يعد الأقباط الاقلية المسيحية الكبرى فى الشرق الأوسط حيث يمثلون حوالى 15% من تعدد سكان مصر البالغ عددهم 80 مليون نسمة. ومسيحيا تعتبر الكنيسة القبطية من اقدم كنائس العالم حيث تأسست عام 41 ميلادية على يد القديس مرقس الانجيلى.وقد مرت على القبط أربعة عشر قرنا من التقلبات صعودا وهبوطا،ولم يعش الأقباط طوال هذه القرون فى حالة مساواة مع شركاءهم فى الوطن سوى فترات محدودة خلال كل هذه القرون الطويلة،ولا يستطيع فهمهم بعمق إلا من عاش كاقلية غير مسلمة فى مجتمع إسلامى يستمد كثير من افراده عجرفته وإستعلاءه وعنفه من تراثه الدينى المشوه المحشو بتراث الإستبداد السياسى فى هذه المنطقة المنكوبة من العالم.ونتيجة لكل هذه القرون الطويلة تحت الحكم الإسلامى آصابت الروح القبطية الكثير من الحذر والكآبة والقلق الدائم واليأس من العمل السياسى، ولم يفلت من هذه الروح المنكسرة سوى القليل من الأقباط وهم الذين يناضلون ببطولة من آجل حقوقهم الكاملة فى المواطنة سواء فى مصر أو فى الخارج.وقد واجه الأقباط أوضاعا حرجة مع مجئ ثورة يوليو عام 1952 حيث تم عزلهم سياسيا وإضعافهم اقتصايا، ولكن تفاقم الامور حقيقة جاء مع عصر السادات حيث واجه الأقباط الاصولية الإسلامية أو ما سميت فيما بعد بالإسلامية الدولية حيث تمثل مصر أحد مراكزها الرئيسية الثلاثة مع باكستان والسعودية.وقد دفع الأقباط ثمنا باهظا من جراء هذه الاصولية المتطرفة العنيفة قبل أن يدفع الغرب ويعرف مخاطر هذه الحركة العالمية المدمرة. وقد أدت سياسة العزل والإضطهاد ضد أقباط مصر إلى تدفق موجات من المهاجرين إلى الغرب حيث كونوا جاليات كبيرة وناجحة.وقد إنشغل اغلب هؤلاء المهاجرين فى شئونهم الخاصة ونجاحاتهم الفردية، ولكن قلة منهم إنخرطوا فى النشاط السياسى لصالح حقوق الأقباط فى مصر وهؤلاء هم الذين اطلق عليهم السادات المسمى السياسى quot; أقباط المهجرquot; وترك آلته الإعلامية المزيفة تنعتهم بكل الصفات السلبية، رغم اننى اتابع نشاطهم السياسى عن قرب منذ سنوات طويلة وكتبت عنهم كتاب عام 1999 ولم أجد فى نشاطهم ما يشين أو يتعارض مع القانون أو مع الوطنية المصرية بمعناها الحقيقى وليس المزيف الذى تعيشه مصر حاليا ولمدة تزيد عن خمسة عقود.لقد أصبح كل شئ مزيفا ومعطوبا فى مصر، وتغلغل التطرف الدينى الإسلامى فى كافة مناحى الحياة وضرب روح مصر فى عمقها ولم يبق إلا قلة من المصريين مسلمين ومسيحيين يواجهون هذا التطرف ويدفعون ثمنا باهظا من جراء مواجهته،أما أغلبية الشارع الإسلامى فهم يسيرون كالعميان وراء آلة التطرف الجهنمية وهو الوضع الذى وصفه الفيلسوف مراد وهبة ب quot; فساد العقل المصرىquot; وإذا أصيب العقل بالفساد أصيب كل شئ بالفساد، ويرجعه مراد وهبه بسبب تحكم السلطة الدينية فى إعمال العقل، ومن ثم لم يعد العقل قادرا على نقد ذاته، وفى المقابل انطوت الأغلبية القبطية على نفسها واتخذوا موقفا محافظا كحراس لإيمان يتهدده الخطر.
ولان الأقباط المسيسيين فى المهجر هم أقلية بين الأقباط،كما هو الحال فى مصر،ولا ينطون تحت منظمات قوية، ولهذا فهم يتحركون بشكل موسمى كلما ارتفعت وتيرة إضطهاد الاقباط، وفى الشهرين الماضيين تسارعت الإعتدءات على الأقباط من الزيتون إلى الفيوم إلى المنيا إلى دفش ووصلت للهجوم البربرى على الأديرة ومحاولة إرغام الرهبان على ترك دينهم والبصق على الصليب فى ظل تواطئ أمنى مخزى يصل إلى حد المشاركة فى الجريمة وسلوك حكومى منحاز للمجرم على حساب الضحية وإعلام فى مجمله ملتو وقالب للحقائق وواقع تحت تأثير المتعصبين الإسلاميين. وقد استثارت هذه الاحداث الأقلية المسيسة من أقباط المهجر فخرجوا فى مسيرات سلمية فى الخارج تعبيرا عن إحتجاجهم على هذه الاوضاع الظالمة والمقلوبة.
