كتاب بيل كلينتون (حياتى) هو كتاب ضخم يقع فى 900 صفحة من القطع الكبير، وصدر فى 22 يونيو 2004، وقام كلينتون بحملة إعلانية وإعلامية ضخمة للترويج للكتاب، وأنا أعتبر (كلينتون) أستاذ محترف فى فن الحملات الإنتخابية والإعلامية، وهو يعرف حقيقة كيف يخطف الأضواء بشخصيته (الكاريزماتية) (الزعيمية)!!، وكان من نتيجة حملته لتسويق كتابه أن تم توزيع أكثر من 2 مليون نسخة فى أول أيام نشر الكتاب، وأعتبر هذا رقما قياسيا جديدا ضرب به رواية (هارى بوتر) !! وأنا واثق أن كلينتون سوف يصبح مليونيرا من هذا الكتاب، بعد أن أصبح (مديونيرا) من رئاسته لأمريكا!!
ولقد ذهبت لشراء الكتاب بعد يوم من صدوره، ووجدت أنه لا توجد سوى نسخة واحدة من الكتاب على الرف، وأمسكت بالكتاب وكاد يقع من يدى لثقل وزنه. ولذلك كانت مفاجأة سارة عندما وجدت بجوار الكتاب مجموعة (دسكات) عليها تسجيل كامل للكتاب وأحسن شئ أن التسجيل كان بصوت (بيل كلينتون) شخصيا، ولما كنت مخططا للقيام برحلة طويلة بالسيارة لوحدى خلال عطلة نهاية الأسبوع، لذلك وجدت أن كتاب كلينتون سوف يكون خير رفيق.
وأعترف أننى كنت ولا أزال من المعجبين ب(كلينتون)، وأذكر أننى قد كسبت عشرة دولارات نتيجة لكسبه إنتخابات الرئاسة ضد (جورج بوش الأب)، وما حدث هو أنه كانت تعمل لدينا سكرتيرة أمريكية من الحزب الجمهورى، وكانت تعتبر من يمين الحزب الجمهورى الذى لم يكن يطيق كلينتون منذ أن كان محافظا لولاية (أركانساس) فى الجنوب، وقبل إنتخابات عام 1992 بفترة قلت لها أن (كلينتون) سوف يفوز على (بوش)، فكان ردها :"أنت مجنون، كلينتون ده نكرة، والحزب اليموقراطى وضعه أمام بوش لأن شعبية بوش فى السما و لا يوجد هناك من كبار الحزب الديموقراطى من يستطيع أن يقف أمامه، لذلك فضل الحزب أن يرسل كلينتون الى المحرقه بصفته أحد شبابه الغير معروفين."، فقلت لها (وكنت أحب أن أستفزها) : " لكن النكرة ده برضه، حيكسب بوش"، فقالت لى :" إنت جاى من مصر، إيش فهمك فى السياسة الأمريكية،، وعلى العموم تحب تراهن"، قلت لها :"مستعد للرهان" وإتفقنا على رهان رمزى (عشرة دولارات)، ونسيت الموضوع تماما، وفوجئت بها صباح يوم إعلان النتيجة وفوز كلينتون، تحضر الى غرفتى بالشركة وتضع (عشرة دولارات) على المكتب، فقلت لها :"إيه ده"، قالت لى :"كسبت الرهان"، فقلت لها:"أنا كنت فاكر الموضوع هزار"، قالت لى :"لأ... هو كلام عيال". وأحتفظت بورقة العشرة دولارات فى المكتب لكى أغيظها من آن لآخر!!
......
والكتاب فى معظمه يتحدث عن حياة كلينتون الشخصية ونشأته ويتحدث أيضا عن السياسة الداخلية الأمريكية والصراعات الحزبية والحملات الإنتخابية، وصراع القوى ما بين البيت الأبيض والكونجرس، ولا تشكل الإهتمامات الدولية أكثر من %10 من الكتاب، ولا يشكل الحديث عن الشرق الأوسط أكثر من %1 من الكتاب.
والجزء الأخير من الكتاب يتكلم عن محاولة كلينتون الأخيرة فى عمل إتفاق سلام شامل ودائم بين أسرائيل (أهود باراك) وبين فلسطين (ياسر عرفات)، هذا الجزء من الكتاب بالذات له أهميته التاريخية، وأشجع جميع القراء على قراءة هذا الجزء ربما يتعلم العرب والفلسطينيون من أخطائهم.
يقول كلينتون :
"إقرار سلام دائم فى الشرق الأوسط كانت دائما على قمة أولوياته، ورغب جديا فى إنهاء حياته السياسية فى البيت الأبيض بمحاولة تحقيق سلام عادل وشامل ونهائى بين أسرائيل والفلسطينيين، لذلك قام بدعوة كل من (باراك) و (عرفات) الى البيت الأبيض للتفاوض على المراحل النهائية وجها لوجه، ودعاهم كلينتون الى منتجع (كامب دافيد) للبعد عن الأضواء وعن توتر وإثارة أجهزةالإعلام، ولما رأى تباعد المواقف، إجتمع كلينتون مع مسشاريه وخبراء الشرق الأوسط وقرر عرض وفرض خطة سلام من طرف الإدارة الأمريكية مباشرة لأول مرة فى تاريخ النزاع العربى الإسرائيلى ، وتتمثل الخطوط العريضة لهذه الخطة فى الآتى:
(1) يحصل الفلسطينيون على% 95 من أراضى الضفة الغربية وقطاع غزة، وفى مقابل ال %5 الباقية يحصل الفلسطينيون على طريق برى يربط مابين الضفة الغربية وقطاع غزة.
