المحجّبات بين الإلتزام الديني... والإلتزام السّياسي
الزّغيدي لـ quot;إيلافquot;: الحجاب ردّة حضارية خطرة تهدد تونس

إسماعيل دبارة ndash; إيلاف: عادت قضية الحجاب في تونس لتطفو إلى السطح من جديد خلال الأسابيع الأخيرة بعد توالي التقارير الحقوقية والإعلامية حول حملة السلط الأمنية على الحجاب والمحجّبات، وبالتحديد على طالبات الجامعات والمعاهد العليا. العشرات من الشكاوى والظلمات إنهالت على عدد من المنظمات الحقوقية لتفيد في مجملها بمحاولات منع دخول الحرم الجامعي تارة ومنع التسجيل في الجامعة تارة أخرى، ومنع من الحقّ في المبيت الجامعي طورًا آخر. الحجاب أو اللباس الطائفي حسب الحكومة التونسية شكّل ولا يزال كابوسًا مؤرقًا يؤثر باستمرار في الصورة التي يريد النظام التونسي تصديرها للخارج، بلد منفتح، ضامن لحرية المعتقد واللباس، لا يمكن لهذا اللباس أن يرمز إلى إلتزام سياسي مهما كان نوعه.

منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي وفي خضمّ المعركة الضروس التي خاضها النظام التونسي مع الحركة الإسلامية (النهضة)، تحرص الجهات المسؤولة على الربط بين اللباس الطائفي ومصطلح الحجاب معتبرة إياه لباسًا غريبًا عن المجتمع التونسي، بل وأشارت في أكثر من مناسبة إلى كونه مُصدّرًا من قبل ثورة الإمام الخميني في جمهورية إيران الإسلامية. وفي خطوة فُهمت على أنها فصل من فصول المعركة ضدّ الحجاب أصدرت الحكومة التونسية في العام 1981 منشورًا رسميًا يعرف اليوم باسم منشور 108 المثير للجدل يمنع ارتداء اللباس الطائفي من قبل كل الطالبات والمعلمات والأساتذة والموظفات في القطاع العمومي، كما يفرض أيضًا منع اللباس الخليع في تلكم الأماكن.

إيمان (ب) 26 سنة معلّمة قالت في شهادة لها لـ quot;إيلافquot; إنها quot;عانت الأمرين بسبب ارتدائها الحجاب الإسلامي، فمنذ أن كانت طالبة جامعية إلى اليوم وهي موظفة عمومية لا تزال الانتهاكات تترصّدها باستمرارquot;. تقول: quot;لست أدري من أين أتوا بالعلاقة بين الطائفية والحجاب، ما دخلي أنا كمسلمة متدينة وأعيش في دولة الإسلام دينها، في ثورة الإمام الخميني أو غيره؟ حقيقة ما يبررون به حملتهم على الحجاب أضحت اليوم في حكم العبث ومثيرة للضحكquot;.

الطالبة سماح 22 سنة منعت هي الأخرى من التسجيل في إحدى الأجزاء الجامعية بتونس العاصمة إلى حين نزعها الحجاب أو الزيّ الطائفي. تقول لـ quot;إيلافquot;: quot;اللباس حرية شخصية هذا ما علمونا إياه، أعرف أن بعض المحجبات يمارسن السياسة ويرمزن إلى فصيل سياسي معروف لكنني شخصيًا لا علاقة لي لا بالسياسة ولا بغيرها فقط تدّين روحاني عادي للغاية، فأنا لا أخضع لتأثير بعض التيارات الدينية المتشددة المتأثرة بمقولات فقهاء محافظين من الشيعة أو من الوهابيين الأصوليينquot;.

وحول استفزاز وجّهته 'إيلاف' للطالبة سماح مفاده أن من يرتدين اللباس الخليع هنّ محرومات أيضًا من دخول الحرم الجامعي والإدارات العمومية ردّت بحنق: quot;هذا محض هراء، لم نسمع ولو بحالة منع واحدة من هذا القبيل، هذه مغالطة كبرى للتعتيم على الظلم الذي تتعرض له المحجبات في تونس، ليفهم الجميع أنّ المستهدف هو الحجاب ومن يرتدينه فقط بغضّ النظر عن انتماءاتهنquot;. quot;لجنة الدفاع عن المحجباتquot; التي تنشط عادة على الانترنت عبر إصدار البيانات التي توثّق بعض المضايقات التي تتعرّض لها الطالبات المحجبات عبّرت في آخر بيان لها عنquot;سخطها العارم لما تمارسه الإدارات التعليمية التونسية من ابتزاز مشين بحق الفتيات المحجباتquot;.

ودعت المنظمة الحقوقية الافتراضيّة - التي تعذّر على quot;إيلافquot; التحاور مع من يمثّلها - وزارة التربية والتعليم إلى quot;تنقية أجواء الدراسة، والسهر على السير العادي لإجراءات الترسيم الدراسي في مختلف المستويات التعليمية وكذلك التسجيل في المبيتات الجامعية، واحترام وعي التلاميذ والطلبة، وهو ما يحتاج إليه قطاع التعليم في البلاد. وطالبت اللجنة في بيانها الدولة التونسية quot;بوقف حملة استهداف المحجباتquot; وحمّلتها quot;كل الآثار المترتبة على سياساتها التي تكرس يومًا بعد يوم مظاهر التمييز والقهر والاستقواء على المرأة التونسية المحجبة بسلطة الدولة الغاشمةquot;.

