الحالة السياسية في البلاد اليوم تعيش فترة إضطراب
حديث عن الإشراقات والإخفاقات في مسيرة الديموقراطية الكويتية
ماضي الخميس- إيلاف: في عام 1938 عاش الكويتيون التجربة الديموقراطية لأول مرة بصيغتها المؤسساتية المنظمة ، وذلك من خلال الإنتخابات التي جرت لإختيار أعضاء المجلس التشريعي الأول بتاريخ الكويت، شارك في الإنتخابات وقتها قرابة 320 مواطنا جرى إختيارهم من بين كافة المواطنين، ساهموا بأصواتهم لإختيار أربعة عشر نائبا في المجلس التشريعي التأسيسي.
مجلس 1938 لم يستمر أكثر من ستة أشهر ، وإنتهى بعد صدام دامي بين أعضاء المجلس والحاكم وقتها الشيخ أحمد الجابر، حيث أن المجلس وخلال أول أسبوع له قام بإصدار دستور كان بمثابة تجريد فعلي للحاكم من معظم صلاحياته في تصريف شؤون الدولة .. وقتها لم يعترض الشيخ أحمد الجابر على التوقيع على الدستور حين شعر برغبة قوية من الأعضاء بالتمسك به ، لكنه وقع بكلمة quot;نحن حاكم الكويتquot; بدلا من نحن quot;أمير الكويتquot;.
لم تنجح التجربة الديموقراطية في الكويت عام 1938 بسبب استعجال المجلس لمشاركة الحاكم في صلاحياته ، والحد من استفراده بقرار الحكم ، اضافة الى سعي اعضاء المجلس انذاك للتدخل في بعض القرارات الخاصة بالحاكم ، والسعي الى ابعاد بعض المقربين منه من السلطة ، والاهم كان سعي المجلس التشريعي الى وضع يده على السلاح ومخازن الذخيرة التي كانت مكدسة في قصر نايف لتكون تحت امرهم ، وذلك بعد أن انتقلت صلاحيات الاشراف على الامن والدفاع الى المجلس التشريعي ، وكان هذا الامر مخالفا للاجراءات والتعهدات التي قبلت بموجبها بريطانيا تزويد الكويت بالسلاح ، خاصة وأن تاسيس نظام الحكم في الكويت ، واعتلاء أسرة الصباح سدة الحكم كان بالتراضي والاتفاق بين كافة الاطراف المعنية في الدولة.
ولنا أن نذكر بأن الغاء المجلس التشريعي التأسيسي عام 1938 صاحبه حالة صدام وعدم استقرار شديدة ، أدت الى سجن بعض الأعضاء وهروب بعضهم الآخر الى خارج الكويت ، كما حدثت اضطرابات أدت الى صدامات غير مسبوقة في الشارع الكويتي في العاشر من مارس 1939. بعد ذلك بقيت الكويت بلا تجارب ديموقراطية مؤسساتية ، حتى جاء الاستقلال عام 1961 ، بعدها قرر الشيخ عبدالله السالم حاكم الكويت ، اعادة تحريك مياه الديموقراطية وفتح ينابيعها ، وتأسيس دولة ديموقراطية حديثة ، يحكمها الدستور الذي اتفق على وضعه ممثلون عن السلطة التشريعية والتنفيذية ، ليكون الحصن الحصين ، والمظلة الشرعية التي يستظل بها الجميع.
تلك التجربة الدامية في تاريخ الكويت السياسي في عام 1938 وما صاحبها من أحداث دامية وساخنة ، يظهر أنها أصابت الواقع السياسي في الكويت بلعنة سياسية ، حيث أن الصراع ظل ديدن العلاقة دائما بين السلطتين التشريعية المتمثلة بمجلس الأمة والتنفيذية وهي الحكومة ، وخلال مراحل تكوين تاريخ العمل السياسي في الكويت مرت تلك العلاقة بين الطرفين باشراقات واخفاقات ، كان نصيب الاحباط والتوتر والاخفاق فيها أكثر كثيرا من الجانب المشرق.
وظلت الأزمات السياسية تتوالي على الساحة السياسية في الكويت يوما بعد يوم ، تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة .. وصارت الأزمات السياسية تتصاعد تدريجيا في الكويت منذ المجلس التأسيسي عام 1962 وحتى يومنا هذا ، حيث أن الدستور الكويتي منح أعضاء مجلس الأمة صلاحيات واسعة في الرقابة ومحاسبة الحكومة وأعضائها ، ولم يشدد الدستور في طريقة استخدام تلك الصلاحيات بل منح النواب حقا مطلقا في المحاسبة المشددة التي تصل الى طرح الثقة بالوزراء واقصائهم عن مناصبهم.