(2) تزال جميع المستوطنات الإسرائيلية من الضفة وغزة، بإستثناء المستوطنات عالية الكثافة السكانية والتى تقع من ضمن ال%5 التى سوف تحتفظ بها إسرائيل.
(3) يسيطر الفلسطينيون على القدس الشرقية بإستثناء منطقة حائط المبكى فتكون تحت السيطرة الإسرائيلية.
(4) تظل مدينة القدس موحدة وتكون تحت إدارة فلسطينية إسرائيلية مشتركة.
(5) يكون من حق الفلسطينيين إنشاء دولة مستقلة.
(6) يتم الموافقة على عودة عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين والذين لا يزالوا فى المخيمات بهدف جمع شمل العائلا ت، ويتم تعويض الباقى.
وقد تضمن عرض إدارة كلينتون خرائط تفصيلية لكامل الخطة، وقد أعطى كلينتون مدة زمنية محددة مقدارها 48 ساعة فقط، يكون على كلا من باراك وعرفات أن يحضرا اليه بإجابة محددة : نعم أم لا !! بدون أى تغيير أو تعديل فى الخطة.
وفى خلال فترة الإنتظار قام كلينتون بالإتصال بعدد من الزعماء العرب، وذكر تحديدا الرئيس المصرى حسنى مبارك والأمير عبد الله بن العزيز نائب الملك بالسعودية وذلك لحثهم على تشجيع عرفات بقبول هذا المشروع.
ويذكر كلينتون بأنه قد فوجئ بباراك يوافق قبل إنتهاء المدة المحددة على مشروع سلام كلينتون، وقد كان يتوقع الرفض من طرف باراك، نظرا لحجم التنازلات التى سوف يقدمها، وكانت المفاجأة المذهلة هو أن الرفض جاء من جانب عرفات، وقد ذهل كلينتون وأصيب بخيبة أمل شديدة، ويذكر آخر حديث جرى بينه وبين عرفات وهو يترك البيت الأبيض لآخر مرة، اذ قال عرفات مخاطبا كلينتون :
"أشكرك ياسيادة الرئيس، أنت حقا رئيس عظيم".
فكان رد كلينتون باللغة الإنجليزية:
“You made me a Failure President”
"لقد جعلت مني رئيسا فاشلا"!!
ويعلق كلينتون قائلا أن :" أن عرفات بقراره هذا قد فوت فرصة ذهبية وتنازلات كبيرة من جانب إسرائيل لن يجرؤ زعيم إسرائيلى آخر بالموافقة عليها"، ويضيف كلينتون قائلا بأن عرفات هو الذى أتى ب" شارون" من اقصى اليمين لزعامة إسرائيل بعد أن تسبب برفضه فى إفشال سياسة باراك السلمية، وما لم يذكره كلينتون تأدبا بأن التاريخ لن يغفر هذا لعرفات.
وقد ثبت صحة كلام كلينتون، وقام عرفات نفسه بإبداء الندم على رفض مشروع كلينتون بعد فشل محادثات كامب دافيد وذلك فى حديث صحفى الى صحيفة إسرائيلية من حوالى سنتين، وذلك بعد أن أصبح سجين مكتبه فى رام الله، وبعد أن أصبح سجانه هو عدوه اللدود (شارون) ولا شك أن عرفات حاليا يندم أشد الندم على أيام باراك وكلينتون، ويقول:"نار باراك ولا جنة شارون"،ومازال الدهماء والغوغاء يهتفون منذ 40 سنة لعرفات قائلين :
"يأبو عمار سير.. سير... وإحنا وراك للتحرير". تحرير إيه ياجدعان، أنا والله خايف أن الدولة الفلسطينية ستتآكل فى النهاية وتقتصر على مكتب أبو عمار وغرفة نومه ودورة المياه، وسوف يخرج كما يخرج دائما بإبتسامته الكبيرة، وذقنه الغير محلوقة رافعا يديه بعلامة النصر، وذقن عرفات دى حكاية، لا هو يطلقها حتى لا يبدو مثل رجال حماس، ولا هو يحلقها، لأنه مشغول جدا بالقضية ومش فاضى يحلق ذقنه، لذلك فإنى أعتقد أن ذقن عرفات هى مفتاح شخصيته، لا هى محلوقة ولا غير محلوقة، رجل المواقف والغير مواقف، يتحدث عن سلام "الشجعان" ويقوم بتشكيل كتائب الأقصى لمحاربة إسرائيل، يستنكر علنا العمليات ضد المدنيين الإسرائيل، ويمول سرا أهالى الذين يقومون بتلك العمليات، فهنيئا لكم ياعرب أبو عمار وأرجو أن يقودكم حقا الى التحرير، أما أنا فسأهتف من أعماق قلبى مع القلة من الليبراليين الجدد:
"يأبو عمار سير.... سير.... وإحنا وراك للتدمير"!!
التعليقات