من جهة أخرى، يمكن للمتابع لأزمة الحجاب في تونس أن يلحظ جليًّا أن درجة الحزم والمرونة في تطبيق المنشور 108 القاضي بمنع ارتداء الحجاب في الجامعات والمعاهد والإدارات العمومية، تتفاوت من مرحلة سياسية تمرّ بها البلاد إلى أخرى، بل قد تتدخّل طبيعة العلاقة بين السلطة والإسلاميين عبر مدّها وجزرها بمدى تطبيق المنشور المذكور.

ويشير عدد من المتابعين إلى أن الحجاب الجديد في تونس يختلف تمام الاختلاف عن مثيله في مرحلة الثمانينات من خلال عدم الحضور الكبير للالتزام الشعائري، فعدد من محجبات تونس اليوم غير ملتزمات بوضعه طول اليوم وفي كل المناسبات كما أن وضعه لا يعني الإلتزام بالصلاة أو الإكثار من الصوم خارج شهر رمضان، وهذا على خلاف المحجّبات الإسلاميات سابقًا، واللواتي اقترن ارتداؤهن للحجاب بالالتزام الديني الصارم.

الحجاب وإن وجد في تونس من يدافع عنه على غرار عدد من المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام وخصوصًا الالكترونية منها كشبكة إسلام أونلاين نت وموقع quot;لها أونلاينquot; الإسلامي وغيرهما كثير، فإن عددًا من الجمعيات والشخصيات الليبرالية والعلمانية واليسارية إعتبرت عودة الجدل بشأنه في مثل هذا الوقت ردّة وتراجعًا كبيرين قد يؤثران على قيم الحداثة التي تنشدها تونس.

الشخصية الحقوقية والعلمانية صالح الزغيدي كاتب عام الجمعيّة الثقافية للدفاع عن اللاّئكية في تونس (جمعية ثقافية تدافع عن تطبيق العلمانية في تونس لم تنل الاعتراف إلى حدّ اليوم) وعضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قال لإيلاف إن لديه قناعة شخصيّة بأنّ مسألة الحجاب ليست مسألة ثانوية في تونس فانتشار الحجاب الإسلامي أضحى ظاهرة اجتماعية وحضارية خطرة.

واستناداً إلى الزّغيدي فإنّ للحجاب وظيفتين:

أولاً حجب المرأة عن الآخرين فتصبح تبعًا لذلك، وكأنها من دون هويّة أو أن هويتها الوحيدة هي هويتها الدينية فعندما تشاهد امرأة محجّبة، فالشيء الوحيد الذي يُمكن أن نعرّفه بها أنها مسلمة متديّنة أو إسلامية. أما الوظيفة الثانية فهي فصل النساء عن الرّجال وهو تكريس أقوى لعدم اختلاط الجنسين، وهذا الفصل ينطلق كما هو معلوم من أنّ جسد المرأة يجذب بالضرورة شهيّة الرّجل الجنسية فينجرّ عن ذلك خطر التقارب أو التبادل الحسي بين المرأة والرجل، ومن هذا المنطلق فالحجاب يمثّل ضربًا في الصميم لشخصيّة المرأة وذاتها التي هي قبل كل شيء وفوق كلّ شيء كائن اجتماعي من طبيعته الاختلاط بالجنس الآخر واحتلال موقعه كاملاً في المجتمعquot;.

ويتابع صالح الزغيدي: quot;المرأة حسب رأيي ليست كائنًا دينيًا وإنّ من يختزل مسألة الحجاب في أنها مسألة حرية شخصية، وإن القضيّة هي قضية حرية لباس هؤلاء يغالطون أنفسهم أو لنقل يغالطون النّاس ، إضافة إلى أنّ من كان من بين معتقداته المقدّسة نفي حرية المعتقد (قضية الردّة وحكمها القتل في الإسلام) ونفي حريّة الزواج ونفي حرية الشرب (الخمر) وغير ذلك من المحرمات في ميدان الحرية الفردية، لا يمكن أن يتكلّم على ضرورة احترام حريّة اللباس كحرية فردية أو كقضية حقوقيةquot;.

ويؤكّد صالح الزغيدي أنه لا يرغب شخصيًا في أن تتحول شوارع تونس وجامعاتها وإداراتها ومعاهدها إلى مثيلاتها في صنعاء أو في السعودية بسبب الحجاب، معتبرًا إياه quot;ردّة حضارية خطرة تهدد تونس بعد ما حققّته من تقدّم مهم في عدد من المجالات وخصوصًا في ميدان حقوق المرأة والمساواة بين الجنسينquot;.

وبخصوص المعالجة الأمنية التي تنتهجها السلطات في تونس تجاه ظاهرة الحجاب و المحجبات أكّد الزغيدي إنه quot;لا يعتقد أن هكذا قضية يمكن أن تُحلّ عن طريقة المعالجة الأمنية وما شابه ذلكquot; على حدّ تعبيره. حقوقي آخر متابع للجدل الدائر حول الحجاب في تونس رفض الكشف عن اسمه اعتبر في تصريحاته لإيلاف أنquot; الحجاب الذي تقبل عليه فتيات تونس هو اختيار فردي لا يرمز البتة إلى ما هو سياسي بل قد يطعن أحيانًا في البرنامج السياسي للحركة الإسلامية و أنا هنا لا أعمّم إذ قد يحضر في عدد حالات الالتزام السياسي تجاه حركة النهضة الإسلاميةquot;.