها من الشهادة فاقترحت الآية شاهدتين لتيسير الامور.
إن الآية تتعلق بشأن محدود هو إثبات الدين وحتى بعد انتزاعها من سياقها التاريخي فإن صياغتها لاتتحمل التعميم.
كيف تستبعد شهادة النساء منفردات في معاملات الدين وغيرها، التي تجري بين النساء، بخاصة في المجتمعات التي تحظر الاختلاط وهل تمتنع المحاكم عن النظر في اثبات الحقوق لعدم وجود شهود رجال؟
تتولى النساء في كثير من الدول العربية والاسلامية وظائف مهمة في المحاكم واصبحن كاتبات عدل، يأتي اليهن المتعاقدون والشهود وتكتب العقود باشرافهن، فكيف لاتكون شهادتهن كاملة؟
لم نسمع عن اعتراضات رجال الدين على شهادة النساء في المحاكم الجنائية، فشهادة امرأة واحدة مع قرائن معينة، كافية للحكم بالاعدام، فلماذا لم يطعنوا بشهادة المرأة؟
اصبح من حق المرأة في مصر ان تتولى إجراء عقود الزواج، التي كانت حكرا على الرجال، بعد قرار شيخ الازهر بتعيين أول مأذونة شرعية، ومن غير المعقول ان تقوم امرأة بتوثيق عقد الزواج وفي الوقت نفسه لايقبل القانون شهادتها بمفردها.
إن بقاء اي حكم او مبدأ في التعامل يرتبط باستمرار الاسباب الموجبة اليه، واليوم مثلا لايعالج القانون مسائل العبودية وحالات العتق والاحكام الخاصة بالعبيد، وكلها موجودة في القرآن، وذلك لعدم وجود عبيد اصلا، كما لم تعد النساء في الشوارع يكشفن صدورهن ويسدلن خمارهن على ظهورهن، ويذهبن لقضاء حاجاتهن في زوايا الطرقات العامة فيتعرضن للاعتداء أو يختلط الامر على ذوي النفوس المريضة فيحسبونهن جواري، ولم تعد حماية النفس مسؤولية شخصية، بل اصبحت من واجبات الشرطة، كذلك الامر في الشهادة فالناس بشكل عام تنبهوا الى ضرورة توثيق ديونهم في دوائر كتاب العدول، حتى الريفيين منهم، مع بقاء حالات كثيرة من الديون الشفاهية التي تعتمد على الثقة، وهذه اصلا لا تخضع لحكم الآية الكريمة لانها تحدثت عن حالة كتابة الدين.
اختلف الفقهاء في القضايا التي تجوز فيها شهادة النساء فبعضهم رفض شهادتهن من أصلها، وأجاز ابو حنيفة: شهادة المرأة بنصف نصاب في (العتق والوكالة في المال والايصاء ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه وجناية الخطأ والعمد والزواج والرجعة..) أما مالك والشافعي فقد خصصا قبول شهادة النساء في الاموال فقط، اي انهما أقرا بأن الآية تخص المال، لكنهما تشددا ورفضا شهادة النساء في القضايا الاخرى. وفي قضايا النسب، يشير محمد جواد مغنية في كتابه [ الفصول الشرعية على مذهب الشيعة الإمامية ] الى ان quot; شهادة النساء لاتقبل في قضايا النسب، سواء كن منفردات أو منضمات الى رجال quot;. كما إن شهادة النساء على عقود الزواج لاتكفي quot;لأنهن مهما كثرن يقمن مقام رجل واحد، وشهادة الواحد غير معتبرة quot; وهذا ما استنتجه بدران ابو العينين، في كتابه (الفقه المقارن). وهذا امر عجيب إذ ان الزواج والنسب، من الشؤون التي تحتاج الى شهادة نساء، لارتباط الامر بقضايا نسائية بحتة مثل بداية الدورة الشهرية وانقضاء العدة وبدء المعاشرة الزوجية الحقيقية والرجعة بين الزوجين.. وغير ذلك. ان اختلاف الفقهاء يعبر عن اجتهادات لم يتطرق اليها النص القرآني، أي انهم سمحوا لأنفسهم بتغيير معاني النص لزيادة التضييق على المرأة، لقد زادوا ولم ينقصوا. فلماذا يمنعون الأخذ بقاعدة التدرج في الاحكام حسب تغيرات الواقع، التي ارشدنا القرآن الى أهميتها في أحكام الإرث والوصية وشرب الخمر مثلا؟
يقول الفقيه ابن القيم الجوزية في كتابه اعلام الموقعين : quot; قد استقرت الشريعة على ان شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فالمرأتان في الشهادة كالرجل الواحد quot; وهو لم يحدد الشهادة بالدين فقط، وبذلك فقد اصدر حكما عاما، ثم انه قالها بوضوح، الشريعة (مجموع اقوال واجتهادات الفقهاء) وليس القرآن، بمعنى التوسع في الاجتهاد لسلب المرأة حقوقها بغير حق.