ولعل ازمة دير ابو فانا وتزايد الإعتداءات على الأقباط فى الاسابيع الماضية قد فجرت الغضب القبطى فى كل مكان حول العالم فخرجت المسيرات القبطية فى فرنسا واليونان واستراليا وكندا والنمسا واحدثهم فى العاصمة الامريكية واشنطن.
والجديد فى هذه المرة هو خروج بعض رجال الدين الأقباط على رأس هذه المسيرات كما حدث فى فرنسا واليونان واستراليا او مشاركة بعض رجال الدين من دول أخرى كما حدث فى كندا حيث شارك رجل دين انطاقى،وفى واشنطن شارك ثلاثة من رجال الدين الاثيوبيين ورجل دين امريكى بارز.ورغم هذا نشرت الكثير من الصحف فى مصر تصريحات مزيفة على لسان بعض رجال الدين الأقباط بأنهم ضد هذه المسيرات وإنهم حذروا منها، وهذا كلام عار من الصحة والحقيقة ويعد من قبيل الإشاعات الأمنية المعروفة والتى تأخذ طريقها للإعلام كما هو سائد فى النظم السلطوية المستبدة، فباتت الصحافة تتكلم نيابة عن الكنيسة فى شأن سياسى يخص اصلا المهاجرين أنفسهم ويخص حقهم الأساسىفى ممارسة العمل السياسى ووسائل الإحتجاج المكفولة قانونيا فى بلاد المهجر قبل أن يخص الكنيسة نفسها.
ونشرت الصحافة المصرية الكثير من الأكاذيب الاخرى عن هذه المسيرات ولناخذ مثلا ما نشرته صحيفة quot;المصرى اليومquot; عن مسيرة واشنطن فى عددها بتاريخ 18 يوليو 2008 وكررته فى اليوم التالى، حيث ذكرت الصحيفة عن تظاهر عشرات الأقباط فى واشنطن رغم أن من حضروا المسيرة اكثر من 700 شخص جاءوا فى عشرة اتوبيسات بالإضافة إلى عشرات السيارات الخاصة مما أدى إلى إرتباك المرور امام السفارة المصرية وإستدعاء المزيد من رجال الأمن لتنظيم الوضع وهو ما حدث أيضا أمام البيت الأبيض.ذكرت الصحيفة أيضا أن اتوبيسات المدارس الحكومية نقلت المتظاهرين بما يوحى بأنها ممولة حكوميا وهذا أيضا كلام عار من الحقيقة حيث جاءت من نيوجيرسى خمسة اتوبيسات سياحية كبيرة مؤجرة، ومن فرجينيا وميرلاند تم إستئجار خمسة اتوبيسات من المدارس الخاصة حيث الطلبة فى اجازة الصيف.ذكرت الصحيفة أن الأقباط رددوا هتافات ضد النظام أمام السفارة المصرية وهذا كلام عار من الحقيقة إلا إذا كانت المطالبة بالحقوق والتأكيد على المصرية والمطالبة بالعدالة والديموقراطية وحقوق الإنسان لكل المصريين وحمل علم مصر ولفه حول العديد من اجساد الأطفال امور معادية.
أما الإشارة إلى اسمى بمدير ما يسمى quot; بمنتدى الشرق الأوسط للحرياتquot; فهو إستعلاء أجوف تعودنا عليه ويعكس الروح البغيضة المريضة الكارهة للآخر...فقد قالوا من قبل ما يسموا باقباط المهجر ولم يبقى أمامهم إلا نعت الأقباط بصفة ما يسموا بالأقباط،....وهذه كلها مؤشرات على رؤية النظام وقطاع كبير من المصريين وإعلامهم للأقباط وللقضية القبطية.لقد كانت المسيرة منتهى الإنضباط والاحترام، وقد قال لى ضابط أمريكى إنها من أكثر المسيرات التى رآها سلمية وإنضباطا، وقد تحدثت مع المشاركين فى بداية المسيرة وقلت لهم ممنوع نهائيا أى إشارة إلى الإسلام، فهذه ليست قضيتنا ونحن نحترم كافة الأديان،وممنوع نهائيا الشتائم والتجريح لاننا أصحاب حقوق ومظالم وهذا ما التزم به الجميع.