تلك الصلاحيات المطلقة هي التي جعلتنا اليوم نعاني بشدة من الاستخدامات الغير صحية للاعضاء للأدوات الدستورية واخطرها الاستجواب ، وجعلنا نرى أعضاء مجلس الأمة يقودون الشارع الكويتي الى مرحلة شديدة الخطورة بسبب ما تعيشه الكويت من صراع مدبر يسعى بعض النواب لاشعاله من خلال التنافس المحموم على الاستجوابات ، والسباق بينهم لتصعيد الصراع بالسعي الى استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ، وهو ما تم اعلانه من قبل ثلاثة اطراف ، الاول هم اعضاء الحركة الدستورية (الاخوان المسلمين) الذين يسعون لاستجواب رئيس الحكومة بسبب الغاء مشروع الداو كيمكال دفاعا عن وزير النفط السابق محمد العليم وهو احد اعضاء الحركة الدستورية وكان من اكثر المتحمسين للمشروع ، والطرف الثاني هو النائب ضيف الله بورمية الذي اعلن عزمه على استجواب رئيس الحكومة بسبب عدم الاستجابة لطلبه باسقاط كافة الديون عن المواطنين وان تقوم الحكومة بسدادها عنهم ، والطرف الثالث هو النائب احمد المليفي الذي اعلن انه سيستجوب رئيس الحكومة خلال اسبوع بسبب عدم قناعته بتقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق بمصاريف ديوان رئيس الحكومة اضافة الى ملف التجنيس.
المراقب للوضع السياسي في الكويت اليوم يشهد بأن هناك تسابقا من قبل الاعضاء لخلط الاوراق .. وتنافسا بينهم في حرب الاستجواب الموجه لرئيس الحكومة ، وكل طرف يزاحم الآخر في تلك المعركة.
هناك جانب آخر سقط من حسابات النواب وسط حماسهم واندفاعهم بالتصعيد اتجاه الحكومة ورئيسها ، وهو المتمثل في الشارع الكويتي الذي بات في حالة ضجر شديد واستياء عام من الممارسات الغير مسؤولة من قبل بعض النواب ، ومن التأجيج والتصعيد الغير مبرر الذي يمارسه عدد من الاعضاء ضد الحكومة بسبب او من غير سبب ، ومن تغيير المواقف لبعض التيارات خاصة الحركة الدستورية التي كانت قبل شهرين تدافع عن رئيس الحكومة ومشروعه الاصلاحي لكنها اليوم تنقلب باتجاه آخر بسبب مشروع الداو كيمكال الذي حاصرته العديد من الشكوك.
الشارع الكويتي الغارق بالهموم .. والمتعلق بآمال محدودة بالخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أصابت الجسد الاقتصادي بالكويت ، يضع رقبته اليوم على كف الحكومة ، متأملا منها الخروج بها بسلام من تلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة ، وحين بدأ الشارع الكويتي يشعر بأن الحكومة وضعت يدها على بداية سكة التعافي الاقتصادي ، وجد أن بعض الاعضاء صاروا ينفدون الى بعض الثغرات لتعطيل الحكومة عن المضي بهذا الطريق او الهاءها كي تتخبط بأزمات أخرى ولا تقوى على المضي بمشروعها الاقتصادي الذي باتت ملامح التعافي تتضح عليه.
الشارع الكويتي الذي يؤمن بالحرية ويتمسك بالديموقراطية بدأ يضجر من مثل تلك الممارسات اللا محسوبة لعدد من الاعضاء في مواجهتها للحكومة ، وكان يتمنى لو أن الاعضاء سلكوا طريق الحكمة في التعاطي مع الأزمات الطاحنة التي تعيشها البلد ، وقللوا من حدة خصومتهم ، وأمهلوا الحكومة فترة زمنية تستطيع خلالها العمل براحة واعتدال بعدها يمكن محاسبتها.
إن المشروع الديموقراطي في الكويت وهو يحتفل اليوم بمرور سبعين عاما على قيامه ، لا يمكن أن يوصف بالفشل ، واذا ما كانت الاشراقات التي نتمناها من الديموقراطية قد تعثرت ببعض الاخفاقات فهذا لا يعني مطلقا أن ندعوا للتخلص من المشروع الديموقراطي بقدر ما ندعوا الى اصلاح الخلل الذي أصاب الديموقراطية ، وتنقيتها من بعض الشوائب التي علقت بها.
إن الحريات العالية والكبيرة التي تنعم بها الكويت اليوم صارت تقلق البعض بسبب وجودها ، كما أن البعض أثر في سمعتها النقية بسبب الممارسات السلبية التي أساؤوا للديموقراطية بها. الحالة السياسية في الكويت اليوم تعيش فترة اضطراب جماعي من كافة النواحي ، المتابع لما يحدث في الكويت سيلمس بلا شك صراعا في اتجاهات عدة ، وسيلاحظ وجود تعمد من قبل بعض الاعضاء في التعمد لاستغلال الديموقراطية بشكل غير سليم .
لا يمكن أن يتنبأ أيا من كان بما ستسفر عنه الأيام المقبلة بالكويت ، وما ستحققه كل تلك الأزمات وذاك التصعيد .. خاصة وأن الكثير من المؤشرات تدل على أن المشروع الديموقراطي المتمثل بمجلس الأمة أصبح يمثل عبئا كبيرا على الدولة .. وأن الحلول المطروحة جميعها لا تصب في صالح هذا المشروع .. ولكن الحلول أحيانا قد تكون له حسابات أخرى .. خاصة واذا علمنا أن ذلك التأزيم والتصعيد صار يؤثر بشكل واضح على كافة مشاريع التنمية والتطور وعطل الكثير من الجوانب المشرقة في الكويت .. بانتظار الحل .. وحتى يتحقق أيا ما كان لنا حديث آخر .. ودمتم سالمين.
[email protected]
التعليقات