إذا كانت شهادة الرجل الواحد غيرمعتبرة شرعيا وقانونيا في أغلب المعاملات المالية، فهل يقر الفقهاء بنقصان عقله؟
لابد من التمييز بين الاحكام العامة والواضحة مثل القصاص وبين الاحكام الواردة على سبيل تنظيم التعامل، فالقصاص يتعلق بحرمة قتل النفس وهي باقية مهما تغيرت الازمان، بينما تطورت المعاملات المتعلقة بالديون فلم تعد الشهادة عنصرا مهما.
ان الاصرار على تفسير النص الخاص بالشهادة كدليل على نقص عقل المرأة، يفترض خصوصية استثنائية يتمتع بها الرجال من ناحية الذاكرة أو الامانة، وهذا لا دليل عليه لا في القرآن ولا في العلم، كما ان الواقع في المحاكم يثبت ان كثيرا من شهود الزور، يقفون بانتظار من يستأجر خدماتهم.
وأخيرا يمكن ان نسأل من يتشبثون بحرفية النص، السؤال التالي : ماذا لو لم يجد الدائن شخصا يجيد الكتابة ليكتب الدين، هل يضيع حقه لان النص اشار الى ضرورة كتابة الدين؟
آية اخرى يتشبث بها الفقهاء الحرفيون لأثبات نقص المرأة، وتختص بالارث { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } [ النساء 11 ]، دون ان يلاحظوا ان هذه النسبة في الإرث ليست مطلقة فإلى جانبها نسب اخرى تتساوى فيها انصبة الرجال مع النساء، مثل (ميراث الام والأب في حالة وجود الأولاد، أو وجود الإخوة وميراث الاخوات والإخوة لأم. إن مضاعفة إرث الرجل في هذه الآية يرتبط بتكليفه بتقديم المهر والانفاق على العائلة، حين كانت النساء تعتمدن كليا على الرجال ولاتعملن، وليس دليلا على نقص انسانية المرأة كما لاينبغي للفقهاء ان يتناسوا حقيقة ان النصوص التشريعية في الإرث خاطبت مجتمعا لم يكن يسمح بتوريث النساء (كما تؤكد الروايات) فكان لابد من التدرج في الأحكام، وقد ضرب الله مثلا بأن جعل آيات الميراث على ثلاث مراحل : ففي البداية كان الإرث لذوي الإرحام وبين من تعاقدوا على الموالاة [ النساء 33 ] ثم تغير الامر الى توريث الموصى اليهم من قبل المتوفي، من الوالدين والاقربين [ البقرة 180 ] تم نزلت آية المواريث المفصلة التي يجري العمل بها في الدول الأسلامية على مذاهبها المختلفة [ النساء 11 ] وكل ذلك التدرج، راعى واقع الحال قبل الإسلام ولتجنيب المجتمع صدمة التغيير الجذري والسريع، وليضمن قبول الناس للجديد ولتبيان أولويات القرابة في الإرث، بمعنى إن النص القرآني تفاعل مع الواقع، ومن المهم التنويه الى إن تلك المراحل الثلاث تعاقبت خلال فترات ليست طويلة، فلماذا يهمل معظم فقهائنا اليوم هذه السنة القرآنية ويتناسون مرور عشرات القرون، بل إنهم يزدادون انغلاقا وعداءً للمرأة.