وفى نهاية المسيرة سلمنا رسالة للسفير المصرى نبيل فهمى لتسليمها للرئيس مبارك، وقد كتبتها بنفسى، مرفق نصها فى نهاية المقال.وبعد أيام اطلعت على بيان مؤتمر الوحدة الوطنية الموقع من رؤساء احزاب الوفد والتجمع والناصرى والجبهة الديموقراطية ووجدته يتضمن نفس المطالب واكثر مما قدمناه فى رسالتنا.
لقد تعودنا على الاساليب الجوبلزية البهلوانية الإعلامية وكذلك الأمنية حيث تم منع مسيرات لدعم الوحدة الوطنية كان يود حزب التجمع تنظيمها فى المنيا وأخرى لحركة كفاية فى القاهرة، وها هم يحاولون إرهاب الأقباط فى الخارج لمنعهم من ممارسة أدنى حقوقهم وهو التعبير السلمى عن رفضهم لما آلت اليه أوضاع مصر والتدهور المريع فى كل شئ فيها والذى يؤهلها بإمتياز للدخول فى نفق الدولة الدينية المظلم حيث يتعانق الإستبداد السياسى والإستبداد الدينى فى مشهد عاشته مصر قرونا طويلة من قبل، وها هى تحاول إجترار القئ التاريخى مرة آخرى.
بقى أن اقول أن ما اثلج صدرى حقيقة بعد يومين من المسيرة وأنسانى التعب وأكاذيب الإعلام المصرى وبالتحديد فى يوم 18 يوليو تلك المحاضرة القيمة الثمينة التى القتها شخصية مرموقة شجاعة من الكنيسة القبطية وهو نيافة الأنبا توماس اسقف القوصية فى معهد هادسون الشهير بواشنطن عن خبرات الأقباط تحت مناخ الاصولية الإسلامية. لقد كانت محاضرة مركزة ومؤلمة فى نفس الوقت وكاشفة لما آلت اليه الأوضاع فى مصر.
نص رسالة الهيئات القبطية للرئيس مبارك
فخامة الرئيس حسنى مبارك
تحية واحتراما وبعد
سيادة الرئيس هذه الرسالة واحدة من عشرات الرسائل التى ارسلتها الهيئات القبطية فى المهجر إلى سيادتكم بخصوص أوضاع الأقباط فى مصر ونأمل أن تصل إلى سيادتكم وتجد رعاية من فخامتكم هذه المرة.
سيادة الرئيس
إن الوحدة الوطنية فى مصر تمثل عماد الأمن القومى المصرى، وصلابة الجبهة الداخلية هى الدرع الذى يحمى مصر، ومع هذا هناك الكثير من العابثين بهذه الوحدة بإنتهاك حقوق الإقلية القبطية المسالمة والصابرة.
إن الإعتداءات على أرواح الأقباط وممتلكاتهم وإستهداف اسرهم أصبحت تحدث بشكل متسارع ويكاد لا يمر شهر بدون إعتداءات على الأقباط بدون عقاب رادع للمعتدين وبدون تحقيق العدالة والتى هى صمام الأمان لكل المصريين.
وفى ظل غياب روح المسئولية عند الكثيرين لا يوجد أمامنا سوى مخاطبة سيادتكم شخصيا للتدخل باعتباركم المخول دستوريا بحماية الوحدة الوطنية.
إن الكثير من الإعتداءات التى حدثت للأقباط كانت نتيجة للإحتكاكات المدبرة عند الشروع فى بناء كنائس للعبادة رغم حصول هذه الكنائس على تصريحات رسمية بالبناء أو الترميم، ونتيجة أيضا لغياب قانون واضح يجرم التمييز ويترجم المبدأ الدستورى بالمساواة بين المواطنيين.
ولهذا نناشد سيادتكم بتوجيه تعليماتكم لمجلس الشعب لمناقشة القانون الموحد لبناء دور العبادة وقانون منع التمييز وكلاهما تم إعداد مسودته بواسطة خبراء المجلس القومى لحقوق الإنسان وتمت مناقشتهما فى اكثر من منتدى مصرى ولقيا إستحسانا من الجميع مسلمين واقباط.
إن توجيهات سيادتكم بسرعة إصدار هذين القانونيين سيقلص من حجم الإحتكاكات وسيضع عقوبات رادعة لمن يميز بين المواطنيين، وهما تعبير أمين عن تصدر مبدأ المواطنة لمواد الدستور المصرى.
حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل سوء وحمى وحدتها الوطنية
وتقبلوا فائق الاحترام
الهيئات القبطية الحقوقية بامريكا
[email protected]