ومما له أسوأ الاثر على النساء استشراء تطاول المتطرفين عليهن، وذلك بإصدار مزيد من الكتب التي تحط من قدرهن، وإعادة طباعة الأجزاء المسيئة للمرأة من بعض الكتب القديمة كالجزء المعنون بـ: الزواج السعيد من كتاب إحياء علوم الدين، للغزالي، الذي تضمن تحذيرا للرجال من النساء فيقول : quot;... إن كيدهن عظيم وشرهن فاش والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل..quot;. ولا يكتفي أعداء النساء باضطهادهن على الارض، بل يحددون لهن النهايات في الآخرة ايضاً ويستخرجون أحاديثا ينسبونها الى النبي ظلماً، ومنها : عن ابن عباس الذي تفيد بعض الروايات ان عمره كان عشر سنوات حين وفاة الرسول، لكنه روى الكثير من الاحاديث، قال: {..ورأيت النار فلم أر منظراً كاليوم قط ورأيت أكثر أهلها من النساء، قالوا بم يارسول الله؟ قال بكفرهن، قيل أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت الى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك ما تكره، قالت : ما رأيت منك خيرا قط }. وعلى المنوال نفسه يروي جابر إنه شهد العيد مع الرسول وسمعه يعظ النساء ويقول: { تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، فقالت امرأة : لم يارسول الله؟ قال : لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير، فجعلن يتصدقن من حليهن..} وهناك روايات مماثلة عن اسامة بن زيد وعمران بن حصين..الخ. واضح لكل ذي بصيرة وإلمام بالدين، إن هذه الأحاديث موضوعة لكونها تخالف منطق القرآن، فالآيات التي تتحدث عن غفران الذنوب كثيرة، كما ان الله يخبرنا بأنه لايؤاخذنا باللغو في ايماننا وبأن رحمته وسعت كل شيئ، أفلا تتسع لذنوب المرأة البسيطة؟ لقد جعل الوضّاعون مناكدة الزوج بمنزلة الكفر، ليكون هذا الحديث منسجما مع ما ادعوه من ان الرسول وصف الزواج بأنه رق وإنه لو لم يكن السجود لله لكان حريًا بالزوجة ان تسجد لزوجها. ان التنكر للعشير (الزوج) أوجحود إحسانه، لا شك يعكر الحياة الزوجية، لكنه ليس من الكبائر التي يمكن ان تؤدي بمرتكبتها الى النار، ولو كان الأمر كذلك لحرمت الشكوى وساد الصمت بين الأزواج، ولامتنعوا عن تداول شؤون حياتهم اليومية، وهل يقبل عاقل ان يكون مصير الزوجة في النار لمجرد إنها شكت لزوجها كثرة اعبائها المنزلية وعدم قدرتها على التحمل أو أنها احتجت على زوجها كونه يبخل عليها وعلى اولادها، بينما يبدد ماله على مسراته الشخصية؟ إن مضامين الاحاديث السابقة تسيئ الى الذات الإلهية وتضع الزوج في مصاف الله، وتحكم على المرأة بالطاعة المطلقة للزوج بما يتنافى مع الوصف القرآني للزواج بإنه سكن ومودة ورحمة. ثم لماذا لم يتحفنا نقلة الحديث بروايات عن شكوى الرجال من زوجاتهم ونشوزهم الذي أشار اليه القرآن الكريم. إن دعاة تحقير المرأة لا يعجزون عن توظيف كتب التراث أو تحويرها بما يتفق مع نزعتهم العدوانية تجاه النساء وخوفهم من نهضتهن، فهم لايستحون مما يقولون، فكما افتروا على الرسول (ص)، نقلوا عن الإمام علي أسوأ كلام عنهن، وقالوا أنه أطلق تحذيرا مفاده : quot;يا أيها الناس لا تطيعوا النساء ولاتأمنوهن على مال ولا تدعوهن بدون أمر، فإنهن إذا تركن وما يردن أفسدن الملك وعصين المالك... وجدناهن لادين لهن في خلواتهن ولا روع لهن عند شهواتهن... يتظلمن وهن الظالمات ويحلفن وهن الكاذبات ويتمنعن وهن راغبات... quot; هذه الأقوال المزعومة، تضمنها كتاب جديد، يرمي المرأة بالكفر ويتوعدها بالنار. وفي الختام انقل رأيا لأبي الأعلى المودودي، ورد في كتابه (حركة تحديد النسل ndash;ص80)، يعتبر المرأة مجرد آلة للتفريخ فيقول : quot; لم يخلق هيكل المرأة الجسدي إلا ليقوم لخدمة النوع البشري ويؤدي واجب الإستبقاء على وجوده، فهو الهدف الرئيس الذي قصدته الفطرة بخلقها وهو الواجب الذي تطالبها الفطرة بأدائه quot; وقول آخر للبهي الخولي، من كتابه (المرأة بين البيت والمجتمع -71) يدعو صراحة الى إذلال الزوجة من دون سبب : quot; يجب على الزوج أن يريها من نفسه تعاليا عليها واستمساكاً عنها وهو علاج رادع للمرأة، مذل لكبريائها.quot;
وبعد كل ما تقدم لاينبغي أن نستغرب بقاء المرأة متخلفة في ظل منظومة فكرية تجعل المرأة أمة لزوجها ولا تملك حتى الحق بالشكوى والترويح عن النفس، وبالتالي تخلف مجتمعاتنا.
المصادر : القرآن الكريم
سيد القمني ndash;مجموعة مقالات ndash; موقع محاور
المرأة في الاسلام- هيثم مناع - 1980
مجموعة مقالات للدكتور خالد منتصر- موقع المركز التقدمي لدراسات مساواة المرأة
الفصول الشرعية على مذهب الشيعة الامامية ndash; محمد جواد مغنية (ص65)
الفقه المقارن- بدران ابو العينين (ص 33
كاتبة عراقية ndash; لندن
[email protected]